منصور الجمري- الوسط البحرينية-
إنَّ ما حدث في سوريَّة والعراق من انهيار لسلطة الدولة في مناطق شاسعة لم يأتِ بسبب عوامل خارجيَّة فقط. ففي الوقت الذي تضافرت جُهودٌ من خارج هاتين الدولتين لإفساح المجال للإرهابيّين للسيطرة على مُدنٍ ومَوارد إستراتيجيَّةٍ، فإنَّ انتشار الفساد الإداري - السياسي، وانتشار الطائفيَّة، ساهما بشكل مُباشرٍ في انهيار جُيوشٍ بِكاملِها، وسُقوطِ مُدُنٍ بِمُجتمعاتِها بِسرعةٍ مُذهلةٍ.
في العراق مثلاً، وحتى بعد أنْ أعلنت الحكومةُ العراقيَّةُ عن وجود عشرات الآلاف من المعاشات الوهميَّة التي كانت تُصرفُ لِجنودٍ غير موجودين، وحتى بعد انكشافِ البذخِ في الصرف على الهيكليَّات الرسمية غير الفاعلة، وحتى بعد خروج النَّاس في مُظاهراتٍ ضِدَّ الفساد، فإنَّ إصلاح ذلك الوضع لايزال يمثّل تحدياً كبيراً. وهذا الأُنموذجُ من الفساد لعلَّه انكشف بصورةٍ واضحةٍ في العراق، لكنَّه مُنتشرٌ كظاهرة في عَددٍ من بُلدانِ المنطقة، وهذا ما ساهمَ في انتشار الحركات المُتطرّفة، التي استطاعت اجتذاب الشباب، وهزَّت أو أسقطت كيانات الدول في عِدَّة أماكن.
الفسادُ والطائفيَّةُ يخلُقان الفِرصة لانتشارِ العُنف والإرهاب، كما يوفّران الأرضيَّة لانتشار الاستبداد والقمع، وفي النهاية لا يُحققان أمْناً أو اسْتقراراً، ويتسبَّبان في إنهاك الإمكانات وتمزيق نسيج المجتمعات، وتوتير الأجواء بما يُشتّتُ الجهود، ويُضعِفُ قدرة البلدان على الصعود مقارنة مع البلدان الأُخرى التي لا تعاني من هذه الأمراض. فليس هناك فَخرٌ لمن يسلك نهجاً يبدّد موارد بلاده، أو يهلك الحرث والنسل، أو ينشر الجهل والأحقاد، في عصر تنتعش فيه أُممٌ أخرى بموارد أقلّ وبظروف أصعب.
إنَّ الفساد والطائفيَّة من الأمراض التي تنخر في كُلّ هياكل الدول والمجتمعات، وهما، وإنْ توهَّم من يستخدمُهما بأنَّهما يحقّقان مصالح آنيَّة، فإنَّهما سُرعان ما يُنتجانِ المآسي للجميع من دون استثناء. إنَّ أيَّ بلد لا يُحقّق تقدماً إذا نخر الفساد في هياكله، ولا يستطيع إنجاز أي تقدم إذا كان نسيجه المجتمعي قد تفتَّت بدواعٍ فِئويَّة، وما يجري أمام أعيننا ينبغي أنْ يكون درساً للجميع؛ للابتعاد عن هذه المصائب التي لا ترحم أحداً.