هاني الفردان- الوسط البحرينية-
مر على صدور تقرير ديوان الرقابة المالية 12 عاماً، ويأتي تقرير هذا العام (تقرير 2014) في نسخته الثانية عشرة (من العام 2003 وحتى الآن) ونحن نشهد كل عام جملة من «المفاسد» المالية والإدارية في مختلف المؤسسات الرسمية، كما نشهد عدم وجود «مفسدين» أو حتى «مقصرين» يمكن محاسبتهم وعزلهم من مناصبهم سواء كان وزيرا أو مسئولا.
يأتي تقرير هذا العام بعد أيام فقط من إصدار صكوك البراءة لجملة الوزراء والمسئولين عما حمله تقرير العام الماضي (2013)، وذلك بعد أن خلقت لنفسها مختلف الجهات دون تسميات «المبررات القانونية» الكافية للهروب من تداعيات ذلك الملف الذي أزكم الأنوف.
يأتي التقرير الجديد ليضيف لخزينة الانتقادات العامة ملفاً جديداً، يؤكد استمرار جهات رسمية على النهج ذاته من الأداء والتقصير والتخبط والضعف الحكومي، وفي أحيان ليست قليلة بل كثيرة تلاعب وفساد (عيني عينك)، ودون استحياء أو خجل أو حتى خوف من تقرير رقابي قد يكشف ذلك! فليس خافياً على أحد تكرار المشاهد ذاتها، والتجاوزات والملاحظات ذاتها في التقارير المتعاقبة ومن الجهات ذاتها، ولسان حالهم يقول: «قل ما تريد وسنفعل ما نشاء»!
كالعادة أجمعت الصحف المحلية الصادرة على موقف واحد بعد نشرها تفاصيل «تقرير الرقابة المالية والإدارية»، وهي هدر «ملايين الدنانير وتحايل واسع من قبل جهات حكومية على القوانين»!.
يكمن واقع الحديث أن ذلك الهدر للمال العام بالملايين يأتي متزامناً مع سياسة التقشف الرسمية، وأزمة مالية علنية تعيشها الدولة، مع توجه معلن وصريح لزيادة الدين العام والمزيد من الاقتراض، وإسقاط الدعم عن سلع رئيسية وتحميل المواطن فوق طاقته.
ومع كل ذلك فإن الحكومة، وكعادتها في كل عام بعد صدور التقرير، تنحو للحديث عن المحاسبة، وإحالة المقصرين إلى التحقيق، وتصحيح «مكامن الخلل والقصور»!
منذ 12 عاماً، وحتى يومنا هذا لم يقدّم وزير واحد إلى محاكمة، ولم يحاسب مسئول رفيع، عن مجمل الفساد المالي والإداري الذي لا يتوقف كل عام، فلماذا يخاف أي مسئول أو وزير من تقرير ديوان الرقابة المالية؟ وهو متأكد بأن هذا التقرير لن يكون شيئاً يذكر سوى ليوم واحد سينشر عبر الصحف، ومع كمٍّ كبير جداً من الفضائح والتجاوزات في مختلف المؤسسات من شأنها أن يضيِّع بعضها بعضا.
لماذا سيخاف مسئول من التقرير؟ إذا ما جزمنا أنه طوال السنوات الماضية لم يُحاسب أي مسئول أو وزير على أي فساد في مؤسسته أو وزارته، مع عجز السلطات الرقابية عن البحث في غمار هذه القضايا سوى في حالات بسيطة وعلى استحياء، مع تهديدات فارغة وصراخ أجوف ووعيد للاستهلاك الإعلامي اليومي غير منقطع النظير، بينما من وراء الكواليس «سمعاً وطاعة»!
إذاً، لماذا يخاف المسئول أو الوزير؟ ولماذا يتوقف أو حتى يصلح من أداء مؤسسته أو وزارته؟ إذا أيقن بأن هذا التقرير كتب فقط ليضم للتقارير السابقة في مكتبة الدولة ليكون علامة بارزة على نهج الشفافية والرقابة الإدارية والمالية، وليوزع بغلافه المخملي، وطبعته الراقية في المناسبات الوطنية والمحافل الدولية!
تقرير هذا العام لم يُشِر لشيء يثير القلق أو يستوجب المحاسبة الحقيقية، ولم يأتِ بجديد لم تذكره تقارير الرقابة المالية والإدارية السابقة، وكما هي العادة فإن المؤسسات الرسمية في الدولة تتعامل وفق سياسة «البخل» في تنفيذ المشاريع التي من شأنها أن تعسر على المواطنين، فقد أضاعت 8 جهات حكومية ما نسبته 57 في المئة من موازناتها كانت مخصّصة للمشاريع في 2014! وهو «بخل» يستوجب شكر المسئولين عنه!
ماذا يعني أن تعين مؤسسات رسمية أشخاصاً غير مؤهلين، وأن ترسي وزارة مناقصةً ضخمةً بلا مناقصة (جهة حكومية مستمرة في عدم الاعتراف بقانون المناقصات)! فيما زادت هيئات حكومية رواتب مسئوليها بقرارات غير مدروسة. وماذا يعني أن ديوان الرقابة في كل تقرير له يسلط الضوء على عدم الالتزام بتوصياته.
ماذا يعني أن العجز الاكتواري لصناديق التأمينات الاجتماعية يقفز لـ6.7 مليارات دينار؟ وماذا يعني امتناع وزارة المالية عن تسديد 38 مليون دينار لصندوق تقاعد «الشورى والنواب»؟ وماذا يعني أصلاً أن تقاعد 133 عضواً نيابياً يكلف 33.6 مليون دينار؟!
قائمة الفساد والتلاعب المالي والإداري طويلة جداً، لم تتسع لها صفحات تقرير ديوان الرقابة المالية، وبعض هذه التجاوزات أصبحت شبه متكررة في كل التقارير كل عام، بلا تغيير، وبلا خوف. وكما هو معتاد في كل عام، ستوجّه الحكومة الوزارات والمؤسسات في بيان رسمي «مكرّر ورتيب»، إلى «تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير، وإعداد تقرير مفصل بشأنها يرفع إلى المجلس»، وكان الله غفوراً رحيماً، لتسدل الستار على التقرير كما يحدث كل عام!
لا أحد معنيٌ بقضايا الفساد المالي والإداري في البحرين، ولا مسئولين يمكن محاسبتهم، ولم ولن تتم إقالة أو تغيير وزير بسبب ذلك الفساد؛ كون الفساد الموجود في مؤسسات الدولة الرسمية والشركات والهيئات التابعة لها يسقط من السماء كالمطر وليس من صنع بشر.