طارق أشقر- الوطن العمانية-
رغم ان تفجيرات الجمعة الماضي التي عمت مواقع متفرقة في العاصمة الفرنسية باريس لم تكن مفاجئة للعديد من السياسيين وبينهم اوروبيون، كونها وقعت متزامنة مع سلسلة من العمليات الانتحارية والتفجيرات في مواقع أخرى من العالم بينها الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، وانفجار الطائرة الروسية في سيناء المصرية، والتفجير الانتحاري في سوق ديالى العراقية، إلا ان التزامن في وقوع هذه التفجيرات في فترات زمنية متقاربة، ووجود قاسم مشترك واحد بينها جميعا، وهو تبني تنظيم الدولة الاسلامية لكافة هذه العمليات اللا انسانية المرفوضة، يضع العالم أجمع في محك الحاجة الماسة للعمل الجاد وبمصداقية وشفافية من أجل إحلال السلام العالمي دون تمييز لجغرافية معينة.
ان قتل مائة وثمان وعشرين ضحية من البشر وجرح المئات في فرنسا، وقبله موت واحد وأربعين شخصا في لبنان، وسقوط مائتين واربعة وعشرين قتيلاً هم كافة ركاب الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء خلال نفس الفترة، وموت مائتين وخمسين قتيلا في ديالى بالعراق، كل هذا التقتيل الجماعي وبغض النظر عن جنسية الضحايا يعتبر زهقا للروح الانسانية وخصماً على الحضارة البشرية بمختلف دياناتها ومعتقداتها، وذلك في وقت باتت تفكر فيه تلك الحضارة ـ أي الانسانية ـ في السبيل لتمكين مفهوم الرحمة في حياة البشر حتى في لحظات وجوب الموت، فعكف الانسان يبحث عن كيفية استفادته من اسلوب الموت الرحيم احتراماً منه لآدميته حيث ظل يسعى طيلة القرون الماضية بحثا عن ما يخلصه من الألم.
إن القناعة بحق الانسان في الحياة والعيش بسلام مهما اختلفت جنسيته وديانته وجغرافيته، تقتضي رفض كافة أشكال العنف مهما سطعت ولمعت المبررات، غير ان هذه القناعة ما زالت في حاجة إلى بيئة حضارية تستوعبها في اطار من الايمان القاطع بحق (الآخر) في الحياة، وان الصراع حول المصالح السياسية الضيقة من اجل المكاسب الاقتصادية والعسكرية الرخيصة ينبغي ان لا يؤدي بأي حال لنقل ميادين الصراع إلى حيث يقطن المدنيون من بني البشر سواء كانوا في أوروبا أو آسيا العربية أو غير العربية، أو في اميركا شمالها وجنوبها، أو في افريقيا أو استراليا وغيرها من بقاع العالم دون استثناء.
ان بروز الدعوة العاجلة لاقرار السلام العالمي على ضوء تفجيرات باريس، ليس بسبب تمايز جنس على آخر، ولكن باعتبار ان التفجيرات الأخيرة شكلت اضافة تراكمية زادت من اعداد المفقودين في العالم بسبب التفجيرات الرعناء التي يرتكبها وللأسف نفر من بني البشر أساؤوا فهم وتفسير المعتقدات الدينية وسلكوا طريق الغلو والتطرف، فأضروا بأنفسهم وبمن حولهم ايضاً.
ان ضرورة استنفار الجهود للعمل الجاد لإرساء السلام العالمي في هذا الوقت بالذات وبعد انفجارات باريس سببها ما تمت معايشته من تداعيات سابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر في أميركا، والتي ادت نتائجها إلى تغيير ميزان القوى بمنطقتنا وانفراط الأمن فيها، فلم تتعاف المنطقة والعالم من تلك التداعيات الا وأتت تفجيرات باريس التي نخشى ان يتم التعاطي معها بردة الفعل دون تصنيف واضح للمفاهيم.
وفي كل الأحوال فإن الظروف الجيوسياسية الحالية تعتبر المنعطف الأكبر في مسار استقرار العالم، خصوصا وان مرتكبي الأعمال الارهابية اصبحوا غير أحادي الجنسية بمعنى انهم من مختلف الجنسيات ومن مختلف القارات ونشأوا في مجتمعات وحضارات متباينة، مما يجعل تفعيل عمل الاجتماعيين أمرا ضروريا في كل من اوروبا والمنطقة العربية وأميركا وغيرها وذلك من أجل ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين البشر، على ان يسبق كل ذلك حل ما هو عالق من صراعات كالقضية الفلسطينية والأزمة السورية على سبيل المثال لا الحصر.