د. خالد عايد الجنفاوي- السياسة الكويتية-
يُبرر بعض من لا يلتزمون مسؤولياتهم وواجباتهم الوظيفية تصرفاتهم التي تنافي أخلاق المهنة بما يزعمون انه انتشار الفساد حولهم! فلسان حال الموظف المُقَصِّر أو المتقاعس يبدو كالتالي: «ما دام فلان يحضر الى مقر عمله ويهمل واجباته الوظيفية، أو يبصم ويغادر مباشرة، ويتسلم راتبه كاملاً نهاية الشهر، فلماذا أكترث بأداء دور مختلف.
يتناقض هذا التفكير المعوج حول الواجبات الوظيفية مع ما يؤكده المنطق ونظم الإدارة المعاصرة، فالإنسان الملتزم وظيفياً أكثر إنتاجية وسعادة وشعوراً بالاستقرار المالي والاجتماعي والنفسي، من ذلك الفرد الذي يُهمل أو يتجاهل، أو لا يكترث بأداء واجباته لقاء الراتب الذي يتلقاه آخر الشهر. أعتقد أن الموظف الضعيف الإنتاجية أو الذي ربما يحضر الى مكان عمله ليسجل حضوره ومن ثم يغادر مباشرة لا يشعر فقط بعدم السعادة، وفقدان الاستقرار النفسي، بل يبدو كغيره يعاني مثل الموظفين المهملين من أزمات مالية متكررة، فالعمل الصادق يطيل أمد الراتب، والاستخفاف بالواجبات الوظيفية يجعل الشخص ضحية لكل أنواع الكوارث المالية. بل لا يصح أيضاً أن يُبرر الموظف المهمل فساده الوظيفي بضعف التزام بعض الآخرين بالقوانين والضوابط الإدارية، فكيف يقبل الانسان السوي أن يتقاضى راتباً كاملاً في نهاية الشهر عن عمل لم ينجزه على أرض الواقع، وكيف يقبل المسلم السوي أن يُطعم أبناءه مالاً يُشك في مشروعيته الدينية والأخلاقية؟ ربما سأبدو رومانسياً هنا إذا افترضت التالي: الدينار الذي يأتي من عمل صادق، وكنتيجة لالتزام القوانين والنظم الوظيفية تزيد بركته وخيراته عكس الدينار الذي يصل الى الحساب المصرفي بلا عمل حقيقي، إذا أردتم. يُفبرك البعض فراغاً أخلاقياً مُصطنعاً من حولهم يُسوغون خلاله تكاسلهم وإهمالهم لواجباتهم الوظيفية، فلا يوجد حق أو صواب في تفسير الموظف المهمل لما يجري حوله، ولا يصح أخلاقياً استعمال التعبير الشعبي التالي لتبرير التسيب الوظيفي: «طًنِّش يا عمي، أحد داري عَنِّك”! من يدرك في قرارة نفسه أنه لا يستحق جزءا كبيراً من راتبه مقابل عمل لم ينفذه سيصعب عليه أن يعيش حياة إنسانية مستقرة. فإذا كان الزعم بانتشار الفساد يبرر التسيب الوظيفي، فما الذي يفسر انغماس بعض الأفراد المتجاهلين لمسؤولياتهم وواجباتهم الوظيفية في فوضى حياتية يومية، فتراهم يُفلسون في بداية الشهر، ويعجزون عن دفع فواتيرهم وكل ما يمتلكونه من أثاث وأجهزة كهربائية وحياة مرفهة لا يؤدي إلى سعادة حقيقية.