نبيلة حسني محجوب- المدينة السعودية-
قلة يبددون المليارات، وأغلبية تمطر على رأسهم الخسائر والمصائب مع هطول «شوية مطر»؛ فتغرق سيارته وهو يخوض بها في بحر متلاطم من المياه المختلطة بمياه المجاري وقاذورات الشوارع، بالإضافة إلى المدة الزمنية التي يجتاز فيها المسافة من العمل إلى البيت، والحمد لله أن تعليق الدراسة قلَّل الأضرار وحمى أرواح الصغار، بعد أن أصبح موسم الأمطار موسماً للإجازات المدرسية الباذخة، لكن كثيرين خرجوا من منازلهم إلى وجهات مختلفة ربما ثقة بالمشاريع التي نفذت بمليارات الريالات، المليارات التى ترصد بعد كل كارثة أمطار، وعند عودته يخوض في المياه المتراكمة، والطرقات مغلقة، فيحاول اجتياز المرور من الشوارع الخلفية، فيجد نفسه يخوض مع سيارته في تجمعات المياه، هذا نموذج واحد أو صورة للضرر الذي يتعرض له المواطن في يوم ماطر.
اجتازت ابنتي الطريق من العمل إلى البيت في ست (6) ساعات كاملة، والمسافة لا تتجاوز نصف الساعة، السيارة لم تعد صالحة للاستعمال، فخضنا في إجراءات بين الشركة والتأمين والدفاع المدني، لأن المياه غمرت السيارة، حمدتُ الله على سلامة ابنتي، فكل شئ يمكن تعويضه، إلا الروح، هذا الإيمان الراسخ في قلوبنا يملؤها رضا، وتلهج ألسنتنا بالشكر والحمد بعد كل كارثة أمطار تصيبنا بالخسائر، نحمد الله بأنها جاءت على قدر هذا، وهذا ربما يبرر استمرار الأخطاء وإهدار المال العام في مشاريع وهمية طالما أننا بعد كل كارثة نصمت ونرضى بما أصابنا باعتبار أن الأشياء تُعوَّض طالما الرأس سالم.
الأضرار لا يمكن حصرها في البلاغات التي استقبلها الدفاع المدني، فهي بذلك لا تعتبر مقياساً حقيقياً لحجم الأضرار التي تعرَّض لها المواطنون في مدينة جدة الثلاثاء الماضي، مع أننا لم نكن نتوقع تلك المشاهد لتجمعات المياه وتدفقه بذلك الشكل، بالاضافة الى سقوط لوحات الإعلانات التي تستوفي حقها الأمانات ولكنها لا تشرف على تركيبها ومتانتها وصيانتها رغم خطر سقوطها على المارة أو السيارات كما يحدث عند هبوب عاصفة خفيفة، حتى الأشجار تسقط في مدننا، تقتلع من جذورها لأن الأرض حفرت وبذرت على عجل، وأعمدة الكهرباء سقطت وهي الأعلى تكلفة، قيمة وتركيباً، فعندما تسمع قيمة عامود النور الواحد يصيبك الدوار لأنها في دول أخرى يمكن أن تنير شوارع دون أن تسقط على الناس والسيارات فجأة.
مليارات ترصد والنتائج دائماً صادمة، الصورة تكشف تضليل المسؤول، الذي أمن العقوبة، صحيح لن تحل المشكلة لكنها تشفي غليل المواطن، تضعه أمام مصيبته ليسخر منها، يبدو أن المرئي فاق المكتوب والمسموع، إعلامياً، خصوصاً في الكوارث، وإظهار وجه التقصير البشع، الذي جعل جدة تغرق، ومع ذلك حاول كل المسؤولين الذين تداخلوا في نفس اليوم مع برنامج يا هلا/ روتانا وبرنامج الثامنة؛ إظهار وجه آخر للحقيقة، ربما من خلال حجم البلاغات الذي لا يتجاوز المئات، وأنهم سيطروا على الوضع، وأنها لم تحدث كارثة بمعنى أنه لا أحد مات غرقاً مع أن هناك طفلاً صعقته الكهرباء المكشوفة ومات هو ومن أسرع لينقذه.
عدم الاعتراف بالمشكلة وتصريحات المسؤولين التي تناقض ما عايشناه، لأن الأمطار لم تُحدث كارثة «ما في خسائر في الأرواح كالمرة السابقة» -كما قال أحدهم-، يعني أنهم ينتظرون غرق نصف سكان جدة، وجرفهم بالسيول حتى يعترفوا أن هناك مشكلة في تجمعات المياه في الشوارع والأنفاق، مع أن كمية الأمطار ليست كالمرة السابقة، إلا أن النتيجة أرضتهم!