فاتن محمد حسين- مكة نيوز السعودية-
ترافقت أزمة سقوط الأمطار مع الكثير من الطرف من الشعب السعودي الذي أصبح بحق من خفة الدم ما يسلي به نفسه ويعزيها في كل مصاب؛ فمن أزمة (الفكر) إلى أزمة (السيول) يا قلبي لا تحزن.. ومن أجمل الطُرف التي وصلتنا: (علم + ماء = علماء ) وهي تمثل السخرية لفصل يجلس طلابه والماء يغطيهم إلى منتصفهم وأمامهم سبورتهم..! والتي تدل على الاهتمام بالتعلم رغم كل الصعوبات.. لأننا ننتظر علماء المستقبل!! والحقيقة فإن النكتة هي أسلوب يجد فيه الإنسان متنفساً للتعبير عما يؤلمه بصورة ساخرة تقلل من الألم وتبعث بالرسالة لأصحاب الشأن.
والمتأمل لأحوال الدول، ولا أقول الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا ولكن الدول الفقيرة مثل: إندونيسيا والفلبين وإثيوبيا .. يجد أن الأمطار تكاد تهطل عليها ليل نهار لطبيعتها الجغرافية ولكن حينما تنزل للشوارع لا تكاد تجد قطرة ماء.. لأن مشاريع تصريف السيول أقيمت على أعلى المواصفات والمعايير العالمية في البناء. وحكومتنا الرشيدة ومنذ عام 1400 أقرت مشروع تصريف السيول وتنفق مليارات الريالات على تلك المشاريع.. والتي يبدو أنها لم تنفذ حتى الآن!! فحتى بعد كارثة سيول جدة عام 1430 توقعنا إحداث تغيير جذري في خطط المنشآت للبنى التحتية لتصريف السيول.. ولكن للأسف لم تلبث أن تتكشف لنا الحقائق المخيبة للآمال، وأن مشاريع تصريف السيول في جدة وغيرها.. نفذت على طريقة (كبكب وليِّس ويطلع كويس) وكم أكره هذا المثل لأنه يدل على عدم الالتزام بمعايير الجودة والإتقان في العمل، وهذا ليس من صفات المسلم.
والجميل أن الأجهزة الذكية قد جعلت كل الشعب يمثل إعلاماً متكاملاً فيبث الحدث من المصدر بالأدلة القاطعة فتتكشف فضائح قد لا يجرؤ الإعلام التقليدي على إظهارها، وترسل للقروبات منها مثلاً: مطار الملك عبدالعزيز الجديد الذي لم يتم افتتاحه بعد، وخرير الماء يملأ ساحاته.. ومجمع الملك عبدالله الطبي في شمال جدة، تدخل السيول ممراته وأقسام الطوارئ مما أدى إلى تعطل الأجهزة.. هذا فضلاً عما أصاب مستشفى تبوك للنساء والولادة من أضرار جسيمة وانقطاع للتيار الكهربائي عن المرضى الذين يعيشون على أجهزة التنفس!
ولكن ماذا يعني تعليق الدراسة؟ ألا يعني أن المسؤول غير متأكد من صلاحية البنى التحتية -ليس للشوارع والطرقات فحسب- ولكن للمدارس كذلك.. كما أنه لا يثق بمشاريع الصيانة التي تصرف عليها الملايين كل عام!! وأن مجاري التصريف للأمطار ربما معطلة وقد يغرق الطلاب والطالبات في مدارسهم..!! ألا يعني عدم القدرة على تحمل المسؤولية.. فلربما يهوي السقف أو يسقط جدار على أحد منسوبي المدارس.. ولكن ألا يدل ذلك على عجزنا عن إدارة المواقف وفشلنا من إقامة بنى تحتية لبيئة آمنة..!! فكم من المليارات تنفق على مشاريع بناء المدارس وصيانتها!! والمفترض أن يكون استلام المباني وفق أعلى معدلات الجودة في البناء لحماية أرواح منسوبي المدارس.. لا أن نغلق المدارس مع كل زخة مطر تنزل علينا من السماء لتكشف لنا هشاشة البنى التحتية بل وهشاشة أمانة وصدق من عمل في تلك المشاريع وفشلهم كمهندسين ومعماريين ومقاولين ومراقبين ومشرفين على أعمال البناء.
هل تعلمون أنه عند تعليق الدراسة كم هي خسارة الدولة في اليوم الواحد.. الملايين تصرف على رواتب المعلمين والمعلمات والموظفين والمدراء.. و..؟؟ هل تعلمون مقدار الهدر التربوي والتعليمي الناتج عن كل يوم غياب وتعطل للدراسة؟! والذي يكون المتضرر الأول هو الطالب الذي تجمع له الدروس في جرعات سريعة لتدارك الوقت!! وهل تعلمون مقدار إرباك الخطة الدراسية للمدراء والمديرات وللمعلمين والمعلمات لذلك اليوم..؟؟.. إنها سلسلة كبيرة من الفقد غير المبرر..
أن توفر البنى التحتية السليمة ضرورة لجميع منشآت الدولة، فليس الطلاب والطالبات أكثر أهمية من المشرفين أو المشرفات أو أي موظف في الدولة - حيث غرقت إحدى المشرفات لأنه لم تعلق الدراسة لهن!! انظروا إلى فلسطين الفقيرة الجريحة عندما يصيبها طوفان الأمطار أو القصف الظالم على المنازل فإنها تفتح أبواب مدارسها لتجعلها مأوى للإغاثة، لأن البنى التحتية في المدارس أفضل مما يعيشه المواطن في منزله، وهذا ما يفترض أن تكون مثله مباني منشآتنا.
بل لا بد من توفر (إدارة خاصة للأزمات والكوارث) في كل منشأة بتوفير أغطية ووجبات جافة تقدم في حالة حدوث طارئ لا قدر الله.. حتى لا تتعطل الحياة لسوء البنى التحتية.