د. عالية شعيب- الراي الكويتية-
هناك فرق بين الجهل والتجهيل، فالجهل هو إما خيار الفرد لعدم تلقي العلم اللازم والثقافة الضرورية للارتقاء بذاته وعقله، أو أن ظروفه المعيشية لم تسمح له بالتعليم فاكتفى بمستوى بسيط، أو اضطر لاختيار العمل لإعالة نفسه، أما التجهيل فهو فرض الجهل على الفرد وهي مسألة خطرة إنسانياً واجتماعياً، لأن الفرد يجد نفسه منجرفاً للجهل رغماً عنه، ولأن يكون جاهلاً حتى لو لم يرغب بذلك.
فالمناهج التعليمية القديمة المليئة بالثقوب والأخطاء، التي نبهنا إليها عشرات المرات ولم تلقَ نداءاتنا أي اهتمام، والمنظومة التربوية المتهالكة المفككة التي لاتزال تنتهج الحشو بدل تنشيط العقل بالسؤال والفضول، وتحفيز الذكاء، وهي عوامل يُفترض أن تصب جميعها في هدف بناء الإنسان لا تحصيل شهادة صورية لا معنى أو مقابل معرفي لها. فحين تكون محاطاً بإعلام غير قليل منه فاسد كاذب، وتلفزة مربكة هدامة لا بناءة، يكون ذلك بهدف زرع التجهيل في الإنسان والمجتمع.
وكذلك هناك فرق بين الفساد والإفساد. فالفساد هو تراجع أخلاقيات الفرد بسبب سوء التربية أو تنامي الأنانية وحب المصلحة لديه، أما الإفساد، فهو اتجاه جبري لزرع الفساد في الإنسان، وهو الحاصل حالياً من خلال تسارع انتشار الواسطة التي يشجع عليها المجتمع، ومكافأة الفاسدين بإعطائهم مناصب عليا، ومنح الضوء الأخضر لجهلاء لاعتلاء المنصات ومخاطبة الجمهور والتأثير فيهم، وعدم تطبيق القانون على الجميع، وانتشار الانحراف الاجتماعي دون رادع أو حدود، كلها مؤشرات تدل على أن هناك توجهاً جاداً وخطيراً لإفساد الشباب والفرد في المجتمع. إننا نواجه حرباً أخلاقية ضارية ضد الإنسان، علينا التنبه لها، ووضع خطة لمحاربتها.