هاني الفردان- الوسط البحرينية-
ما هو رأيك في نائب مدافع وناصح، يقف تحت قبة البرلمان ليطالب بحماس المجاهدين وبطولة المقاتلين في ساحات المعارك، بالحرب ضد المفسدين على الأرض والسارقين والمتنفذين والمخالفين للقوانين، ويزداد حماسه فيفتح أوراقه ليطلعك بالأرقام والإحصاءات على أعداد المفسدين بأسمائهم، ثم وفي غمرة حماسه واندفاعه في الحملة على المفسدين يخرج علينا في اليوم الثاني مخالفاً للقوانين.
وهكذا يجد القارئ نفسه مصاباً بـ «حول» خطير وهو يطالع بإحدى عينيه نائباً يتحدث بوقار وحكمة عن إعلاء المصلحة الوطنية وتطبيق القانون، وهو من يكسر ذلك القانون، دون أن يسأل عن ذلك، ودون أن يعاتب على أقل تقدير.
من أكثر المواضيع اهتماماً لدى العامة في أي بلد هي الأخطاء التي يقوم بها من يضعون أنفسهم مسئولين أو معنيين عن الشأن العام، وكونهم أصبحوا شخصيات «عامة» فإن ذلك يضعهم تحت «المجهر» دائماً، فكل تحركاتهم وسكناتهم وأحاديثهم مرصودة.
السلطة التشريعية توافقت مؤخراً على إيقاع عقوبة الحبس أو الغرامة على من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الشورى أو مجلس النواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال أو غيره من الهيئات النظامية في البحرين.
الإساءة المرفوضة من قبلنا لأي أحد سواء كان نائباً أو مجلساً نيابياً، لا تكمن فقط من قبل غير المنتمين للسلطة التشريعية، فالإساءة قد تأتي أيضاً من داخل السلطة التشريعية من تحت قبتها، ومن قبل منتمين لها، وتلك الإساءة هي أشد وطأة وأثراً كونها تخرج من شخصية سواء كانت نيابية أو شورية كان من المفترض عليها أن تحترم تلك السلطة وعدم تعريضها وتعريض مكانتها للازدراء والاستهجان من قبل الناس بسبب تصرفات البعض غير المسئولة.
رصدت صحيفة «الوسط» يوم الثلثاء (17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، أحد أعضاء مجلس النواب وهو يكرر مخالفة الأنظمة والقوانين المرورية، وذلك بقطعه الإشارة الحمراء، وبتجاوزه طابور السيارات في المسار الخاطئ لمرتين على شارع الفاتح، وفي يومين مختلفين.
ففي ذلك اليوم قام النائب المذكور وتجاوز إحدى الإشارات الحمراء القريبة من قصر القضيبية، باتجاه مجلس النواب، فيما رصدته أيضاً وهو يتجاوز طابور السيارات على شارع الفاتح، بالقرب من مدخل منطقة الجفير.
رصدت الصحيفة أيضاً، النائب وهو في سيارته (لكزس، بيضاء اللون)، عند الساعة (9:32 صباحاً) من اليوم المذكور، يتجاوز الإشارة الحمراء متجهاً ناحية مجلس النواب، حيث انعقاد جلسة المجلس الاعتيادية، ذات النائب ظهر اليوم نفسه، وتحديداً عند الساعة الثالثة ظهراً (الوقت الذي انتهت فيه جلسة المجلس يومها)، وهو يتخذ من المسار الأيسر الذي يؤدي بالسيارات إلى داخل منطقة الجفير طريقاً ليتجاوز جميع السيارات المتوقفة بانتظار فتح الإشارة، ليقوم بالدخول عليها والاتجاه ناحية الطريق السريع (شارع الشيخ عيسى بن سلمان)، في حين أن المسار مخصص للاتجاه ناحية اليسار فقط بحسب العلامات المرورية، والإشارة الضوئية.
نعلم ويعلم الجميع أن تصرف النائب «فردي» ولا يمكن لأحد أن يحمل المجلس النيابي مسئولية ذلك التصرف، إلا أن الأدبيات العامة تجعل من المجلس معنياً بأن يكون النائب قدوة حسنة، ومتحملاً لمسئولياته، فإذا كان عضو بالسلطة التشريعية مواظباً على مخالفة القانون، فما هو حال عامة الناس، عندما يشاهدون من يشرع القانون يخالفه؟!
الغريب أن لذات النائب تصريحاً يؤكد فيه أن الهدف الأساسي من تغليظ العقوبات في قانون المرور ليس حصد الأموال من الغرامات ولكن تحقيق السلامة المرورية في شوارع وطرق البحرين، مشدداً على أن العديد من دول العالم لديها قوانين صارمة لضبط الأداء المروري بما فيها دول خليجية، وذلك للحفاظ على أرواح المواطنين والمقيمين والزائرين!
لا يمكن لأحد أيضاً أن يلوم عامة الناس، على أحاديثهم أو «استهزائهم» بأي جهة أو طرف، غض البصر عن تلك التجاوزات، فقط لكون ذلك النائب يمتلك حصانة تحميه من المسألة حتى ولو بعمله ذلك أساء لنفسه ولغيره.
نواب وأعضاء شورى وقعوا في الكثير من الأخطاء وبالتأكيد هم ليسوا «معصومين» من الخطأ، ولكن من غير المنطقي أن من يطالب بتشديد العقوبات وتطبيق القانون وفرضه على الناس، هو أول من يخالف ذلك القانون ويكسر شوكته.
حالات كثيرة من بعض النواب، وبتصرفات شخصية تسيء للسلطة التشريعية منها قصة النائب الذي أشهر سلاحاً نارياً في مرقص ليلي، فسارعت النيابة العامة للتحقيق معه بعد طلب رفع الحصانة عنه، وهو ما أقره النواب في خطوة وبادرة جيدة ومسئولة، ونتمنى أن نشهد مثل هذه الخطوات تتكرر كثيراً مع كل نائب يخالف القانون، وأن لا تكون الحصانة البرلمانية سلاحاً وطريقاً لبعض النواب لكسر القوانين والتعالي عليها.