اقتصاد » فساد

نحن.. والفساد في يومه العالمي..!!

في 2015/12/08

خليل يوسف- الايام البحرينية-

لا نعلم ما اذا كانت مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي يصادف غداً، التاسع من ديسمبر من كل عام، مناسبة تعني لنا شيئًا، خاصة وأننا قد تعودنا وألفنا العديد من الجهات وهي تحتفي بالكثير من المناسبات العالمية او على الأقل تصدر البيانات التي تذكر بها وتلفت الانتباه الى مرئيات تقتضيها كل مناسبة، وهي في الإجمال تكاد تكون بمثابة رسائل قديمة متجددة نتلقاها قد نقتنع بمضمونها او لا نقتنع، خاصة تلك التي يحتاج منطوق بعضها تنزيله على الواقع، او تلك التى تحتفل بالمناسبة وتغتال المعنى..!!

الفساد الذي يحتفى غداً بيوم مواجهته عالميا، بات يعد الطابور الخامس الحقيقي وعدو الشعوب والخنجر في ظهر اي نظام، وظهرت دعوات واضحة لشن حرب عليه كالحرب ضد الإرهاب، لأن اي جهود للنهوض بواقع اي مجتمع او دولة لامعنى لها، وأي خطط او حلول او قوانين او اجراءات او إصلاحات يراد منها جعل حياة الناس أسهل وافضل محكوم عليها بالفشل في ظل الاستسلام للفساد، والتساهل مع متعاطيه والضالعين فيه ومدمنيه والمتاجرين فيه، والمروجين له، ومن يلفون ويدورون حوله، والمستهينين به واللامبالين له، وحتى الذين يحاربونه بالكلمات الفجة التي لا تقدم ولا تؤخر.

للإحاطة، اهداف الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد تنحصر في إذكاء الوعي بمخاطر الفساد، وتبيان آثاره المدمرة، على الاقتصاد والمجتمع والمستقبل، واذا كان الفساد ظاهرة عالمية تعرفها كل المجتمعات والدول وليس خاصاً بمجتمع او دولة دون غيرهما، الا ان نسب الفساد وأنواعه تختلف من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر، وفي مجتمعاتنا هناك من شيدوا صروح الفساد، وابتكرت صنوفاً عديدة ووسائل لا حصر لها في الفساد، ووجدنا صغار الفاسدين وكبارهم يتوزعون في مواقع شتى، بل ان الحياة اليومية التي يعيشها المواطن تثبت ذلك، فما ان تبدأ يومك حتى تشهد او تقرأ او تسمع ان مواطنًا او صاحب عمل او مستثمرًا انواع يواجه نوعاً­ من الفساد، في الشارع، في العمل، في وزارات وإدارات وأجهزة، وحتى جمعيات نفع عام ومؤسسات مجتمع مدني، كثير منها وللأسف لا يخلو من ممارسات تصب في خانة الفساد، وكأنه يراد ان تكون بيننا وبين الفساد «عِشرة» طويلة..!!

للإحاطة ثانيًا، البحرين من الدول التي صدقت على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد وانضمت إليها في ديسمبر 2010، وهي الاتفاقية التي اعتبرت صك العالم للقضاء على الفساد، والأكثر صلة بأعمال التصدي للفساد، وباتت هناك قناعة لدى العديد من الجهات والهيئات والمنظمات الدولية بان المجتمع الدولي بناءً على مقتضيات هذه الاتفاقية اتخذ العديد من الخطوات الملموسة في هذا المجال، الا انه مازال يتعين اتخاذ الكثير لمواجهة الفساد بجميع وجوهه من رشوة جعلت باباً للأخذ والعطاء وتمرير المعاملات، وعمولات من فوق وتحت الطاولة، واستغلال للنفوذ وتعارض المصالح، او السيطرة على موارد الدولة بطرق غير مشروعة، او المحاباة، او التعديات على حقوق ومصالح الناس، والاستقواء على الضعيف والسماح بالنفاق السمج في صورته الجلية، او حين جعل حسابات السياسة هي الحكم والفيصل في مصير ضالعين في الفساد ومن بات فسادهم يزكم الأنوف، او الإخلال المتعمد للمعايير او في منظومة قيم المجتمع او فى تغييب الحدود بين الخطأ والصواب، الى آخره من صور ومظاهر الفساد.

للإحاطة ثالثًا، ان الاتفاقية تلزم اي دولة عضوٍ فيها بتبني منظومة من التشريعات والإجراءات الوطنية التي تعنى بمكافحة الفساد، ومن بينها إنشاء هيئة او مفوضية او لجنة وطنية - ربما مراعاة لمن يتحسس من التسميات - تكون مستقلة بمعنى الكلمة، بعيدا عن المواربات النصية، او الهيمنات الخفية، او التلاعبات المفضوحة، وبما يوصل رسالة واضحة للجميع محليا وخارجيا مفادها ان عملا جادا ودؤوبا يجري من اجل تسييد قيم النزاهة والمساءلة والحكم الرشيد والشفافية، علاوة على ما يحقق قيام شراكات مع الجهات الأهلية او مع مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمؤثرة والنزيهة، شراكات لابد ان تقوم على نحو فعال وترفع مستوى الوعي في المجتمع في شأن الفساد، وتفعيل دور كل مواطن في مواجهته والإبلاغ عن كل حالة فساد.

أشياء كثيرة، مهمة وجوهرية حين الحديث عن كل ما تقتضيه الاتفاقية، ونعلم بان هناك عدة أطراف لها نصيب وافر من المسؤولية ينبغي ان تتحملها، رسمية وخاصة وأهلية، فبالنسبة لنا، أمامنا طريق طويل لكي نضفي المزيد من الجدية والصدقية والحزم على ما يحقق تلك المقتضيات والالتزامات، بدءاً بإنشاء مفوضية او لجنة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد، مرورا بإدراك مخاطر ان تصبح بعض مظاهر او سلوكيات شائنة أمرا عاديا نكاد ان نسلم به او سلمنا به وانتهى الأمر..!!

أما النواب، فقد بات واضحا ان المواطن لايزال غير قادر على التعويل عليهم في اي دور حقيقي ملموس يفعل دورهم في الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وها هم امام أكثر من امتحان، امتحان التعاطي مع تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية، والامتحان الثاني في تقديمهم الى الجهة المختصة الاقرارات المطلوبة منهم بالكشف عن ذممهم المالية، امتحان ربما هو الاهم، امتحان إثبات انهم قادرون على استعادة صلاحيات المجلس النيابي وتقويتها في محال الرقابة والمساءلة والمحاسبة، بجانب امتحان قدرتهم على إقرارات تشريعات وضوابط تكفل المصالح العامة وتصون الأداء الاقتصادي من اي مخالفات او تدخلات غير مشروعة، او تضخيم كلفة المشاريع. والعمل على الإفادة من التجارب الناجحة في مكافحة الفساد والمتحققة فى الدول المتقدمة التي لقيمة المساءلة فيها وزن واعتبار، واظن - رغم ان بعض الظن إثم - بان النواب، خاصة الذين يظهرون احيانا متصدرين مشهد مواجهة الفساد بحاجة الى مواجهة شجاعة مع الذات يجيبون فيها على سؤال، هل بمقدورهم ان يفعلوا ذلك حقا..؟!! نحن لا جواب عندنا، وحسبنا السؤال جوابا..!!

احتفلوا باليوم العالمي لمكافحة الفساد اذا اردتم، وكيفما شئتم، او ضعوه وراء ظهوركم، المهم ان نبدأ وبمنتهى الجدية والحزم والحسم محاربة الفساد في كل تفصيلة من تفصيلاته، أخيرا، ولعل من المناسب هنا ان نسأل سؤالاً لئيماً،هل يعلم المواطنون شيئاً عن حملة وطنية لمكافحة الفساد ظهر لنا مسوؤل معني ليعلن في هذه الجريدة قبل ايام ليس عن انطلاقتها بل استمراريتها،والاشاره الى انها منطلقه من استراتيجيه وطنية لمكافحة الفساد..!!، سؤال آخر هل لدينا القناعة بان معركتنا مع الفساد هي اكبر كثيرا مما نظن..؟ وثمة سؤال ثالث لا ندعي البراءة فيه: هل يمكن ان ننشغل حقاً وفعلا بتوفير انجح وأكفأ وأصدق الأساليب والوسائل والاستراتيجيات التي تجعل من مواجهة الفساد أمرا واجب النفاذ لا حبرا على الورق..؟ ولا بأس من سؤال أخير: هل نحن مستعدون وعلى أتم جاهزية للاحتفاء غداً وبشكل معتبر باليوم العالمي لمكافحة الفساد، احتفال يخرج عن الصورة النمطية للاحتفال بالمناسبات، احتفال يدشن التزام فعلي ومقنع بكل المترتبات التي تقتضيها الاتفاقية الدولية المذكورة، أقلها الإعلان عن مفوضية او هيئة او لجنة وطنية مستقلة غير صورية لمكافحة الفساد، وليس احتفالا مخرجاته كلام.. مجرد كلام يتدفق علينا طول الوقت يتباهى بما ألفناه من وعود وانجازات، ولكنه يبقى من النوع الذي ينطبق عليه ما قاله نزار قباني، كلام في كلام، والكلام فخر صناعتنا..!!