جلوبال ريسك إنسايتس- ترجمة: علاء البشبيشي- شؤون خليجية-
أرقامٌ مثيرة للقلق تلك التي تضمنتها الميزانية السعودية المتوقعة للسنة المالية القادمة. ومع تراجع أسعار النفط عالميًا، سجّل اقتصاد المملكة- المعتمِد على النفط- عجزًا قياسيًا يقارب 367 مليار ريال (98 مليار دولار) خلال هذا العام فقط. صحيحٌ أن المسئولين السعوديين أعلنوا عن خطط لخفض الإنفاق الحكومي، وإصلاح الأوضاع المالية، لكن كيف سيؤثر هذا التخفيض على الاستقرار الداخلي والأمن الخارجي؟
لم يكن العام الأول للملك سلمان على عرش المملكة مفروشًا بالورود؛ بل كان على القيادة الجديدة التعامل مع تراجع اقتصادي متزايد، وأسئلة حول دورها كخادمٍ للحرمين الشريفين، ومواجهة إيران المتمردة، والصراع الذي طال أمده في اليمن.
ولمَّا كانت ميزانية 2016 هي الأولى التي توضع في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ اهتم العديد من المحللين باستشراف ما سيحدث لاحقًا في أكبر مُصَدِّر خليجي للنفط الخام. لا سيما في ظل عجزٍ يبلغ 16% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015، وتوقعاتٍ بألا تتجاوز أرباح العام الجديد 513.8 مليار ريال، لتسجل انخفاضا عن أرباح العام السابق، التي بلغت 708 مليار ريال.
وفي ظل توقعات صندوق النقد الدولي بأن المملكة قد تُجهِز على أصولها المالية في غضون الخمس سنوات المقبلة، لابد وأن التكنوقراط السعوديين يبذلون قصارى جهدهم لتعزيز الثقة في الاقتصاد السعودي لدى السوق العالمية.
الآثار المحلية
لتخفيض الإنفاق عواقب محلية ضخمة على العائلة الحاكمة السعودية. إذ يحافظ آل سعود على شرعيتهم السياسية من خلال استخدام عائدات النفط- التي تعادل 80% من إجمالي دخل الدولة الخليجية- لتنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية، ومنح إعانات كبيرة للمواطنين على هيئة دعمٍ للوقود والغذاء والغاز والمياه. وهي الإعانات التي قدر صندوق النقد الدولي تكلفتها في عام 2014 بحوالي 3 مليار دولار.
صحيحٌ أن تخفيض هذا الدعم خطوةٌ منطقية، لكن في ظل التغييرات المتوقعة على مستوى زيادة أسعار السلع الأساسية، فإن المواطن السعودي سيكون هو المتضرر الأول من هذه الإصلاحات الاقتصادية. حيث ارتفعت أسعار الوقود المحلية بنسبة 80% أوائل العام الجاري، بالإضافة إلى زيادات أخرى متوقعة خلال العام الجاري.
ومع الوضع في الاعتبار أن بإمكان العوامل الاجتماعية-الاقتصادية زعزعة استقرار الوضع الراهن، ومع وجود نسبة كبيرة ومثقفة من الشعب، ومعدلات بطالة مرتفعة تبلغ 30%، ثمة احتمالية أن تتسبب تخفيضات الميزانية في استياء متزايد بين المواطنين من الأسرة الحاكمة.
وإذا لم تستطع السعودية تحقيق التوازن بين تخفيض الإنفاق وزيادة فرص العمل لمواطنيها؛ فإن هناك فرصة لأن يُعَبِّر هذا الجزء من الشعب عن رأيه بطرق أخرى، مثل: الانضمام إلى الجماعات المتطرفة.
كما أن هناك حاجة إلى الإصلاح السياسي الداخلي لمكافحة هذا الاستياء المتزايد. لكن الاكتفاء بالتصريحات المُسَكِّنة حول الإصلاحات الضرورية؛ فقد يؤدي إلى المزيد من تقويض النخبة الحاكمة، في ظل زيادة هشاشة الاقتصاد.
الآثار الإقليمية
تمثل هذه التوقعات الاقتصادية تحديات كبرى لمكانة المملكة إقليميًا. حيث تمخضت الرعاية السعودية للمجموعات المتمردة في سوريا، ومغامرتها العسكرية في اليمن، عن زيادة ضخمة في ميزانيتها العسكرية، التي ارتفعت بنسبة 19% سنويًا منذ عام 2011.
وانتقل الصراع في اليمن من مجرد استجابة خليجية سريعة إلى نزاعٍ طال أمده، ويبدو كما لو لم يكن هناك حل سياسي أو حتى عسكري في الأفق. ولمّا أصبحت السعودية متورطة أكثر في الصراع، فمن المحتمل أن ترتفع التكلفة الاقتصادية والاجتماعية، ما يلقي المزيد من الضغوط على كاهل آل سعود.
وفي حين يمكن تحقيق الاستقرار في المشهد السوري، فإن خفض التمويل السعودي قد يُعَرِّض مصالح الجماعات المتمردة التي تدعمها للخطر. وهو الأمر الذي من شأنه تقييد المساعي السعودية الرامية لتشكيل سوريا الجديدة، ويتيح الفرصة أمام إيران لتجني المزيد من المكاسب.
وفي حين تفتح إيران أبواب اقتصادها أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتستعد لزيادة إنتاجها النفطي، يمكن أن يضع ذلك المزيد من الضغوط على أسعار النفط. كما أن عودة إيران إلى المجتمع الدولي والسوق يمكن أن يؤدي أيضا إلى زيادة تقويض الهيبة السعودية في المنطقة.
بيدَ أن الوقت لا يزال مبكرًا، وقد تستطيع المملكة العربية السعودية انتشال نفسها من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها حاليًا. بل بذلت المملكة بالفعل جهودا لتنويع اعتمادها على قطاعي النفط والطاقة. كما تعهدت بتدشين 16 محطة للطاقة النووية على مدى السنوات الـ 20 القادمة، واتخذت خطوات للبحث عن احتياطات الغاز في الربع الشرقي من البلاد.
ومع ذلك، لا تزال المملكة تواجه تحديات إقليمية ومحلية، إذا لم تُعالج؛ فإنها قد تتسبب للمنطقة في المزيد من الاضطرابات الداخلية والخارجية. ومن الواضح أن السعودية يتعين عليها المضي قُدُمًا في دفع أجندة اقتصادية وسياسية واجتماعية إيجابية، وإلا فإن آل سعود يخاطرون بفقدان شرعيتهم الاقتصادية والسياسية الواهية بالفعل.