يعتقد السعوديون أن حديث الحكومة إليهم ممثلاً في الجهات المعنية مباشرة بالتقشف الذي أصاب موظفي الحكومة تأخر كثيراً، وأرى أنه تأخر قليلاً، فالأيام الأولى بعد صدور القرار كان الناس منفعلين عاطفياً، وهم محقون لأن أجورهم انخفضت، ولأن الكلام الذي قيل ليل الأربعاء الماضي لم يقله أحد في حينها.
تحدث وزيرا المال والخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط مساء الأربعاء عن الوضع إجمالاً، بتركيز على ثنائيتي النفط/ الدخل، والنفط/ الإنفاق، وبطبيعة الحال عن موظفي الحكومة، وهو حديث جيد وضع بعض النقاط على الحروف، وحقق للزميل داود الشريان ولبرنامجه «الثامنة» نجومية مستحقة.
كنت أتمنى أن يكون البث على الهواء، وأن يمدد البرنامج ويسمح بمداخلات نوعية توجّه بعض الاستفسارات للمسؤولين السعوديين، ولكن يبدو أن حساسية الموضوع فرضت أن تكون مسجلة لتتم مراجعتها وإقرارها بعد التعديل عليها، وهو عرف معمول به إعلامياً، ويأتي عادة ضمن موافقة المسؤول على الظهور في أي لقاء.
حديث إبراهيم العساف ومحمد التويجري عن المال والاقتصاد والنفط معروف كخطوط عريضة (باستثناء قضية إفلاس السعودية)، وهما قدما بنضج وكياسة الصورة التي يعرفها المتخصصون بطريقة اقتربت لفهم العامة، لكني أشك أنها وصلت تماماً، لكن رؤيتهما يتحدثان بهذا العمق تجعلني أتساءل متحسراً، لماذا لم نكلف مثل هؤلاء الرجال ومعهم كثيرون معروفون جيداً كعقليات اقتصادية بأن يكونوا هم مستشاري الرؤية والتحول؟ ونوفر المال ونضمن الولاء والإخلاص.
يبدو بديهياً أن شركات الاستشارات تتعامل معك كزبون يتعاقد معها، وهي لا يمكن أن تكون مخلصة تماماً إلا لمصلحتها ومصلحة ملاكها، لكن أبناء الوطن سيتميزون عليها بانعدام الأجندات، وبأنهم لن يضعوا خططاً وحلولاً تجعلك دائماً في حاجة إليهم.
الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي عالٍ في السعودية مقارنة بغيرها بسبب الفساد، أو ضعف القدرات، أو للسباق مع الزمن، أو لأسباب علمها من علمها وجهلها من جهلها، ومن الطبيعي أن يأتي أي مستشار بالحل الأسرع وهو تقليص الإنفاق، ثم إعادته بآلية جديدة، ثم ماذا؟ هذه الماذا هي مربط الفرس، وأبناء البلد سيحافظون على الفرس قبل مربطها، بينما الاستشاري قد لا يرى كم هي أصيلة ونادرة ولها طباعها الخاصة.
وزير الخدمة المدنية كان محط الأنظار والنقد لاحقاً، خصوصاً عند حديثه عن إنتاجية الموظف الحكومي في السعودية، التي أثبتت الدراسات التي نقل عنها أنها في حدود الساعة الواحدة في المتوسط، لكن الوزير لم يوضح إذا ما كانت الدراسة قد ذكرت عوامل مؤثرة أخرى، مثل اضطرار كثير من الموظفين محدودي الدخل إلى الخروج لإعادة أبنائهم من مدارس بعيدة، لعدم توافر النقل المدرسي، أو إعادة زوجاتهم لأنهن لا يستطعن قيادة السيارات، ولم يذكر أن عدم توافر النقل العام له تأثيره الكبير، وأن ازدحام المدن له تأثير آخر، وأن كثيراً من شؤون حياة الموظف كان يستلزم حضوره إلى إدارات حكومية أخرى قبل انتشار الخدمات الحكومية الإلكترونية.
لا أنكر ضعف الإنتاجية في القطاع الحكومي، لكن وزارة الخدمة المدنية تتحمل بدورها جزءاً من المسؤولية.
أما حديثه عن التقاعد فهو خطير، وسيتصل الحديث للتعليق عليه.
محمد اليامي- الحياة السعودية-