اقتصاد » ميزانيات

كفاكم استفزازا للمواطن

في 2016/12/27

الأسعار مستقرة بفضل الله، بل ينخفض بعضها كما نلمس جميعا، ولم يُمَس أصحاب المعاشات ومستفيدو الضمان ومن يحصلون على دعم الدولة بصورة أو بأخرى

"على المرء ألا ينظر إلى نصف الكوب الفارغ"، حكمة سائرة أجد أن شعبنا السعودي الكريم اليوم في أمس الحاجة إلى العمل بها، في مواجهة هذا العارض الذي يلم باقتصادنا الوطني ويلقي بظلاله على حياتنا، حتى إن كثيرا منا أصابهم الضجر، وكأن الدنيا يصفو ودها لأحد. فأين ذهبت حكمة الأجداد ونحن أبناء أرض الحكمة؟ وأين ذهب جلدهم ونحن أبناء أرض الجلد والصبر؟
أعلم أن ميزانيات كثير من الأسر تضررت، وأن بعض الرفاهيات، وربما بعض أولويات الحياة لدى قطاع منا أصبح عليهم أن يتخلوا عنها حتى حين، لكننا في الأخير ما زلنا في نعمة والحمد لله، والأصل فينا أننا شعب حظي بقسط غير قليل من التربية الدينية التي تعينه على تقبل مثل هذه الظروف بكثير من الصبر والاحتساب والرضا.
إن عين الرضا بوسعها أن ترى الكثير المطَمئِن والباعث على التفاؤل، سواء فيما أصابنا، أو فيما يصيب العالم من حولنا، وعافانا الله منه، ففيما يخصنا، بوسع الناظر بعين الرضا والحمد لله سبحانه وتعالى أن يرى نعم الله التي لا تحصى على بلادنا، فبفضل الله لم ينقطع عنا شيء من خيرات أرض الله الواسعة التي تجلب إلى أسواقنا، وجميعها في متناول يد المواطن على اختلاف فئاته وشرائحه الاقتصادية، الأسعار مستقرة بفضل الله، بل ينخفض بعضها كما نلمس جميعا، ولم يُمَس أصحاب المعاشات ومستفيدو الضمان ومن يحصلون على دعم الدولة بصورة أو بأخرى، وهذه شرائح من المهم أن تبقى في مأمن من مثل هذه الظروف، وهو الحاصل بالفعل. بقي قطاع العاملين بالفعل سواء في مؤسسات الدولة أو في مؤسسات القطاع الخاص، وبوسع المتضرر من هؤلاء أن يعيد توزيع دخله على احتياجاته مع بعض الإجراءات التي أرى أنه من المبالغة أن نقول إنها تقشفية، فلن يعدو الأمر أن يكون تخليا عن بعض الرفاهيات، أو الاقتصاد في استهلاك بعض الأساسيات، وفق خطة أسرية لن تُعجز أيا منا، ولا بأس في هذا، فجميع شعوب العالم تعيش بهذه الخطة، سواء القادرون منهم أو غير القادرين.
أقول هذا ونحن في مواجهة ظرف اقتصادي عاصف يجتاح جميع دول العالم التي تكشف التقارير تباعا عن تضررها على نحو كبير، لا أتحدث عن دول العالم الثالث، بل أتحدث عن أقوى اقتصادات العالم، وأكثرها ازدهارا، فهل نعلم أن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية، لديها دين داخلي يبلغ حوالي 14 تريليون دولار، نعم أغلبها ديون داخلية، لكنها في الأخير تبقى ديونا، وتعكس تضرر الاقتصاد الأميركي على نحو بالغ، هذا فضلا عن ارتفاع نسب البطالة، ونسب المشردين في مدينة مثل نيويورك إلى حد يضعها في مواجهة معاناة حقيقية يعترف بها مسؤولوها بالأرقام، الأمر نفسه في بريطانيا التي تتواتر الأخبار منها كل يوم عن فقدان الآلاف وظائفهم، الأمر نفسه في ألمانيا التي تمثل أحد أكبر الاقتصادات الأوروبية، أما بقية دول أوروبا فحدث ولا حرج.
لا أتحدث هنا بلسان الدولة بالطبع، فلدى الدولة من يتحدث عنها ويوضح ويشرح وهذا يتم بالفعل على نحو يبعث على الاطمئنان، بل أشارك إخوتي السعوديين ظرفا نمر به جميعا، ظرف يحتاج إلى أن نتكاتف بالفعل، أن نضع أعيننا على ما تحتاجه بلادنا منا في هذا الظرف، فدور المواطن يتعاظم في مثل هذه المنعطفات التاريخية من عمر الأوطان، لنكون سندا لوطننا في الشدة، فطالما كان هذا الوطن سندا لنا في الرخاء، وما زال وطننا حصنا لنا جميعا، ومحيطا آمنا نعيش فيه في رغد من العيش والناس يتخطفون من حولنا، فالحمد لله على نعمه التي لا تحصى والتي خَصّ هذه البلاد منها بالكثير، فبلادنا ولله الحمد تمتلك من المقومات الاقتصادية الكثير، ولديها من الثروات الكثير الذي سيمكّن لها اقتصاديا، لا سيما في ظل التوجهات الاقتصادية الجديدة التي تضع حجر الأساس لاقتصاد جديد متنوع، اقتصاد قادر على خوض تحديات العصر، لا اقتصاد السلعة الواحدة، الاقتصاد الريعي الذي طالما نادى الاقتصاديون بالخروج من ربقته إلى آفاق التنمية الرحبة حول العالم، وهذا ما نحن بصدده الآن، بالإضافة إلى الموارد الاقتصادية العملاقة التي يضيق المقام عن حصرها، ما يدعونا جميعا إلى التفاؤل والاستبشار خيرا.
لكن في المقابل، على مَنْ منّ الله عليهم من أصحاب الدخول العالية والموسرين من أبناء شعبنا الكريم ألا يستفزوا الناس بتصريحاتهم هنا وهناك، أطالع كثيرا منها، وأشعر بالرثاء للناس، على شاكلة ضرورة فرض ضرائب على المواطنين وما شابه ذلك من تصريحات استفزازية، ما من شك في تأثيرها السلبي على المواطن، ولا أعرف من تخدم على وجه التحديد، فمن المؤكد أنها لا تخدم الناس ولا الدولة.
لقد أثبت المواطن السعودي أصالته في وقفته المشهودة إلى جانب وطنه في أكثر من محك، وما زال أبناء هذا الشعب يضربون أروع الأمثلة في الانتماء لبلادهم، وصبرهم على الشدة التي تمر بها، ولا ينقصهم مثل هذه التصريحات الهوجاء التي يطلقها أصحابها بمجانية، من دون أن يقدروا عواقبها، أو ربما أنهم يقدرون العواقب، ومع ذلك يواصلون استفزاز الناس على هذا النحو، وحينها تكون المصيبة أعظم.

حمد المانع- الوطن السعودية-