عبد الحافظ الصاوي- العربي الجديد-
يكتسب الإنفاق الحكومي قدرًا كبيرًا من الاهتمام، في دوائر عدة، أبرزها المواطن ليطمئن على أن ما يتحقق من ثروات عامة يتم توظيفه بشكل صحيح لتحقيق تنمية مستدامة، وبما يضمن حقوق الأجيال المقبلة. وليعرف أن ما يدفعه من ضرائب ورسوم يتم التصرف به بشكل صحيح، دون إسراف وضمن اهتمامات أجندة الاحتياجات العامة.
كذلك يهتم القطاع الخاص، بالإنفاق الحكومي ومسارات إنفاقه، لارتباط هذا الإنفاق بالفرص المتاحة لنشاط القطاع الخاص، وبخاصة في دولة مثل السعودية، عاش القطاع الخاص لفترة طويلة، ولا يزال، على الإنفاق العام في مجالات البنية الأساسية أو الخدمات العامة.
ويُظهر الإنفاق العام ما يعرف بتخصيص الموارد وتحديد اتجاهات دور الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، هل هي تتجه نحو القطاع العام أم الخاص، أو عبر الجمع بينهما.
وتمثّل المملكة العربية السعودية حالة تستحق الدراسة لما تتمتع به من ميزة خاصة كونها المُصدر الأول للنفط على مستوى العالم، واستفادت غير مرة من طفرات مالية جراء ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.
ومما يساعد على قراءة جيدة لكفاءة تخصيص الإنفاق بالسعودية، أن موقع وزارة المالية يتيح بيانات تقديرات الميزانية للفترة من 2002 – 2013، وهي الفترة التي شهدت الطفرة النفطية الثالثة.
وتعتبر القاعدة الحاكمة لكفاءة تخصيص الإنفاق بالميزانية العامة للدولة، هي العائد من هذا الإنفاق، وتحقيقه المستهدف منه، وليست العبرة بحجم الإنفاق كبر أو صغر.
فقد يكون مبلغ الإنفاق غاية في الصغر، ولكنه أنفق في غير وجهه، أو لم يحقق المستهدف منه، فيكون إنفاقا غير كفء.
وبالاطلاع على بيانات الفترة من 2002 – 2013 للميزانية السعودية وجد، أن قيمة الإيرادات العامة بلغت 4.9 تريليونات ريال (1.3 تريليون دولار) كما بلغت قيمة الإنفاق العام خلال نفس الفترة 5.1 تريليونات ريال (1.4 تريليون دولار).
مثل الإنفاق العام على الأمن والدفاع القيمة الأعلى بين البنود الـ 10 للإنفاق بالميزانية السعودية، وبشكل عام استحوذ على نسبة 30% في المتوسط خلال الفترة 2002 – 2013، وارتفع إلى 251 مليار ريال في 2013 بعدما كان 69 مليار ريال في 2002. وتمثل الزيادة بين عامي المقارنة 360%.
وفي أول اختبار لهذا الإنفاق، أظهر عدم كفاءته، ففي مارس/ آذار 2015 أعلنت السعودية ومعها دول أخرى الحرب على الحوثيين في اليمن، ولم تستطع أن تحسم الحرب هناك على مدار عامين، ومازالت الحرب مفتوحة. وتكلف السعودية جراء حربها في اليمن ميزانية كبيرة، والأخطر كمعيار لكفاءة الإنفاق على الأمن والدفاع، أن أمن السعودية الداخلي أصبح مهددًا بشكل كبير من قبل الحوثيين، حيث استطاعوا أن يصلوا بصواريخهم إلى مناطق مدنية مأهولة بالسكان داخل المملكة العربية السعودية.
ومن المشكلات المؤرقة للمجتمع السعودي، استمرار بطالة المواطنين السعوديين من دون حل، بل وتزايد أعداد العاطلين عن العمل، على الرغم من أن السعودية تعد من أكبر الدول المستوردة للعمالة، حيث يبلغ عدد العاملين الأجانب قرابة 10 ملايين عامل.
لقد ارتفع الإنفاق على بند تنمية الموارد البشرية في عام 2013 ليصل إلى 203 مليارات ريال، مقارنة بـ 47 مليار ريال فقط في 2002، وبلغت نسبة الزيادة بين عامي المقارنة 431%، ومع ذلك ظلت البطالة بين المواطنين السعوديين، عند نسبة 12.3% في نهاية عام 2016.
والمفترض أن زيادة الإنفاق على تنمية الموارد البشرية، تستهدف مواجهة البطالة، ولكن يفتقد الإنفاق على الموارد البشرية لتحقيق نتائج إيجابية بسبب أنه لا توجد سياسة تعليمية تتواكب مع احتياجات سوق العمل. فضلًا عن أن التعليم لم يحدث تغيرا في مفاهيم الشباب السعودي تجاه ثقافة العمل، والتوجه للتعليم الفني الذي يحتاجه سوق العمل بشكل كبير. كما أن غياب ظروف العمل الملائم بالقطاع الخاص يدفع السعوديين لتفضيل القطاع الحكومي، لما يتمتع به من مزايا عمل أفضل من القطاع الخاص. كما أن التعليم لم يؤد إلى تغيير ثقافة المجتمع تجاه العادات والتقاليد الخاصة بعمل المرأة.
وترصد إحصاءات وزارة المالية السعودية الإيرادات التقديرية خلال الفترة 2002 – 2013 بحوالي 1.3 تريليون دولار، ولا يزال التدفق النقدي للنفط مستمرا، في ظل تصدر السعودية قائمة الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم، على الرغم من أزمة انهيار أسعار النفط منذ عام 2014. ولكن رغم هذه التدفقات ومن قبلها عقود من تدفق العوائد النفطية، لم تستطع السعودية الارتقاء بوضعها التنموي، فهي في تصنيفات البنك الدولي دولة نامية، وإن كانت تصنف على أنها من الدول ذات الدخول المرتفعة.
والعبرة في معيار التقدم والتخلف، هو مصدر الحصول على الثروة، ففي الحالة السعودية مصادر الثروة ريعية، بينما الدول المتقدمة تحقق ثرواتها عبر الإنتاج والقيمة المضافة، وهو ما تفتقده السعودية بشكل عام، فضلًا عن زياد اعتماد السعودية على الخارج بشكل كبير في العديد من احتياجاتها، مثل الغذاء أو الدواء أو السلاح، حتى اليد العاملة، تمثل أحد أهم مظاهر ضعف اقتصاد السعودية.
وإذا كانت السعودية تفتقد لمقومات الاعتماد على الذات في إنتاج الغذاء، نظرًا لافتقادها لمقومات الزراعة من المياه العذبة، والأراضي الصالحة للزراعة، فإن غيرها من الدول اعتمدت في نهضتها على الصناعة، حتى ولو استوردت المواد الخام، لتضفي عليها قيمة مضافة وتحولها لمنتجات صناعية متوسطة أو نهائية. ولكن السعودية تمتلك سجلًا من الواردات يضم العدد والآلات ووسائل الإنتاج وكذلك مستلزماته، فحتى صناعات البتروكيماويات أو الحديد أو الإسمنت، لا تعتمد محليًا إلا على المواد الخام والطاقة، بينما تكنولوجيا الصناعة وكذلك العدد والآلات وقطع الغيار فيتم استيرادها من الخارج.
المتمم لقضية كفاءة تخصيص الإنفاق، هو وجود رقابة فعالة من قبل البرلمان، لمطالبة الحكومة بأن يكون لكل إنفاق عائد ملموس، ولكن الحالة السعودية تفتقد لوجود برلمان فاعل في المحاسبة والرقابة على أعمال الحكومة. فكل بنود الإنفاق العشرة الواردة في الميزانية السعودية، تحتاج أن يعاد فيها النظر وفق معيار العائد.
ومن الحالات التي تبرهن غياب كفاءة تخصيص الإنفاق وكذلك غياب المساءلة، ما تم في عام 2012، من إنفاق نحو 100 مليار ريال لتوظيف الشباب في وظائف حكومية، أو تشجيع القطاع الخاص على توظيف الشباب، أو منحهم قروضا لإنشاء مشروعات صغيرة. والنتيجة هي أن البطالة لم تنخفض، وأصبحت المؤسسات الحكومية تعاني أكثر من البطالة المقنعة، وتتبنى رؤية السعودية 2030، التخلص من جزء كبير من العمالة الحكومية عبر المعاش المبكر، ووقف التعيين بالقطاع الحكومي.
تظل السعودية بنت التجربة العربية، في إهدار الموارد وضياع الفرص، في حين أن التهديدات تتزايد، وتفقد السعودية العديد من أوراق ومصادر قوتها، ومن بينها الثروة المالية التي تتبدد في أوجه كثيرة من بينها مخصصات الميزانية العامة. وما حدث في المكافآت والبدلات للعاملين بالحكومة مؤخرًا دليل على عبث الإنفاق الحكومي وليس كفاءته.