مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-
كالعادة، سارعت وسائل إعلام عربية إلى وصف موازنة السعودية لعام 2019 بالقياسية والأكبر على الإطلاق في تاريخ المملكة، مستندين في ذلك إلى مؤشر واحد هو الحجم حيث يبلغ حجم الموازنة 1.11 تريليون ريال (295 مليار دولار).
لكن نظرة سريعة على أرقام الموازنة الجديدة التي كشفت الحكومة السعودية عن ملامحها، أمس الثلاثاء، نجد أنها تحوي مؤشرات غير مريحة لصانع القرار.
وأنها تفرض علي الحكومة تحديات عدة من أبرزها ضرورة ترشيد الانفاق العام، أو السحب من الاحتياطي الأجنبي النقدي في الخارج البالغ 500 مليار دولار أو من الاحتياطي العام البالغ 573.7 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، أو البحث عن إيرادات أخرى قد يكون من بينها رفع الضرائب وزيادة الأسعار خاصة أسعار الوقود .
أبرز مؤشرات الموازنة السعودية الجديدة، استمرار عجز الموازنة العامة، للعام السادس على التوالي، ليبلغ العجز المقدر 35 مليار دولار للعام المقبل 2019، وبذلك يصبح مجموع العجز المتراكم منذ العام 2014 نحو 313 مليار دولار.
ومن بين المؤشرات أيضاً زيادة الدين العام إلى 180 مليار دولار، رغم الطفرات التي شهدتها أسعار النفط في العامين 2017 و2018، وهو ما يجبر الحكومة على التوسع في الاقتراض الخارجي والداخلي لتغطية العجز المتوقع زيادته عن رقم الحكومة المعلن والمستهدف، بسبب توقعات قوية باستمرار تراجع أسعار النفط في العام المقبل.
ومن بين مؤشرات الموازنة الجديدة، ارتفاع الحصيلة الضريبية، وزيادة الإنفاق الحكومي بما يزيد على 7%، والبند الأخير يأتي في محاولة من الحكومة لتنشيط الأسواق وتحريك النمو الاقتصادي المتضرر لأسباب عدة.
منها فقدان أسعار النفط أكثر من 30% من قيمتها في آخر شهرين، وتحمل السعودية فاتورة خفض أسعار النفط في الأسواق الدولية والاستجابة لابتزازات ترامب، وسد العجز في إنتاج إيران النفطي عقب فرض العقوبات الأميركية عليها، وانسحاب استثمارات أجنبية من البلاد، وتعثّر مشروع نيوم الاستثماري الذي كانت الحكومة تراهن عليه في جذب مليارات الدولارات للبلاد.
لكن أبرز ما يلفت النظر في الموازنة الجديدة هو أن الحكومة توقعت زيادة إيرادات النفط بنسبة 9% في العام المقبل 2019 لتصل إلى 662 مليار ريال، وبنت تقديراتها على أساس توقعات بارتفاع أسعار النفط في العام المقبل، وهو أمر مشكوك فيه، حسب تقديرات خبراء نفط وبنوك استثمار عالمية كبرى.
كما توقعت الموازنة زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 313 مليار ريال (83.45 مليار دولار) في العام 2019، مقابل 287 مليار ريال في 2018، والملفت هنا أن الزيادة المتوقعة تأتي رغم حالة الركود التي يمر بها الاقتصاد السعودي، وانسحاب استثمارات أجنبية من سوق المال، على خلفية اعتقالات فندق الريتز كارلتون الشهيرة، واغتيال الصحافي جمال خاشقجي، ومغادرة نحو 1.7 مليون وافد المملكة منذ العام 2017، حسب أرقام رسمية.
ورغم أن الحكومة السعودية لم تكشف رسميا عن سعر برميل النفط المستهدف في موازنة العام المقبل 2019، إلا أن توقعات سابقة أشارت إلى أن السعر يبلغ 70 دولارا، خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وأن موازنة 2019 تحتاج أن يبلغ متوسط السعر 84 دولارا للبرميل لتحقق التوازن المالي، وهو بالطبع سعر صعب تحققه في ظل التخمة التي يعاني منها سوق النفط العالمي، وزيادة الإنتاج الأميركي من النفط الصخري.
وبالتالي، فإن السؤال: من أين ستمول الحكومة قيمة زيادة الإنفاق العام إلى 1.1 تريليون ريال (294.8 مليار دولار)، هل ستفرض ضرائب ورسوما جديدة؟
هذا احتمال قائم، حيث توقّع بيان الموازنة الجديدة ارتفاع الحصيلة الضريبية خلال العام 2019 بنحو 11%، وأن الحكومة جمعت 45.6 مليار ريال (12.16 مليار دولار) من ضريبة القيمة المضافة في العام الجاري 2018.
يدخل اقتصاد المملكة عامَ 2019، وهناك تحديات عدة تواجهه، منها احتمال استمرار تراجع أسعار النفط وبقوة، وزيادة نسب البطالة خاصة بين الشباب، وزيادة حجم الدين العام، واستمرار هروب العمالة الوافدة بسبب زيادة الرسوم والأسعار والأعباء المعيشية، وتطبيق سياسة "سعودة" الوظائف التي من المتوقع أن تنعكس سلباً على أداء وأرقام الشركات وترفع كلفة التشغيل لديها.
وبالتالي، هل تلجأ الحكومة إلى أساليب غير تقليدية لجمع مليارات الدولارات، على غرار حملة فندق الريتز كارلتون التي جمعت ما يزيد عن 50 مليار ريال (13.33 مليار دولار) من رجال أعمال وأمراء متهمين بالفساد من بين 100 مليار دولار كانت مستهدفة، أم يتم اللجوء إلى حلول صعبة، من أبرزها زيادة أسعار الوقود خاصة البنزين والسولار، وخفض الدعم الحكومي للسلع الرئيسية، والإسراع في بيع الشركات والمرافق العامة؟