متابعات-
تسيطر حالة من القلق على مستقبل صناديق التقاعد البحرينية في ظل مخاطر استنزافها وعجزها عن دفع استحقاقاتها في غضون أربع سنوات من الآن؛ وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى اتخاذ إصلاحات لمساعدة هذه الصناديق على مواصلة أداء مهمتها ست سنوات مقبلة.
وقد أصدر ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، الاثنين (13 يوليو)، مرسوماً بقانون رقم (21) لسنة 2020 الخاص بصناديق ومعاشات التقاعد في القوانين والأنظمة التقاعدية والتأمينية.
وجاء المرسوم بناء على توصيات قدَّمها مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بإجراء 10 إصلاحات، منها 4 إصلاحات طارئة، لإنقاذ صناديق التقاعد من التوقف عن دفع التزاماتها، وتأمل الهيئة تطبيق التوصيات الست المتبقية في وقت عاجل.
ونص المرسوم الجديد على دمج صندوق تقاعد موظفي الحكومة وصندوق التأمينات الاجتماعية، في صندوق واحد يُنشأ لهذا الغرض تحت اسم "صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية"، وتتولى الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي إدارة هذا الصندوق.
وبناء على المرسوم الجديد، فقد تم وقف الزيادة السنوية على المعاشات كافةً والمقررة بموجب أي قانون أو نظام تقاعدي أو تأميني، وفي حال وجود فائض بصندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية أو صندوق التقاعد لضباط وأفراد قوة دفاع البحرين والأمن العام البحرينيين وغير البحرينيين المنشأ، يتم ترحيله إلى حساب مستقل في كل من الصندوقين.
وجاء المرسوم الجديد في وقت تتصاعد فيه حدة الأزمات التي تواجهها صناديق التقاعد البحرينية، خاصة في ظل الظروف التي فرضتها جائحة كورونا على اقتصاد المملكة المتضرر بالأساس منذ سنوات، والتي أجبرت الحكومة على تحمُّل مزيد من النفقات لدعم مواطنيها وقطاعها الخاص خلال فترة الجائحة.
وهذا الأسبوع، وافق مجلس الوزراء البحريني على اقتطاع مبلغ 450 مليون دولار من حساب احتياطي الأجيال القادمة لمرة واحدة فقط؛ وأقرّ إصدار مرسوم بقانون بشأن التصرف في جزء من أموال حساب احتياطي الأجيال القادمة؛ وذلك لدعم ميزانية الدولة في ظل أزمة فيروس كورونا.
وتأسس صندوق احتياطي الأجيال القادمة في البحرين بهدف الادخار للأجيال القادمة، عن طريق استثمار جزء من عائدات النفط خارج المملكة.
وذكرت صحيفة "أخبار الخليج" المحلية، الاثنين (14 يوليو)، أن مجلس الوزراء وافق على التصرف في جزء من أموال حساب احتياطي الأجيال القادمة، من خلال وقف تحويل إيرادات النفط المرصودة لصالح هذا الحساب، بصفة مؤقتة حتى نهاية السنة المالية 2020.
عجز خطير
وفي أبريل الماضي، أكد وزير المالية والاقتصاد الوطني، الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة، أن مجموع الالتزامات المالية للصناديق التقاعدية للقطاعين العام والخاص، وفقاً للبيانات المالية لسنة 2019، يقدَّر بـ17.3 مليار دينار (46 مليار دولار)، في حين يبلغ صافي الموجودات 3.1 مليارات دينار (8 مليارات دولار)؛ أي إن إجمالي العجز (من 2015 حتى 2020) في الصندوقين يصل إلى 14.2 مليار دينار (37.5 مليار دولار).
وردّاً على سؤالٍ برلمانيٍّ بشأن الوضع المالي للصناديق التقاعدية التي تديرها الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، قال الوزير إن إجمالي العجز في القطاع العام وصل إلى 8.1 مليارات دينار (21.5 مليار دولار)، وفي القطاع الخاص وصل إلى 6.1 مليارات دينار (16 مليار دولار).
وأشار الوزير إلى أن أصول صندوق القطاع العام تصل إلى مليار و100 مليون دينار (2 مليار و650 مليون دولار)، في حين تصل أصول صندوق القطاع الخاص إلى مليار و992 مليون دينار (5 مليارات و283 مليون دولار).
وكشف أن مجموع إيرادات صندوق القطاع العام يبلغ 485 مليون دينار مقابل مصروفات يصل مجموعها إلى 464 مليون دينار بفارق 21 مليون دينار (56 مليون دولار)، في حين يبلغ مجموع إيرادات القطاع الخاص 362 مليون دينار مقابل مصروفاتٍ قيمتها 256 مليون دينار، أي بفارق 106 ملايين دينار.
وقالت إيمان المرباطي، الرئيسة التنفيذية للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، إن أوضاع صناديق التقاعد مقلقة، وإن الدراسة الشاملة التي قدمها الخبير الاكتواري (من يقوم بتقدير المخاطر الخاصة بالتغطيات التأمينية) عام 2018، حذّرت من استنزاف صندوق القطاع العام في 2024 وفي الخاص عام 2033.
وأوضحت المرباطي أن الدراسة حذّرت من أن الصناديق ما زالت تعاني، وأن استمرار الوضع من دون إصلاحات جذرية يهدد بعدم القدرة على عدم دفع الاستحقاقات التقاعدية.
ونقلت "أخبار الخليج" عن المرباطي، أنه لا يمكن تحقيق استدامة صناديق التقاعد حتى عام 2086 من دون اتخاذ إجراءات وتدابير إضافية، لافتة إلى أن استثمارات صناديق التقاعد أسهمت في تغطية العجز بالصناديق.
ويبلغ متوسط نسبة اشتراكات الأفراد في الصناديق التقاعدية عالمياً ما بين 13 و14.5%، في حين تبلغ نسبة الاشتراك في البحرين 6%؛ لأن المنامة تطبق نظام الصناديق العامة.
توازن غائب
ومن بين المشكلات التي تستنزف الصناديق التقاعدية بالبحرين، وجود تسارع في المصروفات التقاعدية مقابل الاشتراكات؛ وهو ما أدى إلى ظهور عجز فعلي بالصناديق عام 2012، ثم اتسع العجز في 2019، بحسب المرباطي، التي أكدت أنه "لولا استثمارات الصناديق خلال هذه الفترة ما تمت تغطية هذا العجز"، محذرةً من أنه إذا ما تم استنزاف كل أموال الصناديق وأصولها فإن الحكومة لن تتمكن حتى من سداد المعاشات.
وكشفت مراجعات الخبراء لأوضاع الصناديق زيادة أعداد المتقاعدين مبكراً مقارنة بالفترات السابقة، بالإضافة إلى تخفيض الاشتراكات وانخفاض متوسط العمر لدى المتقاعدين المستجدين، فضلاً عن صرف الزيادة السنوية المركبة للقطاعين (العام والخاص) والتي أرهقت الصناديق، من خلال تشجيع كثيرين على التقاعد المبكر.
في عام 2015، حدد الخبير الاكتواري ثلاث مراحل للصناديق: الأولى تتعلق بما يخص المصروفات مع الاشتراكات، متوقعاً أن تتجاوز الصناديق هذه الفترة في عام 2016. أما المرحلة الثانية التي شملت ضم الاستثمارات مع الاشتراكات، فقد توقع الخبير أن يستمر الصندوق العام حتى 2019، والصندوق الخاص حتى 2022. وبالنسبة للمرحلة الثالثة المتعلقة باستنزاف الصناديق بالكامل، فأشار الخبير إلى أن ذلك سيتحقق في 2028 وفي القطاع الخاص 2034.
خطوات متأخرة
وتضمَّن المرسوم بالقانون الأخير أربع توصيات، من بين عشر توصيات أقرتها هيئة المعاشات التي تتطلع إلى إصدار قانون بالتوصيات الست المتبقية، في القريب العاجل.
ويتطلب مد أجل الصناديق إلى خمسين سنة أخرى، 11 مليار دينار (29.17 مليار دولار)، ومن ثم فإن التوصيات الست التي تأمل الهيئة إصدارها، تتعلق بتخفيض المعاش بمعدل 6% عن كل سنة من سنوات التقاعد قبل سن التقاعد الاعتيادي، واعتبار سن التقاعد الاعتيادي 60 سنة والاختياري 65 سنة مع جواز الاستمرار في العمل بعد ذلك.
كما تتضمن التوصيات تسوية المعاش على متوسط راتب السنوات الخمس الأخيرة قبل التقاعد، وزيادة نسبة الاشتراكات التأمينية 1% تدريجياً حتى تبلغ 27%، وذلك اعتباراً من سنة 2020، ووضع حد أدنى لسنِّ التقاعد عند 55 عاماً، وإلغاء سنوات الخدمة الاعتبارية. كما أن توحيد مزايا الصناديق يتطلب توحيد الاشتراكات عند 27%.
وسيساعد المرسوم الأخير في مد عمر الصندوق 6 سنوات، في حين يضمن تطبيق الإصلاحات العشرة مد عمر الصندوق إلى عام 2086، بحسب المرباطي التي قالت إن تطبيق هذه الإصلاحات في 2015 كان يمكنه إنقاذ الصناديق قبل هذا الوقت، مستدركة: "لكننا حالياً في مرحلة تتطلب تنفيذ كل هذه الإصلاحات".