علي المطاعني- الشبيبة العمانية-
في الوقت الذي يطالب فيه بعضنا الحكومة ـ وبشكل غير واعٍ ـ بتقليص الإنفاق على المشروعات والخدمات وغيرها من أوجه الصرف في الموازنة العامة للدولة، تغيب عن باله انعكاسات هذا التقليص على الأسواق والاقتصاد، والآثار السلبية له. فهذا التقليص وذاك الانخفاض، قد يصيبان الاقتصاد بالشلل، أو ما يسمى في علم الاقتصاد بالانكماش، وقد تمتد الحالة إلى الكساد إذا تمادت الحكومة في إجراء تخفيضات غير مبررة، فقط من أجل تقليص الموارد المالية وسد العجوزات، في حين تتجاهل الاقتصاد الكلي وما قد يصيبه من خلل كبير. فكما يعلم الجميع أن الإنفاق الحكومي هو المصدر الرئيسي في البلاد، والقطاع الخاص معتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وإذا خفضت الحكومة هذا الإنفاق لأي دواعٍ، قد ينعكس سلبا على الاقتصاد من خلال تأثيرات واسعة تصيب الجميع.
لا شك أن مخاطر تقليص الإنفاق كثيرة، فلا يجب أن تأخذنا العاطفة لكي ننساق وراء أخطاء فادحة جراء انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، ونعالج الخطأ بخطأ أكبر منه، فهذه قاعدة غير صحيحة اقتصاديا، علينا أن ننظر للحلول التي تدفع الاقتصاد وتحفزه إلى الأمام، وليس لانتكاسته إلى الخلف دون وعي بالآثار السلبية التي قد تخلفها هذه الممارسات في التعاطي مع الأمور في مثل هذه الظروف الاستثنائية، والثقة كل الثقة بأننا قادرون على تحمل تبعات هذه الأزمة وغيرها، فهي الفيصل في إدارة الشيء، والثقة بالنفس أكبر عامل لتجاوز المعضلات، والتخاذل والتوجس والخوف عوامل انهيار الأنفس قبل الاقتصاد.
إن الحلول الناجعة هي استمرار الإنفاق بمعدلاته الطبيعية ـ كما هو مقدَّر في الموازنة العامة ـ والعمل على زيادة النمو الاقتصادي، وتقليص المصروفات الجارية وليس الإنمائية؛ لأن المصروفات الإنمائية هي التي تولد وظائف جديدة، في حين أن المصاريف الجارية ليس لها أي إفرازات لوظائف جديدة، مع توسيع قاعدة دافعي الرسوم والضرائب على بعض الخدمات والسلع لحفز الاقتصاد (عدد الشركات الدافعة للضرائب لا يتجاوز ٢٪ من مجموع الشركات المسجلة)، ومراعاة ذوي الدخل المحدود والضمان الاجتماعي وغيرهم من الفئات المستحقة للدعم من الدولة، حفاظا على مستويات الحياة الكريمة التي تراعيها الحكومة منذ بواكير النهضة المباركة وإلى الغد إن شاء الله.
ولعل من العوامل التي تؤدي إلى تقليص الإنفاق الحكومي وانعكاساته على الأسواق والشركات، هو تسريح القوى العاملة الوطنية والوافدة بأعداد كبيرة نتيجة نقص المشاريع ونقص السيولة في السوق. فعدد الأيدي العاملة الوافدة في القطاع الخاص يزيد على مليون ونصف عامل وافد، بالإضافة إلى مئتي ألف عامل عماني؛ أي ما يزيد على مليون وسبعمئة ألف نسمة، وهو يمثل أقل نصف السكان بقليل، وأي تسريح ممنهج للقوى العاملة في البلاد نتيجة خفض الإنفاق سوف يصيب السوق بالاختلال، وبتبعات غير إيجابية.
ومن الآثار السلبية لخفض الإنفاق: انخفاض القوة الشرائية في السوق، وركود الأنشطة الاقتصادية، وإغلاق المحلات والشركات، وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في البلاد. بل إن من أخطر آثار تقليص الإنفاق القومي هو انهيار الثقة لدى التجار والمواطنين والمتابعين والاقتصاديين في متانة الاقتصاد وقوته وتعافيه من الأزمات. وعندما تضعف الثقة تقل الدافعية للعمل لاستشراف المستقبل، وتجد كلنا يؤجل العمل والمشروعات والأفكار بهدف إيضاح الموقف، وبعضنا يحول مدخراته إلى الدول والعملات الأخرى، وتضعف قيمة العملة ويقل الطلب عليها بين العملات.
إن بعضنا لديه رؤية تدعو إلى تقليص الإنفاق لا ترشيده، ولا يفقه ما قد تؤول إليه الأمور فيما بعد من مآسٍ تنعكس على الاقتصاد الوطني بشكل موجع. نحن مع ترشيد الإنفاق غير الضروري في بعض الجوانب غير المهمة التي ليس ذات أثر مباشر على الاقتصاد، وتتعاطى مع الكماليات التي لا تحدث تأثيرا على الأسواق، لكن أن ندفع نحو تقليص الإنفاق الحكومي في المجالات الرئيسية والمشاريع بشكل كبير، فهو اتجاه غير صحيح.
بالطبع الجهود المبذولة في هذا الشأن إيجابية حتى الآن، وفق ما نراه من معالجات تعمل بشكل متوازن نوعا ما ولا تخنق الاقتصاد رغم التحديات، إلا أن هذه الجهود منفردة لن يكون لها نفس طويل، ما لم يكن هناك عمل جماعي، وتفهم واسع للخطوات المطلوبة في المرحلة القادمة.
نأمل أن لا ننجرَّ وراء الضغوط بشأن تقليص الإنفاق الحكومي، وإنما لتحفيز الاقتصاد، وإيجاد حلول في زيادة الضرائب والرسوم، وغيرها من البدائل الضريبية التي تسهم في تقاسم الأعباء، وتضافر الجهود، وليس الكساد.