محمد محمود عثمان- الشرق القطرية-
لا شك أن أسعار النفط سوف تظل تلقي بظلالها على اقتصادات الدول النفطية، بل وغير النفطية، في ظل استمرار تراجع الأسعار وعجز منظمة "أوبك" عن السيطرة على السوق أو ضبط الإنتاج ؛لذلك فإن تأخر تعافي سعر النفط سيؤثر سلبا على الوضع الائتماني لدول الخليج، ومن هنا تبدأ المخاوف لتعرض ميزانيات الدول للضغوط النفطية إلى فترات أطول، إذا بقيت أسعار النفط عند مستوياتها المنخفضة لفترة أطول،أو إذا استمرت في الهبوط، لذلك خيم التشاؤم على خبراء صندوق النقد الدولي الذي يحذر من أن التراجع المستمر في سعر النفط منذ منتصف العام الماضي، سوف يكبد دول المنطقة خسائر تقدر بنحو 360 مليار دولار، خلال العام الحالي فقط، وتكمن الخطورة في عدم قراءة التقرير جيدا، نظرا لتأثير ذلك في السنوات القادمة على موازنات الدول النفطية، خاصة أن عدة دول قد أعلنت عن عجز في موازناتها السنوية للعام الجاري، بينما عمدت دول أخرى إلى تعديل موازناتها، إثر تراجع سعر برميل النفط إلى 45 دولارا، بعد أن تجاوز الـ 110 دولارات في العام الماضي، مما دفع بالمملكة العربية السعودية، التي تعد أكبر منتجي النفط في العالم إلى السحب من الاحتياطي وتقليص الاستثمارات الخارجية، لأن السعر الذي يحقق التوازن الاقتصادي بالنسبة لميزانيتها يجب ألا يقل السعر عن 106 دولارات للبرميل، حيث إن الاحتياطات النقدية لديها قد لا تكفي لضمان تحقيق هذا التوازن لفترة لا تتجاوز 5 سنوات، إذا ما ظل سعر النفط عند 50 دولارا للبرميل، وفي ظل استمرار الصراعات الإقليمية،وتفاقم الأوضاع في سوريا واليمن والاضطرابات في العراق، لذلك فإن التقديرات المبدئية للخسائر المتوقعة لدول الخليج العربية خلال السنوات المقبلة قد تتعدى التريليون دولار،وسوف تؤدي إلى وقف النمو عند 2.5 %، وسوف تؤثر هذه التداعيات بشدة أيضا على اقتصادات سوريا والعراق واليمن ، كما لم تسلم كلا من الأردن ولبنان ضغوطا اقتصادية نتيجة لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، ليس ذلك فقط بل سوف تتضرر بصورة أو بأخرى اقتصادات الدول المصدرة للأيدي العاملة مع تسريح العمالة أو خفض الرواتب وأثر ذلك على التحويلات من النقد الأجنبي، وهذا يفرض علينا جميعا التكيف مع الواقع الجديد، من خلال إعادة النظر في الميزانيات،وتقليص النفقات،والبحث جديا عن تنويع مصادر الدخل، لتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية لضمان استمرارية التدفقات النقدية لتغطية النفقات وتمويل المشروعات
بفضل الاحتياطات المالية الكبيرة التي تراكمت خلال سنوات ارتفاع أسعار النفط، والتي تجعل من الصعوبة البدء في تخفيض دعم السلع والخدمات وفاتورة الرواتب في القطاع العام، وهذا سينعكس أيضا على أداء القطاع الخاص وقدرته على استيعاب الوظائف الجديدة، التي ستبدو أكثر وضوحا في كل من : البحرين وسلطنة عمان لأنهما الأكثر تأثرا بهبوط أسعار النفط نظرا لارتفاع السعر الذي يحقق نقطة التعادل في موازنتهما، ولذلك فإن مواجهة ذلك قد يفرض إجراءات أكثر من خلال رجوع الحكومات على المواطنين لسد عجز الموازنات بالضرائب والرسوم والغرامات المالية ، لمواجهة الاحتياجات التنموية الحقيقية حتى لا تتفاقم الأوضاع الاقتصادية، وإن كانت توقعات صندوق النقد الدولي بقدرة دول الخليج على اتخاذ تدابير التكيف الضرورية بفضل احتياطاتها المالية الكبيرة التي تراكمت خلال السنوات التي ارتفعت فيها أسعار النفط، رغم الجهود الخليجية الرامية لتعزيز الإيرادات غير النفطية محدودة، وغير ممنهجة، لأن الحديث عنها يرتفع ويتكرر فقط مع كل أزمة تتعلق بأسعار النفط وتأثيراتها السلبية المتوقعة، ثم لا تلبث أن تهدأ أو تتلاشى مع تعافي أسعار النفط مرة أخرى، لذلك فإن حجم التحديات المالية الناجمة عن هبوط سعر النفط تختلف من بلد لآخر، لأن الحلول التي تتبناها الدول الأخرى غير المصدرة للنفط تختلف أيضا على مستوى السياسة المالية، وهو أمر يصعب على دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذها لأنها تنطوي على العديد من المخاطر، تفرضها طبيعة الحياة ومستوى الدخل. ونمط الرفاهية التي تعود عليها المواطن، التي تحتاج إلى الكثير من الوعي لإدراك أن هناك مشكلة اقتصادية حقيقية نتيجة انخفاض أسعار النفط ، وهذا يتطلب التفاعل الإيجابي من الجميع لتحمل ولو جزء من المسؤولية، حتى تنفرج الأزمة ولو جزئيا.