هشام الزياني- الوطن البحرينية-
قبل فترة كنت أشاهد فيديواً مسجلاً لخبير، أحسبه أمريكياً، يشرح فيه كيف تتم عملية إخضاع الدول التي يستهدفونها عن طريق (دوامة القروض)، الخبير كان يشرح الأساليب لذلك، وأن هذه الحروب الجديدة التي تعمل عليها الدول الكبرى حين تريد أن تخضع دولاً وتضعها تحت الوصاية والإملاءات، عن طريق القروض وعن طريق إيصال الدولة المستهدفة إلى مرحلة (الدولة الفاشلة).
يأتي حديث ذلك الخبير أمامي كلما سمعت وزير المالية البحريني يتحدث عن رفع سقف الدين العام، وكلما قرأت أننا نقترض من أجل أن نسدد فوائد ربوية للديون، وهذه العملية متواصلة، والقروض تكبر، والدين يتضاعف، والدخل ينخفض، وبالتالي فإن أي قارئ للمشهد حتى وإن لم يكن اقتصادياً سيقول لك؛ إن شبح اليونان ليس ببعيد عنا.
السؤال الذي يشغلني هو؛ هل نحن فقط نعرف تلك المعلومات؟ الذي أعرفه أن المسؤولين يعرفون معلومات عن الاقتصاد وعن مشاريع الغرب التي تستهدفنا، أكثر مما نعرف نحن، وهم يملكون اطلاعاً أوسع منا.
اذهب الآن إلى ما أقره مجلس النواب أمس الأول وهو قانون ينظم الدين العام للدولة، وكان هذا القانون محل نقاش وخلاف في جلسة مجلس النواب، المجلس يريد إقرار القانون بعد تفاقم الدين العام بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ووزير المالية يريد عدم إقرار القانون أو تغيير مواد بالقانون.
وزير المالية قال خلال الجلسة: «إن إقرار قانون يحدد سقف الاقتراض يترتب عليه خفض المصروفات الحكومية لتتناسب مع مستوى الدخل، وأضاف في ظل انخفاض أسعار النفط إلى 40 دولاراً وإقرار القانون ستحافظ الحكومة فقط على بند الرواتب وتتوقف عن تقديم الخدمات للمواطن».
الوزير، من حيث لا يعلم، قال كلاماً فعلاً هو الذي يجب أن يطبق، وهو خفض الإنفاق ليتناسب مع مستوى الدخل (هذا الأمر يتبعه حتى الإنسان على المستوى الفردي) وبالتالي فإن العجز إنما هو عجز في المداخيل، وهي التي تؤدي إلى الاقتراض، وهذا يعني أيضاً أن كل ما قاله الوزير عن تنويع مصادر الدخل ودعم الاقتصاد الوطني منذ سنوات مضت إنما كان كلاماً فقط، وإلا فإن لو تحقق شيء من ذلك، لما بقي بند المداخيل غير النفطية عند مبلغ ضعيف وهو 397 مليون دينار في عامين، لا حظوا في عامين، وكلما تأثرنا كثيراً كلما هبط سعر برميل النفط.
الوزير أيضاً قال: «إن وضع سقف للدين العام، يعني أن أموراً كثيرة ستتوقف»، وقد قال في البداية إن الحكومة ستحافظ فقط على بند الرواتب، وفي مكان آخر من الجلسة قال: «إن الخدمات للمواطنين ستتأثر ومنها الإسكان والخدمات العلاجية».
الآن نريد أن نعرف هل ستتوفر الرواتب فقط، أم أن الإسكان والصحة هما من سيتأثر، هناك اختلاف في الحديث؟
ثم لماذا يلوح الوزير بالصحة والإسكان؟ هل من أجل استعطاف المجلس والضغط عليهم وممارسة لي الذراع من أن الإسكان والصحة ستتأثران كثيراً إذا وضعتم سقفاً للدين العام، وبالتالي سيثور الناس على النواب قبل غيرهم؟
ألم يأتِ الدعم الخليجي لمشاريع الإسكان؟
ألم يأتِ أيضاً دعماً خليجياً لمشاريع صحية؟
لماذا تهددون المجلس والناس من أن عدم رفع سقف الدين سيجعل الرواتب فقط هي التي يستلمها المواطن؟
هل المواطن هو المسؤول عن سياسات الدولة المالية؟
لماذا تدعم الشركات الحكومية بمبالغ ضخمة جداً من الميزانية العامة، بينما هذه الشركات لا تعطي أرباحها إلى الميزانية العامة؟
النائب مجيد العصفور قال لوزير المالية إن وزارة المالية هي من حددت سقف الدين العام عند 60% سابقاً، فلماذا تريد الوزارة أن ترفع الدين اليوم فوق الذي حددته الوزارة؟
الوزير قال نعم حددنا 60% كسقف في السابق حين كان الدين العام عند 40%، لكن اليوم نحتاج إلى رفع سقف الدين فوق 60%..!
إجابة الوزير تعني أننا أيضاً بعد فترة سنحتاج إلى أن نرفع سقف الدين العام إلى 80%، وبعد فترة سنحتاج إلى رفع الدين العام إلى 100%..؟
هل هذا معقول؟
بينما لم يستعرض الوزير ولا النواب أي خطة حقيقية بالتوقيت الزمني لخفض الدين العام، وتقليل الاقتراض، وزيادة مداخيل الدولة في بند (المداخيل غير النفطية).
المواطن «في حيص بيص» ويتم التلاعب بالأرقام والمعلومات حتى لا يعرف الحقيقة، وهذه مصيبة، صحيح أن مجلس النواب نجح في إقرار قانون للدين العام، لكن المجلس حتى الساعة لم يناقش كيف يمكن خفض الدين العام خلال العامين القادمين، والعامين الماليين التاليين؟
أعود لما بدأت به المقال، وأقول أن هناك من يستهدفنا في اقتصادنا من خلال جعلنا ندور في دوامة القروض، وبالتالي يمكن السيطرة على البحرين من الباب الاقتصادي حين فشل مشروعهم في 2011.
حتى الجمعية الانقلابية كانت تعول على هذا الأمر، وهو أن تصل البحرين خلال الأحداث المؤسفة، وبعد احتلال المنامة وتعطيل الاقتصاد، إلى أن نصل إلى الدولة الفاشلة اقتصادياً.
الذي لم يستطع الأعداء أن يفعلوه بنا من خلال مؤامرات 2011، بيدو أننا نفعله اليوم بأنفسنا كهدية لهم..!!
** رذاذ
قرأت مادة في قانون الدين العام تلزم وزير المالية بموافقة المجلس على كل عملية اقتراض، الوزير اعترض، ودعم اعتراضه بمعلومة لا أعرف ماذا أقول عنها، وكأنه يريد أن يقول للمجلس يعني كل مرة نجيكم؟
فقد قال الوزير: «نحن نقترض 132 مرة في العام، والعودة للمجلس في كل مرة غير ممكن»..!
132 مرة نقترض في العام الواحد؟
لا حول ولا قوة إلا بالله..!