اقتصاد » ميزانيات

الاقتراض المفتوح يقود حتماً إلى الإفلاس

في 2015/12/22

قاسم حسين- الوسط البحرينية-

لقد فرض تراجع الوضع الاقتصادي نفسه على الجميع، مؤسساتٍ رسمية وشعباً ومنتديات، حتى أصبح يتصدر أخبار الصحف والمانشيتات. لم يعد هناك مجالٌ لإخفاء الحقائق أو تغطية الأوضاع السيئة عن الرأي العام. فانهيار أسعار النفط من 90 دولاراً هذا العام إلى 35 دولاراً، وضع الجميع أمام حقيقة الوضع الاقتصادي الهشّ الذي نعيشه، بسبب اعتمادنا شبه الكلي على النفط.

اليوم، يقرأ الجمهور تصريح النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، عن النفق المظلم الذي دخلناه، حيث أنذرنا بالوصول إلى حالة الإفلاس. وهو أمرٌ ليس سراً، فقد سمعنا وقرأنا مثل هذا الرأي من قبل آخرين، تجاراً ورجال أعمال واقتصاديين، نشرت الصحف تصريحاتهم في الأشهر الأخيرة. بل إن أمين عام جمعية «وعد» إبراهيم شريف، قال في مقابلة صحافية بالحرف إن النظام إذا لم يلجأ إلى حلّ سياسي، فإن البلد ستعلن إفلاسها بعد عامين، كما حصل لليونان.

هذه المقابلة نُشرت خلال فترة الأسابيع الثلاثة التي أُطلق فيها سراحه، في يونيو/ حزيران 2015، وكان الإعلام العالمي مايزال مشغولاً يومها بالحديث عن انتخاب المرشّح اليساري الشاب ألكسيس تسيبيراس مطلع العام، وما يمكنه أن يفعل لمعالجة الإفلاس الذي أعلنته بلاده، بسبب سياسة القروض، التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة على حكم اليونان.

ليست اليونان وحدها من تورّطت في سياسة الاقتراض بسقف مفتوح، لدفع رواتب موظفيها ودفع المستحقات العاجلة. وكانت هذه السياسة الفاشلة تحظى بتأييد ومباركة المؤسسات الدولية الرأسمالية المقرِضة، التي تفرض شروطها القاسية على هذه البلدان، وفي بعض الأحيان تؤدي إلى تدخلات تطال سيادتها وقرارها المستقل.

طُبّقت هذه السياسة الفاشلة في لبنان أيام الحريرية، وارتفع سقف الدين العام أضعافاً مضاعفة. كان المشروع إعادة بناء قلب بيروت تحت ضجيج إعلامي عالٍ، وبأموال القروض ذات الفوائد العالية، التي تراكمت على لبنان حتى أثّر ذلك على قدرته على دفع رواتب القطاع العام، أو زيادة الأجور للكثير من القطاعات كأساتذة المدارس والجامعات وسواهم، ممن كانوا ينظّمون وقفات احتجاجية دون جدوى طوال العامين الأخيرين.

هذه السياسات المتوحشة انتهجتها الكثير من دول العالم الثالث، وخصوصاً في أميركا اللاتينية، وأشهرها البرازيل التي انهار اقتصادها، ولم تخرج من المأزق إلا بإجراء إصلاحات حقيقية، وتغييرات سياسية واقتصادية كبرى، أعادتها إلى الواجهة لتدخل اليوم ضمن دول «البريكس».

في مقال السفير الأميركي الأسبق بالبحرين رونالد نيومان، الذي شرح الوضع البحريني بالتفصيل، والذي يعرفه أغلب القراء، استهل الفقرة الأخيرة منه بعبارة: «الآن البحرين في طريق مسدود»، منتقداً أداء المعارضة والحكومة وجمود مواقفهما، وعدم امتلاك الإدارة الأميركية لرؤية للحل، ليس على مستوى البحرين بل في المنطقة كلها. وبسبب هذه السياسة غير الواضحة، جعلها عرضة لانتقادات كل الأطراف في البحرين التي تعاني من غياب أي أفق للحل.

في جلسة الشورى الأخيرة، قرأنا السجال الذي دار، حيث حذّر النائب الأول لرئيس المجلس، من عجز الدولة عن دفع الرواتب، بينما رفض وزير المالية تصوير الوضع وكأن البحرين على حافة الإفلاس. وهي حالةٌ تحتاج إلى مصارحة الناس بالحقائق وليس ملء صدورها بالأوهام والتمنيات.

طوال الأعوام الثلاثة الماضية، بل منذ نهاية 2012، كنا نكتب باستمرار عن هذا «الطريق المسدود»، سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً وحقوقياً. فالتأزّم السياسي، والمعالجات الأمنية للمطالبات العامة بالحقوق وقمع حرية التعبير ومعاقبة من يطرح رأياً مخالفاً... كل ذلك يقود في النهاية إلى هذا الطريق المسدود.