اقتصاد » ميزانيات

قراءة متأنية في موازنة ٢٠١٦

في 2015/12/23

علي بهزاد- الشرق القطرية-

أعطت موازنة قطر ٢٠١٦ أولوية قصوى للمشروعات الرئيسية، استنادا إلى إيرادات قدرت قيمتها بـ١٥٦ مليار ريال، ورسمت خطط العام الجديد التي ترتكز على بناء أرضية متأنية في النفقات.

فقد قدرت قيمة الإيرادات بـ١٥٦ مليار ريال، وقيمة العجز بـ٤٦،٥ مليار ريال نتيجة انخفاض إيرادات النفط والغاز، وبحجم نفقات قدره ٢٠٢.٥ مليار ريال، ومصروفات قدرها ٥٨،٨ مليار ريال، وأجور ورواتب قدرها ٤٩،٥ مليار ريال، وبلغت مخصصات قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية ٩٠،٩ مليار ريال.
والمتتبع لتقديرات الموازنة يتبين أن الدولة تلافت تأثيرات انخفاض أسعار البترول عالميا على مختلف أنشطتها الاقتصادية الداخلية، إذ رغم تسجيل عجز إلا أنه يمكن السيطرة عليه عن طريق إيلاء الاهتمام للقطاعات غير النفطية والقطاع الخاص، واللذان سيلعبان دورا مؤثرا في السنوات القادمة، استنادا إلى الدعم اللوجستي الذي أولته الدولة لهما في السنوات العشر الماضية.
والمتابع لموازنات دول مجلس التعاون الخليجي فإنها أعلنت عن عجوزات في إيراداتها ونفقاتها نتيجة استمرار انخفاض أسعار سوق الطاقة، مما اضطرها إلى إيقاف بعض الأنشطة التجارية والصناعية أو تأجيل مشروعات، فإن دولة قطر عمدت إلى تلافي ذلك من خلال توجيه جل الإنفاق إلى المشاريع الضرورية في قطاعات النقل والتعليم والصحة والبنية التحتية.
فالتوجه العالمي اليوم ينحو إلى التقليل قدر الإمكان من حجم الإنفاق، وهذا لا يقتصر على دولة بعينها، إنما الدول المتقدمة شرعت أيضاً في تقليص نفقاتها بما يتوافق مع إيرادات قطاعاتها، والإعلان عن سندات استثمارية لتعويض السيولة المالية.
وتولي الدول اهتماما كبيرا للقطاع الخاص، وإعطائه فرصة النمو من خلال إتاحة مشاركته في المشاريع الحكومية، وتوجيه الاهتمام إلى المشروعات الخدمية والمالية والسياحية التي قد تشكل دخلا جيدا يساند القطاع العام.
فالوضع الراهن لانخفاض أسعار النفط والطاقة هو إشكالية دولية تأثرت بها جميع الدول المصدرة والمنتجة للنفط وحتى المستوردة التي أعلنت هي الأخرى عن قلة مواردها المالية لشراء مخزونات كافية من النفط.
فالموازنة القطرية عملت على طمأنة المجتمع المحلي وقطاعات التنمية بأن القطاع الاقتصادي والصناعي بمأمن من التذبذب العالمي، وعدم الاستقرار في أسعار الطاقة.
وقد لمسنا كمواطنين من خطاب سمو الأمير المفدى في افتتاح الدورة ٤٤ لمجلس الشورى العام الحالي مؤشرات الاطمئنان لاقتصاد سيشق طريقه دون مخاطر في كيانات اقتصادية عالمية مقلقة، استنادا إلى النظام المالي الذي يقوم على أسس الشفافية والموضوعية واقتناص الفرص المواتية.
فالخوف الذي يعتري السوق القطري لا مبرر له، والموازنة تفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص وللشباب في أن ينهض بمسؤولياته ليأخذ دوره الفاعل في مساندة الدولة وألا يعتمد على الدعم المقدم له، بل أن يكون رديفا للقطاع العام.
كما تحفز الموازنة المبادرين على البدء في مشروعات غير نفطية وخدمية ومصرفية، وتفتح الآفاق أمام رؤوس الأموال للاستثمارات المحلية والخارجية التي ستجد ملاذا آمنا لضخ استثمارات متنوعة، بما أنها وجدت أرضية مناسبة للنمو وهو الاستقرار المالي، وهذا بعكس دول عديدة تسببت أنظمتها المالية في هروب المستثمرين.
وستوفر الموازنة فرص أعمال ذكية للشباب إذا تمكن من رسم رؤى واقعية قابلة للتطبيق، ففي الوقت الذي لا يجد القطاع الخاص فرصته من مساندة الحكومات له في دول عدة، فإن دولة قطر بسياستها المالية والتحفيزية تتيح ذلك بدعم حقيقي من الحكومة.
أضف إلى ذلك التشريعات التي هيأتها الدولة لدعم القطاع الخاص، وبفضل الإجراءات الاقتصادية المرنة، والتوجيهات التي أعطتها الدولة للوزارات والهيئات بعدم منافسة شركات القطاع الخاص لينهض بدوره.
ولعل أبرز التحديات التي تواجه الموازنة هو المواءمة بين الإيرادات والمصروفات، وإيجاد آليات لتحقيق الاستفادة من الموارد المالية المتاحة بما لا يؤثر على المشروعات.
كما وضعت الموازنة ركائز أساسية هي التنمية المستدامة والاستفادة من الموارد ومن التشريعات الممهدة لها وتكوين احتياطيات مالية قوية وفتح الطريق أمام الاستثمارات النوعية.