اقتصاد » ميزانيات

«فاينانشيال تايمز»: التناقض في سياسة التقشف السعودية

في 2016/01/02

فاينانشيال تايمز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

«إذا كانت هذه هي نهاية الأبوية، فهل كبرنا الآن أم أننا سنصير يتامى»، هكذا سأل أحد السعوديين هذا الأسبوع، بعد أن أعلنت الدولة الأكثر إنتاجا للنفط في العالم مفاجأة غير سارة لمواطنيها مع بداية العام الجديد.

وسوف يطرح آخرون أسئلة مماثلة، وبينما تعاني المملكة من آثار انخفاض أسعار النفط وتشرع في التحول الاقتصادي الذي طال انتظاره، فإن الأمر يتطلب مساهمة جميع مواطنيها. بعد سنوات من ارتفاع أسعار النفط وسخاء الحكومة، أعلنت الرياض ميزانية تقشفية، حيث قامت برفع أسعار الكهرباء للمستهلكين في الشرائح المرتفعة، كما قامت برفع أسعار الوقود والغاز للجميع.

وهذه ليست سوى البداية. هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الزيادات في الأسعار من أجل الحد من دعم الطاقة الذي يكلف الخزينة العامة 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإنه سيكون تقشفا من الطراز السعودي. لا تزال أسعار البنزين رخيصة حتى بالاستناد إلى المعايير الخليجية. لن يخرج السعوديون إلى الشوارع في احتجاجات غاضبة، رغم أن الأغنياء منهم سوف يكونون مضطرين إلى التفكير مليا قبل شراء السيارة الرابعة أو الخامسة، أو تشغيل مكيفاتهم في الهواء الطلق.

قرارات الأسبوع الماضي هي بداية لوضع طبيعي جديد لهذا البلد الذي يخشى أي نوع من التغيير. في ميزانية عام 2016، فإن الحكومة التي لم يسبق لها فرض أي نوع من الضرائب على مواطنيها تعد شعبها لفترة طويلة من انخفاض أسعار النفط ولأعباء متزايدة من الرسوم الجديدة.

هذه التدابير صارت ضرورية بسبب قرار المملكة في عام 2014 بالتخلي عن سياستها في الحد من الإنتاج عند الحاجة، لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط. تعطي المملكة الأولوية القصوى الآن للحفاظ على حصتها في السوق. النتائج الدقيقة لهذه المقامرة السعودية ربما لن تتضح قبل عامين. لكن النظام ما زال مصرا عليها، على الأقل في الوقت الراهن. تراهن المملكة على أن احتياطى النقد الأجنبى الضخم، جنبا إلى جنب مع إصدار سندات الديون، سوف يكونان كافيين لمواجهة آثار هذه العاصفة.

إذا كانت نوبة طويلة من الاضطراب الاقتصادي هي ما ينتظرنا في المستقبل، فسوف تكون فترة صعبة ولكنها مفيدة في نهاية المطاف للمجتمع الذي يجد نفسه في سباق مع الزمن. يشكل الشباب تحت سن 25 عاما أكثر من نصف السكان في البلاد. تقدر شركة «ماكينزي» للاستشارات أن التدفق السكاني القادم أن التضخم السكاني المنتظر يمكن أن يدفع بـ4.5 مليون سعودي إلى سوق العمل خلال السنوات المقبلة، ما يتطلب خلق وظائف جديدة بثلاثة أضعاف المعدل الحالي.

الحكام في السعودية، والشعب إلى حد ما، يدركون بشكل واضح منذ وقت طويل أن النفط لا يمكن أن يضمن الازدهار في المملكة إلى الأبد. دولة الرفاهية المترفة التي تولد الكسل واللامبالاة يجب أن تنتهي يوما ما. وقد تم وضح سياسة تعرف بـ«السعودة» في بداية التسعينيات، وهي سياسة تهدف إلى تشجيع المواطنين على العمل وتشجيع الشركات على توظيف هؤلاء المواطنين المحليين. ولكن السعوديين يحتاجون إلى مهارات أفضل من أجل مواكبة سوق العمل، كما أن نظامهم التعليمي، الذي يركز بشدة على التعليم الديني ويهمل المهارات التحليلية، يبدو بحاجة إلى تغيير.

حتى قبل عقد من الزمن، كنت نادرا ما تجد صرافا سعوديا في بنك، أو حتى مديرا لفندق أو سائقا لسيارة أجرة. حتى الآن، يتم شغل معظم هذه الوظائف من قبل الأجانب. المرأة، التي كانت مقيدة من قبل القوانين الدينية والتقاليد المحافظة، قد بدأت في الآونة الأخيرة فقط في الانضمام إلى القوى العاملة بأعداد كبيرة. قوانين الفصل بين الجنسين تعطي فرصا ضئيلة لعمل المرأة.

أدت الطفرة النفطية إلى إبطاء وتيرة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. خلال عشر سنوات من ارتفاع أسعار النفط، والتي انتهت منتصف عام 2014، فقد ذهبت 2.7 مليون وظيفة من إجمالي 4.4 مليون وظيفة تم خلقها إلى عمال أجانب بعقود مؤقتة، وفقا لشركة «ماكينزي». هناك 1.7 مليون وظيفة متبقية ذهبت إلى السعوديين، منها 1.1 مليون وظيفة في القطاع العام حيث معدلات الأجور تزيد بنسبة 70 في المائة عن تلك التي يدفعها أرباب الأعمال في القطاع الخاص.

تناقضات

ويقول مسؤولون سعوديون أنهم جادون في تبني الإصلاح وخفض النفقات، لكن خططهم تحتوي على تناقضات لم يتم حلها بعد. على سبيل المثال، كيف يمكن دفع أعداد كبيرة من النساء نحو الانضمام إلى قوة العمل بينما يتم حظرهن من قيادة السيارة أو العمل جنبا إلى جنب مع الرجال؟ وهل ستظل الطبقة المتوسطة ومجتمع الأعمال صامتين في وجه الحكم الاستبدادي، حتى مع تآكل دولة الرفاه التي تدعم العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين؟ وكم سيمضي من الوقت قبل أن يطالب السعوديون أن يتم معاملتهم معاملة الناضجين، وأن تؤخذ آراؤهم في الاعتبار؟

ويمكن سماع همسات من الانتقادات في الرياض، وليس أقلها حول السياسة النفطية التي حطمت السلعة التي توفر 90% من الإيرادات الحكومية. على «تويتر»، الشبكة الاجتماعية التي تعتبر بمثابة البرلمان بالنسبة إلى السعوديين، كان منتقدو النظام يتساءلون هذا الأسبوع كيف يمكن التوفيق بين سياسة خارجية أكثر حزما (وبالتالي أكثر تكلفة) وبين تطبيق التقشف في الداخل. ويظهر الملك «سلمان»، وعلى وجه التحديد نجله وزير الدفاع ونائب ولي العهد «محمد بن سلمان»، المسؤول عن السياسة الاقتصادية وكذلك الدفاع، التزاما تجاه الأمرين معا إلى الآن. بينما تتجه السعودية إلى التقشف، فإن المملكة تقود تحالفا يخوض الحرب في اليمن، وتقوم بتمويل المتمردين في سوريا وترسل المال لدعم نظام عبد الفتاح السيسي في مصر.

الإنفاق العسكري والأمني ​​يشكل ربع ميزانية عام 2016. قبل عشرة أيام من الإعلان عن ذلك، تعهدت الحكومة باستثمار 8 مليارات دولار في مصر وتلبية الاحتياجات النفطية للقاهرة. ومن باب الدعاية، فإن أحدهم قد غرد منتقدا الحكومة بالقول: «السيسي يحصل من حكومتنا على أفضل مما تقدمه للسعوديين».