اقتصاد » ميزانيات

السعودية ولعبة الرهانات الخطرة

في 2016/01/18

هافينغتون بوست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

تعرضت المملكة العربية السعودية لانتقادات عدة بسبب محاولتها الحفاظ على حصتها في سوق النفط في الوقت الذي كانت فيه الأسعار تتجه هبوطا، وأيضا بسبب قيامها بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر» ثم بسبب الحرب في اليمن. تنبع هذه الانتقادات من قراءة غربية، غير سعودية، للعالم. من وجهة نظر الحكومة السعودية وعائلة آل سعود الحاكمة، فإن جميع هذه الإجراءات قد تم اتخاذها بعناية. وبدلا من رفض هذه الإجراءات وفق مقابلة أبيض/أسود صارخة، فإنه ينبغي النظر إليها في سياقها.

من وجهة النظر السعودية، فإن المملكة يتم حصارها بين إيران والقوى الموالية لها. عبر النظر إلى الخريطة من المنظور السعودي، فإن المملكة العربية السعودية تبدو محاطة بمجموعة من الدول راغبة في تدميرها أو على الأقل في تقليص نفوذها. أصبحت العراق واليمن دولا وكيلة لإيران على الحدود الشمالية والجنوبية للمملكة. يعيش الأردن حالة من الضعف، وهو عرضة لاستهداف من قبل المجموعات المتطرفة الجهادية، وهي نفس المجموعات التي تسعى للإطاحة بالحكومة السعودية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن النمو الهائل في تطوير النفط والصخر الزيتي كمصادر بديلة للنفط في العالم تضع الدول المنتجة للنفط التقليدي في موقع دفاعي. قرار المملكة بعدم تغيير إنتاجها هو قرار تجاري محسوب تقوم به الكيانات التجارية في كل يوم.

تتحمل المملكة العربية السعودية تبعات هذا القرار تماما مثل باقي منتجي النفط في العالم لكنها تخوض مقامرة جريئة حول مستقبلها في هذه العملية. في حال ظلت أسعار النفط على انخفاضها لعدة سنوات أخرى، فإن الحكومة سوف تستنفد بالتأكيد جزءا كبيرا من احتياطياتها من النقد الأجنبي، وفي حال فشلت في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط، فإنها قد تجد نفسها في ورطة كبيرة من صنع أيديها. وقد قامت الحكومة بالفعل بتخفيض الدعم على البنزين المحلي، وقد تكون مجبرة بالفعل على الحد من بعض الاستحقاقات المكلفة التي أسبغتها على مواطنيها منذ عقود.

هذا هو الجزء الأخطر من اللعبة التي تلعبها المملكة. لأن الكثير من السعوديين يعتمدون على تلك الاستحقاقات من أجل معيشتهم. ومع وجود نسبة 15% من المواطنين الشيعة في المملكة، يقيم معظمهم في المنطقة الشرقية (حيث تقع غالبية الاحتياطيات والمنشآت النفطية في البلاد) ويميلون بالفعل لمعارضة الحكومة الوهابية، فإن الساحة تبدو ممهدة لارتفاع وتيرة المعارضة السياسية للحكومة داخل المملكة. هذا هو السبب في قيام السلطات بإعدام «نمر النمر»، وهذا ما يفسر أيضا زيادة معدلات القمع داخل المملكة وقيامها بتشديد قبضتها خلال الأشهر الأخيرة.

وبالتالي فإن حكومة المملكة العربية السعودية تشعر أنها محاصرة داخل وخارج حدودها من قبل عوامل من صنع أيديها وأخرى خارجة عن سيطرتها. ومن شأن هذا أن يخبرنا: كم عدد ملكيات الشرق الأوسط التي يمكن أن تتصرف بشكل مختلف حال تعرضت لمثل هذه الظروف؟ الهدف في مثل هذه الحالة يكون هو الحفاظ على الذات، وهي السمة التي تتصرف بها الحكومات من هذا النمط في جميع أنحاء العالم. المراقبون الغربيون قد لا تعجبهم تكتيكات السعوديين، لكنهم يتفهمون بشكل جيد دوافعهم وأهدافهم.

وقد قررت السعودية أن تخوض مقامرة عالية الخطورة. وهي تراهن على أن اختيارها القيام برهانات عالية على كافة الأصعدة بداية من السعي خلف حصتها السوقية في سوق النفط إلى عدم التسامح مع المعارضة الشيعية داخل حدودها والإجراءات الجريئة في اليمن والحروب الوكالة في الجوار سوف تكون كفيلة بدفع قطيع الذئاب بعيدا عن عتبات الخليج. وقد تكون المملكة على حق في ذلك، لأن عددا قليلا من البلدان حول العالم لديها الموارد المالية اللازمة لوضع جميع هذه القطع في اللعب في نفس الوقت ومواصلة الجهود المبذولة لإبقائها.

وبالطبع فإن هذه الخطة سوف تستنزف الكثير من المال. وسوف تظل الحرب في اليمن سؤالا مطروحا لعدة سنوات قادمة وربما تستمر الحروب بالوكالة في دول المنطقة على مدى عدة عقود. وسوف يستمر الشيعة على معارضتهم لآل سعود وسوف تبقى المعركة الجماعية ضد الجهاديين المتطرفين في المنطقة محركا رئيسيا لهذا المشهد.

بيت آل سعود الآن هو طرف في كل ذلك. لذلك، فإن الأمر يعد بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت. وعلى هذا الأساس، فإنه يراهنون أن الجمع بين هذه الرهانات سوف يكفل لهم البقاء لعقود قادمة. هناك فرصة جيدة لأن يكونوا على حق في ذلك.