عبدالحافظ الصاوي- البيت الخليجي-
على الرغم من أن تقرير خبراء صندوق النقد الدولي في يونيو 2019، حمل رؤية متفائلة عن الاقتصاد القطري فيما يتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي، لتكون بحدود 2.6% في عام 2019، مقارنة بـ 2.2% عام 2018، إلا أن التقرير لا يزال يتخوف من اضطرابات سوق النفط، وآثارها السلبية على اقتصاد قطر، نظرًا لاعتماد الاقتصاد بشكل رئيس على الإيرادات النفطية.
ولا تغيب توصية صندوق النقد الدولي بتوجه قطر للاقتراض الخارجي عن كافة التقارير الخاصة بتقويم الأوضاع الاقتصادية، ويشجع خبراء الصندوق قطر على الاقتراض الخارجي، في ضوء ما تمتلكه من موارد من النفط والغاز الطبيعي، تسمح لها بهامش من الحركة في هذا المضمار.
ولم تكن قطر بمعزل عن باقي أخواتها من الدول الخليجية، حيث اتجهت بعد أزمة انهيار النفط في السوق العالمي في 2014 إلى الاستدانة لتمويل عجز الموازنة، والذي بدا جليًا في عام 2015، وأضيف لعبء انهيار أسعار النفط، دخول قطر كعضو في تحالف الخليج في حرب اليمن خلال مارس 2015، كما ازداد الأمر تعقيدًا بفرض بعض الدول الخليجية ومصر حصارًا على قطر في يونيو 2017.
تضاعف الدين العام
يوضح تقرير الآفاق الاقتصادية لدولة قطر (2018 – 2020) الصادر عن جهاز التخطيط والإحصاء، أن الدين العام قفز من 57.5 مليار دولار في عام 2015 إلى 91.6 مليار دولار في نهاية 2018. وبالنظر إلى هيكل الدين العام، نجد أن الدين العام المحلي يمثل الجانب الأكبر من الدين العام القطري إلا أن إصدار الدوحة سندات دولية في مارس 2019 بقيمة 12 مليار دولار، يقفز بالدين العام عما كان عليه الوضع بنهاية 2018، ليصل إلى 103 مليار دولار.
في عام 2015 كان الدين المحلي لقطر قيمته 37.3 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 64.8% من إجمالي الدين العام، بينما في عام 2018 نجد أن قيمة الدين المحلي بلغت 51.4 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 56.4% من إجمالي الدين العام.
السبب في تراجع نسبة الدين المحلي من الدين العام القطري تعود إلى رغبة صانع السياسة النقدية في ارتفاع نسبة السيولة بالسوق القطري لكي لا يكون اقتراض الحكومة مؤثرًا بشكل سلبي على اقتراض القطاع الخاص لمتطلبات الاقتصاد المحلي، فتم التوجه إلى الاقتراض من السوق الدولية، ورفع نسبة الدين الخارجي من إجمالي الدين العام.
أما عن المؤشر المهم، فيما يتعلق بالدين العام، وهو نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، فنجد أن الدين العام في عام 2015 بلغت نسبته للناتج المحلي الإجمالي بنحو 34.4%، حيث كانت قيمة الناتج 167.7 مليار دولار، إلا أن بيانات عام 2018 تظهر ارتفاعًا في نسبة الدين العام للناتج، حيث بلغت هذه النسبة 52.1%، حيث بلغ الناتج في عام 2018 نحو 175.8 مليار دولار.
وإن كانت نسبة الدين للناتج قد شهدت ارتفاعًا بنحو 17.7% بين عامي 2015 و2018، إلا أنها تظل في الحدود الآمنة المتعارف عليها، وهي أقل من سقف نسبة 60%. ولكن قراءة الواقع القطري، تعكس حجم الأزمة التي تعيشها البلاد من تزاحم التحديات التي تحيط بها، ففي الوقت الذي تشهد فيه أسواق النفط تحسنًا في الأسعار عما كانت عليه الأوضاع في عام 2015، إلا أن التحديات الأمنية الإقليمية تفرض نفسها على قطر، وتجبرها على زيادة الإنفاق على التسليح ومتطلبات الدفاع والأمن، وبخاصة في ظل حالة الجمود التي تمر بها أزمتها مع دول الحصار.
لم تكن تكلفة حصار دول الخليج ومصر على قطر قاصرة على زيادة الإنفاق على الدفاع والأمن فقط، ولكنها تعدت إلى التكاليف غير المباشرة، حيث سعت قطر إلى جذب حلفائها لها على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما هو الحال مع تركيا وروسيا وفرنسا والمانيا وأمريكا، حيث تم التوصل إلى اتفاقيات تجارية واستثمارية، توجب على قطر ضخ مليارات الدولارات سنويًا، وهو ما يعني تدبير تمويل قد يتجاوز الإيرادات النفطية، ويساعد على زيادة الدين العام.
ومن جانب أخر، يفرض تحدي إقامة مونديال كاس العالم لكرة القدم، نفسه على صانع السياسة المالية والاقتصادية لاستكمال البنية الأساسية لتنظيم هذه المسابقة، التي شهدت محاولات من الدول المنافسة لإفشال قطر، وإظهارها بالدولة العاجزة أو القاصرة عن تنظيم هذه البطولة العالمية.
مخاوف محتملة
يؤكد تقرير صندوق النقد الدولي في يونيو 2019، على تحقيق فائض لدى الميزانية العامة لقطر في 2018 بنحو 2.3%، ويتوقع أن يزيد الفائض في عامي 2019 و2020 على التوالي بنسب 3% و3.4%. إلا أن ثمة مخاوف محتملة حول الاستقرار المالي لقطر خلال الفترة القادمة للأسباب الآتية:
أولاً: الأوضاع غير المستقرة على الصعيد الإقليمي، والتي تنذر باندلاع حرب في أي وقت، تجعل المورد الوحيد والرئيس للإيرادات القطرية معرضًا للتأثير السلبي بشكل كبير، وبخاصة أن منابع النفط في الخليج أصبحت مستهدفة بنسبة كبيرة، على الرغم من أن قطر تحاول البعد عن الدخول في هذه الدائرة، بتحسين علاقاتها مع إيران، وخروجها من تحالف الخليج للحرب في اليمن.
ولعل ما نشر من تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب في يوليو 2019 أثناء زيارة أمير قطر لأمريكا، توضح الالتزامات القطرية تجاه توفير متطلبات الدفاع والأمن، حيث صرح ترامب بأن قطر أنفقت نحو 8 مليارات دولار على توسعة القاعدة العسكرية الأمريكية لديها.
ثانياً: حالة الارتباك وعدم الطمأنينة التي تسود الاقتصاد العالمي، بسبب تصاعد الحرب التجارية، تلقي بظلالها السلبية على النمو والطلب العالمي، وهو ما يعني تراجع الطلب على الغاز والنفط، وتأثر الإيرادات النفطية القطرية بشكل كبير.
ثالثاً: ثمة مخاوف كبيرة تُنتَظَر من احتمالات حدوث أزمة مالية عالمية في 2020، وهي بلا شك ستنال من أسواق المال، وكذلك تلقي بظلالها السلبية على الاقتصاد العالمي ككل، والمعلوم أن قطر لديها صندوقها السيادي الذي تقدر أصوله الرأسمالية بنحو 350 مليار دولار، وهي بلا شك موزعة على مجالات مختلفة، إلا أن غالبيتها في القطاعات الريعية والخدمية، وهو ما يعني في حالة وقوع هذه الأزمة أن تتأثر قطر سلبيًا، وتصاب ثروتها المالية في مقتل، مما يجعلها تتوسع في الاستدانة خلال الفترة القادمة.
تساؤلات مشروعة
في ظل غياب وجود برلمان في قطر، وكذلك عدم شفافية الأوضاع المالية، يصبح من الطبيعي أن يُطرح سؤالًا، حول كيف تدار ملفات التمويل في قطر؟ وبخاصة في ظل وجود صندوق سيادي تقدر أصوله الرأسمالية بنحو 350 مليار دولار. فضلًا عن التدفقات المالية لإيرادات النفط بشكل دائم.
أموال الصندوق السيادي متراكمة منذ سنوات، ومن الطبيعي أن يكون بعضها حقق أرباحًا والبعض حقق خسائر، ولكن بشكل عام ما هو محصل عمل هذا الصندوق؟ هل عجزت عوائده عن توفير التمويل اللازم للاقتصاد القطري حتى لا يضطر للاقتراض؟ أم أن تكلفة استثمارات الصندوق تحقق عائدًا أفضل من سعر الفائدة على الاقتراض، ولذلك لجأت قطر للاقتراض؟
من حق المواطن القطري أن يحاط علمًا بهذه الأمور حتى مع كونه من أعلى أصحاب “متوسط الدخل” على مستوى العالم بنحو 85 ألف دولار في العام.