إنسايدر أرابيا -
لدى سلطنة عمان المعتمدة بشدة على النفط والغاز هدف طموح؛ يتمثل في توفير 30% من الطلب على الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. بينما لديها إمكانات قوية لطاقة الرياح وأحد أفضل مواقع الإشعاع الشمسي في العالم، فإن قدرة السلطنة على تحقيق هدف الطاقة المتجددة يعتمد على المدى الذي ستذهب إليه في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى الابتعاد عن الهيدروكربونات.
تعتمد سلطنة عمان بشدة على صادرات المواد الهيدروكربونية، ولكن مع إمكانات الطاقة المتجددة الهائلة، فإنها تتخذ ببطء خطوات نحو استدامة وتنويع اقتصادها طاقتها. وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الشركة العمانية لشراء الطاقة والمياه، وهي المزود الرئيسي للكهرباء والمياه في البلاد، عن خطة المملكة الطموحة لتغطية 30% من احتياجاتها من الكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
المصادر التي تهدف إلى تطويرها هي طاقة النفايات والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. من المتوقع أن يأتي ما يصل إلى 21% من الـ30% المستهدفة من الطاقة الشمسية، وتخطط الشركة العمانية للوصول إلى 16% من إجمالي توليدها للطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2025.
طموحات الطاقة الشمسية
ويتوقع أن تصبح الطاقة الشمسية في السلطنة أرخص، حيث تهدف إلى تطوير قطاع الطاقة الشمسية الوليد وتغطية جزء كبير من الطلب المحلي على الكهرباء بالطاقة الشمسية، مع توفير الآلاف من فرص العمل من خلال بناء إنتاج محلي من الألواح الشمسية وإطارات الألومنيوم.
وفي إطار تحقيق هذه الأهداف، تحاول السلطنة تدريب القوى العاملة المحلية على قطاع الطاقة المتجددة وزيادة عمليات نقل التكنولوجيا من الشركات الأجنبية ذات الخبرة. في عام 2018، بدأت الشركة العمانية لشراء الطاقة والمياه في طلب مناقصات من المستثمرين الأجانب لتطوير العديد من مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة، وتخزين كهرباء الطاقة الشمسية والديزل في البلاد، كما تخطط لإضافة 4 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
على أمل بناء قدرتها على الطاقة المتجددة ليس فقط من أعلى إلى أسفل، ولكن أيضًا من أسفل إلى أعلى، فإن هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في هذه الدولة الخليجية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة - وهي هيئة تنظيم الكهرباء في عُمان - تشجع بناء أسطح من الألواح الشمسية لأصحاب المنازل والسماح لهم ببيع الكهرباء الزائدة إلى الشبكة المركزية. على الرغم من أن مصادر الطاقة المتجددة لا تزال تشكل جزءًا صغيرًا من إجمالي مزيج الطاقة في سلطنة عمان (0.5%)، إلا أن النسبة المئوية تنمو ببطء.
ارتفعت قدرة الطاقة المتجددة المثبتة من 1 ميجاوات في عام 2014 إلى 8 ميجاوات في عام 2018، وفي عصر انخفاض تكاليف تكنولوجيات الطاقة المتجددة، أي الألواح الكهروضوئية الشمسية وتوربينات الرياح، أصبح تبني عمان للطاقة الشمسية وطاقة الرياح أمرًا رائعًا ومناسبًا في وقته كما هو ضروري.
احتياجات طاقة عالية
من المتوقع أن يرتفع الطلب العماني على الطاقة في العقود المقبلة. يجبر الطلب المحلي القوي هذه الأمة، إلى جانب البلدان الغنية بالنفط الأخرى في الخليج، على استيراد الغاز الطبيعي. ودون الاستفادة من إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة، ستكون ملزمة باستيراد المزيد من طاقتها من الخارج وكذلك ستفشل في تقليل انبعاثاتها، حيث وقعت سلطنة عمان اتفاقية باريس المناخية البارزة في أبريل/ نيسان 2019.
كشفت دراسة أجرتها هيئة تنظيم الكهرباء العمانية عام 2008 أن 50% من المنازل التي تبلغ مساحة أسطحها 215 قدمًا مربعًا ستكون قادرة على تزويد نفسها بالطاقة الشمسية. وأظهرت الدراسة أيضا أن 0.1% من مساحة الصحراء في البلاد يمكن أن تستخدم لإنتاج 2800 ميجاوات من الطاقة الشمسية.
الرياح مصدر آخر واعد لسلطنة عمان، فوفقًا للدراسة نفسها، يمكن لـ 375 من توربينات الرياح توليد ما لا يقل عن 750 ميجاوات من الطاقة. لكن تحقيق الإمكانات المتجددة كان بطيئًا، ومن المحتمل أن يتعطل التقدم دون إجراء إصلاحات جريئة في قطاع الطاقة.
وأجبر انهيار أسعار النفط وبيئة السعر المنخفض المطولة منذ عام 2014 السلطات العمانية على إعادة التفكير في نموذجها الاقتصادي الذي كان يعتمد بشدة على النفط.
على غرار دول الخليج الأخرى، قدمت سلطنة عُمان تقليديًا دعمًا سخيًا للوقود لسكانها، لكن ذلك واجه ضغوطًا متزايدة في ظل بيئة أسعار النفط المنخفضة وعجز الميزانية المتزايد على مدى السنوات الخمس الماضية. واجهت عمان ضغوطًا اقتصادية لتخفيض دعمها للوقود والإنفاق منذ عام 2016 من أجل تخفيف ارتفاع أسعار الفائدة والديون، وذلك أكثر من الدول الغنية بالنفط الأخرى في المنطقة.
سياسة طاقة متناقضة
ومع كونها أكبر منتج للنفط في الشرق الأوسط خارج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، فقد جعلت عُمان تنويع الاقتصاد والطاقة جزءًا أساسيًا من خطتها الخمسية في عام 2016. ركزت خطة التنويع إلى حد كبير على تطوير صناعات الأسمدة والبتروكيماويات ومحطات تحلية المياه، وتوليد الكهرباء. ولكن نظرًا لأن صادرات النفط والغاز تظل مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي للسلطنة، فإنها لا تزال تخطط لزيادة مستويات إنتاجها في السنوات الخمس المقبلة. إلا أن سياسة الطاقة المجزأة والمتناقضة هذه تجعل من الصعب إصلاح قطاع الطاقة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة في سلطنة عمان.
في الوقت الحالي، تدخل مصادر الطاقة المتجددة إلى موطئ قدم صناعة النفط والغاز الراسخة في البلاد، والتي لا تزال تهيمن على الاقتصاد. لا يزال النفط والغاز هما مفتاح توليد الكهرباء وتحلية المياه واستخلاص النفط المعزز، وهي طريقة باهظة الثمن وصعبة لزيادة إنتاج النفط في الاحتياطيات القديمة. لا يزال الغاز الطبيعي يغطي حوالي 97% من توليد الطاقة في المملكة. وبالطبع، هناك مصلحة ذاتية لقطاع المحروقات في ذلك للحفاظ على حصته في السوق.
إجراءات جريئة ضرورية
بما أن الحكومة تعتبر على نحو متزايد مصادر الطاقة المتجددة جزءًا مهمًا من المحرك الاقتصادي غير النفطي للبلاد، فإنه يتعين عليها إجراء تغييرات جريئة كي تنمو.
تحتاج عُمان إلى تنفيذ سياسات وحوافز اقتصادية قوية لدعم مصادر الطاقة المتجددة وخلق ظروف مواتية للاستثمار الأجنبي في هذا القطاع. تتضمن هذه الحوافز - على سبيل المثال لا الحصر - الضرائب المنخفضة أو الائتمانات الضريبية، والتعرفة حسب التغذية (مثل العقود طويلة الأجل والأسعار المرتبطة بتكلفة إنتاج الطاقة المتجددة)، والإعانات الاستثمارية (أي عندما تسترد الحكومة جزء من تكلفة تركيب تكنولوجيا الطاقة المتجددة). ومع المزيد من التخفيضات القوية في دعم الكهرباء التي تهدف إلى مواءمة أسعار الكهرباء مع تكلفة الإنتاج، يمكن للحكومة تحسين القدرة التنافسية لموارد الطاقة المتجددة في السوق بشكل كبير وتقديم حوافز لاستخدام أكثر كفاءة للكهرباء.
أثار الربيع العربي في عام 2011 احتجاجات في عُمان ركزت على القضايا الاقتصادية، مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة والفساد. وفي حين أن استجابة الحكومة على المتظاهرين كانت سلمية في معظمها، كما تعهد السلطان "قابوس بن سعيد آل سعيد" بمزيد من الوظائف وظروف اقتصادية أفضل، فإن انخفاض إنتاج النفط الخام في سلطنة عمان وإيراداته سيجبر السلطات في نهاية المطاف على وضع االاقتصاد الناشئ القائم على النفط، في اعتبارهم.
وإجمالا فإنه لدى عمان الآن فرصة لتنفيذ إصلاحات حقيقية للحد من اعتماد البلاد على الهيدروكربونات وتحقيق أهداف الاستدامة من خلال تحرير قطاع الطاقة واعتماد خطة شاملة للطاقة تخلق ظروفًا اقتصادية مواتية لتنمية الطاقة المتجددة.