طه العاني - الخليج أونلاين-
تسعى دول مجلس التعاون الخليجي، منذ سنوات عديدة، لتشجيع مواطنيها على العمل في القطاع الخاص بدلاً من الحكومي، حيث اتخذت عديداً من الإجراءات التشجيعية والحوافز الترغيبية، لكن حلم الوظيفة الحكومية ما زال يطارد شباب الخليج.
ويشير تقرير صادر عن "البيت الخليجي للدراسة والنشر"، إلى أن دول الخليج تتجه إلى تقليص التوظيف في القطاع الحكومي ورفع الدعم عن معظم الخدمات مع اعتماد الضرائب؛ في حالة من التخلي عن السياسات الريعية السابقة دون إيجاد عقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
عوامل مؤثرة
ويبيّن التقرير أن حكومات الخليج فشلت في هذا من ناحيتين، فلا هي تمكنت من توفير فرص عمل في الحكومة -اتجهت لخيار إحالة الموظفين للتقاعد المبكر- كما أخفقت في تحسين بيئة العمل بالقطاع الخاص الذي ما زال يعاني تدني الأجور مقارنة بالقطاع الحكومي، حيث يصل التفاوت بين القطاعين إلى نحو 200% كمتوسط لصالح الوظائف الحكومية، حسب تقرير لصندوق النقد الدولي.
ويضيف التقرير عوامل أخرى، منها مخاوف التسريح وضعف النقابات العمالية أو غيابها، واعتماد القطاع الخاص على عمالة رخيصة غير ماهرة، في ظروف غير إنسانية وبأجور منخفضة تجعل قبول المواطن لها أمراً صعباً.
وتنقل صحيفة "الراية" القطرية عن خبراء ورجال أعمال، قولهم إن هناك 6 أسباب وراء عزوف الشباب عن العمل بالقطاع الخاص وتفضيله القطاع الحكومي؛ شملت الثقافة السائدة حول الاستقرار الوظيفي في القطاع الحكومي وعدم توافّره بالقطاع الخاص، وارتفاع الرواتب، وتوافر امتيازات وظيفية أكبر في القطاع الحكومي بالمقارنة بالقطاع الخاص، والاعتقاد بعدم مصداقية الفرص الوظيفية المطروحة بالقطاع الخاص، فضلاً عن الاعتقاد بأن العمل بالقطاع الخاص يفتقد الحماية الوظيفية ضدّ تعسّف الرؤساء في العمل بما يمنعهم من الترقي وتولي الوظائف القياديّة.
معالجة الظاهرة
ويقول الخبير في تطوير الأعمال عبد الرحمن عمر، إن ظاهرة العزوف عن العمل في القطاع الخاص وتفضيل التوظيف الحكومي في بعض دول الخليج أمر معتاد في كثير من الدول، ومنها دول الخليج العربي.
وفي حديثه مع "الخليج أونلاين"، يعزو عُمَر ذلك إلى أسباب عدة، حيث معظم فرص التوظيف الحكومي لا تتطلب شهادات أو شروطاً مرتفعة، إضافة إلى ضمان رواتب مستقرة ثابتة وتأمينات، وكذلك التطور والتقدم في الدرجات الوظيفية، مشيراً إلى أن الضغوط الإدارية والمتابعات في القطاع الحكومي أخف من القطاع الخاص.
ولفت عمر إلى أنه في الزمن الحالي بدأت الأفكار التقليدية تتغير وفق تطور المجتمعات وأساليب الحياة العامة، لكن مع ذلك ما زالت نظرة المجتمعات العربية إلى التوظيف الحكومي على أنه أفضل من القطاع الخاص.
وحول دور دول الخليج في تشجيع المواطنين على العمل بالقطاع الخاص، يرى أنه يعود إلى طبيعة جاذبية الوظيفة مثل تعليم أفكار جديدة وأنظمة مختلفة ومتطورة عن القطاعات الحكومية، حيث بعض الأعمال في الشركات الخاصة كالعلامات والشركات التجارية الكبيرة، تكون مرغوبة من قبل الشباب.
ويؤكد عمر أن دور الدول يكمن في مساعدة أصحاب العمل الخاص من خلال الاستثمار وغرس الأفكار الجاذبة، لتخفيض البطالة بشكل عام، وتخفيف الضغط على القطاعات الحكومية.
ويختتم بالإشارة إلى أن الدول العربية، خاصةً الخليجية، تحتاج إلى تشجيع المجتمع والعاملين على التوجه إلى القطاع الخاص، من خلال أساليب عديدة، كتوفير الميزات الوظيفية والدعم الحكومي وغيرهما، وبذلك تكون هناك فائدة متبادلة بين القطاعين الحكومي والخاص.
رفاهية العمل الحكومي
وفي تقرير نشرته "إيكونومست" أشارت فيه إلى أن رفاهية العمل الحكومي تعيق المساعي الحكومية نحو إقناع رعاياها "المدللين" وحثّهم على العمل لصالح الشركات المملوكة للقطاع الخاص.
ويشير تقرير "إيكونومست" إلى أنه في عام 2019، كان 78% من الإماراتيين العاملين يشغلون وظائف القطاع العام، رغم أنّ تلك الوظائف لم تُمثّل سوى 10% فقط من إجمالي الوظائف في البلاد، فيما كان 8% فقط من المواطنين يعملون بشركات القطاع الخاص، منوهة إلى أن تلك الأرقام لم تتغير على مرّ السنوات، ففي عام 2008، كانت نسبة الإماراتيين العاملين في مؤسسات الدولة تصل إلى 80%.
وترى "إيكونومست" أن تلك الأرقام منطقية، إذ تدفع الحكومات أجوراً أفضل عادةً، كما يتمتع الموظفون الحكوميون بجداول عمل أكثر سهولة– سبع ساعات في اليوم بالقطاع العام في الإمارات، مقارنةً بثماني ساعات للشركات الخاصة- فضلاً عن المزايا الأفضل.
ولا يختلف الأمر كثيراً في الكويت بحسب "إيكونومست"، فمنذ عام 2005، تراجعت حصة موظفي القطاع العام بين الكويتيين بنسبة 9% فقط، لتصل إلى 82%. فيما كانت الأرقام تتحرّك في الاتجاه المعاكس على مدار السنوات الخمس الماضية، إذ تراجعت وظائف القطاع الخاص، بنسبة 3% بين عامي 2015 و2020، في حين تضخّمت الوظائف المدنية بالقطاع العام بنسبة 22% ليصل الإجمالي إلى 338 ألف موظف.
مبادرات تحفيزية
وأطلقت حكومات دول الخليج مبادرات متنوعة لتحفيز الشباب وتشجيعهم على خوض غمار العمل الخاص، لكن تلك المحاولات لم يحالفها النجاح المطلوب تماماً.
حيث بدأت المملكة العربية السعودية مؤخراً منح القطاع الخاص دوراً أكبر في خطة تطوير الاقتصاد الوطني؛ عبر عدد من المبادرات والحِزم التحفيزية الرامية إلى تسريع عجلة التحول الاقتصادي وخلق الوظائف يما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
وتخطط المملكة للقفز باستثماراتها بواقع 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار)، خلال السنوات الخمس المقبلة، سيضخها صندوق الاستثمارات العامة في شرايين القطاع الخاص السعودي حتى عام 2030.
وسيتم أيضاً ضخ 4 تريليونات ريال (1.7 تريليون دولار) تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، ليكون مجموع الاستثمارات التي ستضخ في الاقتصاد الوطني 12 تريليون ريال (3.20 تريليونات دولار) حتى عام 2030.
وتستهدف المملكة من هذه الخطوات توفير مئات الآلاف من الوظائف الجديدة، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وصولاً إلى تحقيق الهدف المتمثل في رفع مساهمة هذا القطاع إلى 65% بحلول 2030.
كما ذكر المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات، في 12 سبتمبر 2021، على حسابه الرسمي بموقع تويتر، أن الدولة ستخصص 24 مليار درهم (6.53 مليار دولار)، لخلق 75 ألف وظيفة في القطاع الخاص للمواطنين على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ونقل المكتب عن وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي، محمد بن عبد الله القرقاوي، أنه جرى "وضع برنامج حكومي اتحادي متكامل باسم (نافس)، يتكون من 13 مشروعاً لدعم القطاع الخاص لاستيعاب هذه الأعداد".
وفي الكويت قرر مجلس الوزراء الكويتي، في 30 سبتمبر 2021، تكليف الهيئة العامة للقوى العاملة بإيجاد برنامج ووضع خطة واضحة قابلة للتنفيذ يتم من خلالهما توظيف 100 ألف مواطن ومواطنة في القطاع الخاص خلال 4 سنوات.
وأفادت صحيفة "القبس" الكويتية، بأنه سيجري وضع برامج تشجع توظيف الكويتيين في القطاع الخاص بدلاً من القطاع العام، مع تسويق فوائد ومزايا البرنامج في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وتهدف الخطة إلى تقليل ضغط بند الرواتب الذي يلتهم 60% تقريباً من ميزانية الدولة.
وفي دولة قطر أصدرت الحكومة توجيهات للقطاع الخاص؛ للمساهمة بشكل أكبر، في التوظيف من خلال رفع نسبة القطريين في الوظائف، لاستيعاب الباحثين عن عمل من الخريجين الجدد.
وأشارت صحيفة "لوسيل" القطرية إلى أن الحكومة وفرت امتيازات لوظائف القطاع الخاص كالسكن الحكومي وتأمين التقاعد وغيرهما كسهولة الترقيات، من شأنها استقطاب الموظفين القطريين وجعله مصدر جذب للكفاءات الوطنية.
وفي مملكة البحرين قام صندوق العمل "تمكين"، منذ تأسيسه في عام 2006، بضخ ما يقرب من 830 مليون دينار بحريني (2.2 مليار دولار)؛ من أجل تطوير القطاع الخاص، وتحقيق أهداف المملكة في جعل القطاع الخاص هو المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني وجعل المواطن البحريني هو الخيار الأول في سوق العمل.
وتتمثل مبادرات "تمكين" الرئيسة لدعم القطاع الخاص، في عدة مبادرات تأتي ضمن كل من برنامج دعم الأفراد، وبرنامج دعم المؤسسات بشقيه المتمثلين في تطوير الأعمال ودعم التدريب والأجور.
وفي مايو 2021، أعلنت حكومة سلطنة عمان دعم أجور الداخلين الجدد لسوق العمل في القطاع الخاص، بما مقداره 200 ريال على أن يتحمل صاحب العمل فرق الراتب المتفق عليه لـ15000 فرصة عمل؛ ولمدة سنتين.
وفي ضوء المعطيات، يرى تقرير "إيكونومست" أن الوظائف الخاصة يجب أن تكون أكثر جاذبية من الوظائف الحكومية المُريحة، وربما تجد الحكومات أن أفضل ما يمكنها فعله هو دفع موظفيها إلى العمل أكثر مقابل أجرٍ أقل، وستكون هذه بالتأكيد هي أرخص الطرق لتقليص فجوة الأجور.