اقتصاد » دراسات

6 أسباب تضمن نمو القطاع العقاري في دبي

في 2024/12/10

صباح نعوش - البيت الخليجي 

ازدادت الاستثمارات العقارية في دبي في الفترة الأخيرة نتيجة عوامل عديدة في مقدمتها البنية التحتية المتطورة والاهتمام الحكومي المتواصل. أضف إلى ذلك النظام الضريبي والتمويل المصرفي والوضع السياحي. ورغم ازدهار هذه الاستثمارات ترتفع أسعار بيع وإيجار العقارات السكنية والتجارية والصناعية. يشير هذا الأمر إلى تصاعد الطلب الذي سيستمر في المستقبل القريب.

 ارتفع عدد السياح في دبي من 4.6 مليون شخص في الربع الأول من 2023 إلى 5.2 مليون شخص في الربع الأول من 2024. كما زاد العدد الكلي لمبيتهم من 10.9 مليون ليلة إلى 11.2 مليون ليلة. وبذلك أصبحت الفنادق تسجل نسبة عالية جداً من التشغيل.

يمثل الأوربيون والخليجيون والأمريكيون حوالي نصف عدد السياح ومن بينهم فئة كبيرة من رجال الأعمال، أي أولئك الذين لديهم قدرة شرائية عالية.

يترتب على هذا الوضع السياحي تزايد الاستثمارات خاصة في الفنادق ذات الأربع والخمس نجوم التي باتت تشكل ثلثي عدد الفنادق في إمارة دبي. وهكذا، ارتفع عدد الغرف في فنادق دبي ليصل إلى 152 ألف غرفة أي أكثر من عدد غرف فنادق لندن.

كما تزايد عدد الشركات المسجلة في الإمارة، ففي النصف الأول من 2024 تم تسجيل 24 ألف شركة جديدة. ارتفع إذن الطلب على المكاتب التجارية فتصاعدت استثماراتها وأسعارها.

ويزداد سكان الإمارة بمعدل سنوي قدره مئة ألف شخص. يتطلب هذا العامل استثمارات جديدة في العقارات السكنية التي ارتفعت أسعارها كذلك.

وهكذا أُدرجت دبي في قائمة تضم ثلاثين مدينة الأكثر نشاطاً في الميدان العقاري في العالم.

التمويل المصرفي

تقدم دبي قروضاً لشراء العقارات المخصصة للسكن والأنشطة التجارية والصناعية. وتشمل القروض أيضاً مراحل التطوير والصيانة.

تتولى هذه العمليات المصارف بموجب عقود تتناول المبالغ المقترضة وأسعار الفائدة المترتبة عليها وكيفية السداد.

ففي العقارات التي تقل قيمتها عن خمسة ملايين درهم يمكن أن يصل المبلغ المقترض إلى 85% من قيمة العقار إذا كان المقترض إماراتياً و80% منها إذا كان أجنبياً. أما العقارات التي تزيد على خمسة ملايين درهم فأن الحد الأقصى لتمويلها 70% إذا كان المقترض إماراتياً و65% إذا كان أجنبياً.

وتعتمد أسعار الفائدة على عدة عوامل وتختلف حسب المؤسسات المصرفية وحسب مبلغ القرض. وتنقسم إلى قسمين: ثابتة ومتغيرة. الأسعار الثابتة هي التي لا تتغير طيلة مدة القرض وتتراوح بين 2% و4%. أما الأسعار المتغيرة فهي التي ترتفع أو تنخفض طيلة هذه المدة حسب مؤشر ايبور.

وتجدر الإشارة إلى أن المصارف الإسلامية لا تعتمد على أسعار الفائدة (الربا) بل على نظام المرابحة. وبموجبه يقوم المصرف بشراء العقار لبيعه للمستفيد بسعر يتفق عليه مسبقا. والفرق بين السعرين يمثل أرباح المصرف. ويسدد المشتري سعر الشراء بأقساط شهرية.

وكما هو معلوم تسهم القروض مساهمة فاعلة في تنمية القطاع العقاري لكنها تُمنح وفق ضوابط محددة بدقة. وفيما يلي هذه الضوابط التي تعتمد عليها جميع مصارف الإمارة.

يتعين أن يتراوح عمر المقترض بين 21 و70 سنة. شريطة أن يتم دفع القسط الأخير قبل بلوغ السن الأعلى. ويمكن أن تصل مدة القرض إلى 25 سنة.

ويُشترط ألا يقل الراتب الشهري عن 10 آلاف درهم إذا كان المقترض إماراتياً أو 15 ألف درهم إذا كان أجنبياً. أما رجل الأعمال فيتعين إلا تقل مبيعاته السنوية عن مليوني درهم للمواطن أو ثلاثة ملايين درهم للأجنبي.

ومن زاوية أخرى جرت العادة لدى المصارف على تحديد نسبة لا تتجاوز 25% من الدخل لسداد الدين.

تتمخض عن ارتفاع أسعار العقارات في دبي والربط بين المؤشرات أعلاه النتيجة التالية: تملك الغالبية العظمى من المواطنين عقاراً للسكن. ولا يقتصر هذا الأمر على دبي، بل يشمل جميع الإمارات: 91% من المواطنين يملكون عقاراً للسكن. في حين لا يمكن لغالبية العمال الأجانب المقيمين الاستفادة من التمويل المصرفي لذلك يتعذر عليهم شراء العقارات.

غسيل الأموال

ظهرت تقارير تؤكد على أن عدداً من عمليات شراء العقارات في دبي يجري بأموال غير نظيفة ناجمة عن تهرب ضريبي أو فساد مالي أو تجارة غير قانونية. وبالمقابل هنالك اتجاه دولي آخر يشيد بالجهود التي تبذلها الإمارات بما فيها دبي في سبيل التصدي لغسيل الأموال.

في مارس 2024 قررت المفوضية الأوروبية حذف الإمارات من “القائمة الرمادية” التي تضم الدول العالية المخاطر في ميدان غسيل الأموال لكن البرلمان الأوروبي رفض هذا الحذف في تصويت له جرى في أبريل 2024. بررت المفوضية موقفها بتلك الجهود في حين يرى البرلمان تصاعد عمليات غسيل الأموال في الآونة الأخيرة، وما دام البرلمان يرفض الحذف تبقى الإمارات ضمن هذه القائمة.

والواقع أن الموقفين مبنيان على دوافع سياسية ومصالح اقتصادية. حذفت المفوضية الإمارات من القائمة نتيجة الضغوط التي مارستها الدول الأعضاء التي لديها مصالح مهمة مع دبي وأبو ظبي، في حين يستند البرلمان في رفضه إلى وجود أشخاص روس وإيرانيين خاضعين لعقوبات دولية اشتروا عقارات في الإمارات.

من الناحية القانونية غسيل الأموال جريمة حسب المادة الثانية من القانون رقم 20 لسنة 2018. وينص هذا القانون على عقوبات شديدة توقع على من يرتكبها (المواد 22 و23 و24 و25). لكن هنالك عوامل تساعد على غسيل الأموال عن طريق العقارات.

تعتبر الاستثمارات العقارية في دبي من أهم الأنشطة الاقتصادية، وبالنتيجة، هنالك مجالات واسعة لتبييض الأموال. يسمح القانون في دبي للأجانب بشراء العقارات دون شرط الإقامة، بل يمكن للأجنبي الحصول على الإقامة بسبب امتلاكه للعقار. وتمنح الملكية العقارية للأجنبي حق الإقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد لكن يُشترط ألا تقل قيمة العقار عن مليوني درهم.

والعامل الأخر والأهم يتعلق بإمكانية شراء العقارات بجميع الطرق المالية التي لا تقتصر على المرور بالمصارف (الشيك أو الإيداع المصرفي) بل تشمل أيضاً الدفع نقداً، وهي أفضل طريقة لتبييض الأموال.

شراء العقارات نقداً مفضل في دبي لأنه يقود إلى الإسراع في إنجاز الإجراءات الإدارية كما أنه يقدم مزايا للبائع والمشتري. للبائع لأن النقد يلغي احتمال فشل الدفع المصرفي لسبب أو لآخر وللمشتري الذي يحصل على تخفيض السعر مقابل الميزة المتحققة للبائع.

مؤشرات مستقبلية

تمثل الاستثمارات الأجنبية في القطاع العقاري بدبي أهمية كبيرة. لذلك، يفترض للوهلة الأولى أن تنخفض نظراً للحالة الاقتصادية المتردية والأوضاع السياسية المتدهورة على الصعيد العالمي. لكن هذه الاستثمارات شهدت في دبي ازدهاراً غير مسبوق خاصة في 2023 و2024. في حين تمر الاستثمارات العقارية الأوروبية بركود واضح. كما استمرت الحرب الروسية على أوكرانيا وتزايد خطرها، بل تزامن هذا الازدهار مع تفاقم التوترات العسكرية في المنطقة نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان واحتمال امتدادها إلى مناطق أخرى.

وعلى هذا الأساس، إن استمرار هذه الحالة الاقتصادية والسياسية سوف لن يقود إلى تراجع الاستثمارات العقارية في دبي على الأقل في المستقبل القريب.

المؤشرات الستة التالية تدل على أن التصرفات العقارية ستشهد تقدماً في السنوات القادمة.

المؤشر الأول: التنوع الاقتصادي. دبي ليست كباقي المناطق في الخليج حيث إنها تعتمد على قطاعات خدمية عديدة كالسياحة التي تتطلب استثمارات عقارية متواصلة وكبيرة.

المؤشر الثاني: تطور البنية التحتية. طرق ومطارات وموانئ راقية. وكذلك الاهتمام المتزايد بالتكنولوجيا الذكية والاستثمارات الكبرى: برج خور دبي ودبي كريك هاربور ومدينة محمد بن راشد وجزيرة بلو واترز.

المؤشر الثالث: هبوط أسعار الفائدة. تتجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الصناعية الأخرى إلى تخفيض أسعار الفائدة. الأمر الذي يقود إلى هبوط كلفة القروض فتزداد الاستثمارات العقارية في المستقبل.

المؤشر الرابع: مالية الإمارة. حتى عام 2022 كانت ميزانية دبي تعاني من عجز مزمن وارتفاع هائل للمديونية الداخلية والخارجية ثم أصبحت تحقق فائضاً بلغ 11.5 مليار درهم في 2024. ويتوقع أن يصل إلى 15.1 مليار درهم في 2025.

تعتمد ميزانية دبي اعتماداً أساسياً على الرسوم والضرائب التي بلغت حصيلتها 71.6 مليار درهم في 2024 أي 79% من إيرادات الإمارة في حين لا تحقق العوائد النفطية سوى 3.8 مليار درهم أي 4% فقط من إيراداتها.

وبسبب التحسن المالي تصبح ثقة المستثمرين العقاريين عالية بالسياسة الاقتصادية للإمارة وسوف لن يكون من الضروري زيادة الضرائب خاصة على الأنشطة العقارية المزدهرة. ستكتفي الحكومة إذن بالنظام المعمول به حالياً الذي يتسم بعبئه الضعيف مقارنة بالبلدان الصناعية والنامية على حد سواء.

المؤشر الخامس: ارتفاع عائد الاستثمار. وهو من أهم العوامل المؤثرة على اتخاذ قرار الاستثمار.

يُعبر عنه بالنسبة المئوية وينقسم إلى قسمين: عائد رأس المال والعائد الايجاري. وهذه نظرة سريعة على القسم الثاني الذي يُستخلص من المعادلة التالية:

(الإيجار السنوي – المصاريف السنوية كالصيانة والرسوم) ÷ سعر شراء العقار × 100 = العائد الايجاري %.

في دبي يختلف هذا العائد حسب طبيعة العقار وموقعه. وبكيفية عامة يتراوح في العقارات السكنية بين 5% و9%. فيكون المعدل 7%. ويرتفع في العقارات التجارية.

أجرينا مقارنة مع بعض المدن الأوروبية فتبين بأن معدل العائد الايجاري 5% في لشبونة ومدريد و4% في برلين وبروكسل و3% في لندن وباريس. بمعنى أن المعدل في دبي أعلى من هذه العواصم.

المؤشر السادس: الخطة العقارية. يتأثر القطاع العقاري بالخطة المعتمدة لدى حكومة دبي والتي تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية بحلول عام 2033.

الهدف الأول مضاعفة نسبة القيمة المضافة العقارية البالغة حالياً 7% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة.

الهدف الثاني رفع قيمة التصرفات العقارية من 634 مليار درهم في 2023 إلى ترليون درهم في 2033.

الهدف الثالث زيادة نسبة تملك المنازل السكنية إلى 33% من سكان الإمارة.

من النواحي التجارية والسياحية والضريبية والمصرفية لا توجد حالياً عقبات أمام القطاع العقاري في دبي. كما تدل المؤشرات على استمرار هذا الوضع في المستقبل القريب. لذلك ستواصل الاستثمارات العقارية ارتفاعها وستزداد أهمية هذا القطاع في اقتصاد الإمارة.