د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد- الامارات اليوم-
التنافس في تقديم الخدمات للناس أمر حميد في شِرعة الإسلام، لاسيما في أمر معاش الناس، الذي يهمهم، ويؤرقهم جمعه وإنفاقه، فخير الناس أنفعهم للناس، والمصارف وشركات التمويل والتجارة الإسلامية والتأمين التعاوني؛ أسست على هذا الأساس، سواء كان نفعاً للمؤسسين والمستثمرين أصحاب رؤوس الأموال، أو المستهلكين، فهما الطرفان الأساسان في معادلة هذه المؤسسات.
فكل منهم يريد أن ينتفع؛ ذلك بكسب مشروع يبتعد فيه عن محاربة الله واستغلال ضعف الأخوة الإنسانية، وهذا بقضاء حاجته بوجه شرعي مرضٍ، من غير استغلال لحاجته.
• لما حقق الاقتصاد الإسلامي نجاحاً باهراً في وقت وجيز مقارنة بالاقتصاد الوضعي، تنافس فيه المتنافسون، حتى تطاولت إليه أعناق غير المسلمين فسعوا لتبنِّيه، وهذا أمر حسن جداً.
وقد قامت هذه المؤسسات على أساس واحد وهو التشريع الإسلامي، فليس المصدر الأول، كما قد يكون في بعض الدساتير أو القوانين، بل المصدر الوحيد، الذي وضع هذا الأساس نخبة من علماء الشريعة الفقهاء والاقتصاديين والمحاسبين، أما الإداريون فهم تنفيذيون أو مساعدون ومساهمون لتطبيق المنتجات التي يضعها أولئك الفقهاء ومن ذكر معهم، ولما حقق هذا الاقتصاد نجاحاً باهراً في وقت وجيز مقارنة بالاقتصاد الوضعي، تنافس فيه المتنافسون، حتى تطاولت إليه أعناق غير المسلمين فسعوا لتبنِّيه، وهذا أمر حسن جداً. إلا أن التنافس ذلك كان لهدف واحد وهو تحقيق الظفر الكبير للطرف الأول، أما الطرف الثاني، وهو جزء المعادلة الثاني، فخرج تماماً، فلم يعد يُحسب له أي حساب. فهو غير ممثل في مجلس إدارة ولا جمعية عمومية، ولا تحميه قوانين الإنشاء ولا حتى حماية المستهلك، فهو يفر بدينه إلى هذا الاقتصاد ويتحمل عبء ذلك تكاليف باهظة، ولعله يسمع على غِرَّة أن هذه المعاملة عليها ملاحظات شرعية، فيعض أصابع الندم أن تحمّل العبء المادي الكبير، ولم يسلم من شبهة الحرام وشائبته.
وحيث إن هذا المستهلك ـ الطرف الثاني في المعادلة ـ لم يجد من يحميه؛ فإنه يضع كل تعويله على من أنشأ هذه المنتجات ولوائحها، وهي الهيئة الشرعية.والواقع أن هذه الهيئات هي المسؤولة عن حمايته إن لم تستطع نفعه، فهو لم يأتِ إلى هذا البنك إلا لأنه يراه في عين الهيئة الشرعية، فإذا تخلت عن مهامها معه كانت قد قصرت في واجبها، وواجبها يكون أولاً بصحة المنتج الذي لا تكون معه شبهة، وثانياً بعدم استغلال حاجته بزيادة الأرباح، وثالثاً بحسن التعامل معه إذا هو أعسر، لأن ذلك هو شأن التجارة، الذي يقوم البنك أو الشركة على أساسه، ولا يوجد تاجر في الدنيا لا يخاطر، أو لا يغرم أحياناً كثيرة، بينما البنوك لا تعرف ذلك في قاموس تعاملها، اللهم إلا ما يأتيها من غير إرادتها، وذلك نادر، ولكنه قد يكون مؤلماً.
ولما كان حال هذا الاقتصاد هو نسيان الطرف الثاني من المعادلة، وكانت نتائجه الربحية وفيرة كثيرة، أصبح صناعة مغرية، وهذا شيء طيب رائع؛ لأنه يحقق نجاحاً لرسالة الإسلام العامة، إلا أن الواجب أن يتكامل نجاحها عدلاً إن لم يكن جانب الإحسان أصلاً.