من بين أبرز القرارات الملكية التي صدرت بتاريخ 7 آيار (مايو) من العام الجاري، إنشاء هيئة عامة للترفيه برئاسة أحمد عقيل الخطيب، لتتولى مهمة تطوير نشاط الترفيه في المملكة العربية السعودية، وتحويله إلى صناعة تسهم بفاعلية واحترافية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
ويُعد قرار إنشاء الهيئة أحد أهم القرارات الملكية، باعتباره ينسجم تماماً مع إعلان المملكة لرؤيتها المستقبلية 2030، لما يمثله قطاع الترفيه من أهميّة كبرى في تنمية الاقتصاد الوطني، وتوجه الحكومة نحو تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وتشجيع المستثمرين من داخل وخارج المملكة، وعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون وغيرها.
ويعول على إنشاء هذه الهيئة النهوض بنشاط الترفيه في المملكة وتحويله إلى صناعة تسهم مساهمة ملحوظة في تنويع القاعدتين الاقتصادية والصناعية للمملكة، لاسيما وأنه يتوقع للهيئة أن تنمي نشاط الترفيه في المملكة بمختلف أنواعه، ليشمل ذلك إنشاء نواد للهواة وتخصيص أراض لإقامة المتاحف والمسارح، ودعم الموهوبين من الكُتاب والمخرجين والفنانين، إضافة إلى تخصيص مساحات كبيرة على الشواطئ للمشروعات السياحية.
ويتوقع لنشاط الترفيه في المملكة أن يحقق موارد اقتصادية ودخولا مالية كبيرة للمملكة، باعتبار أن نشاط الترفيه بجميع دول العالم، يمثل مورداً اقتصادياً مهماً للغاية، حيث على سبيل المثال، يعتبر الأوروبيون والأميركيون أكثر الشعوب إنفاقاً على الترفيه على مستوى العالم، مما حدا بأميركا إلى تحويل نشاط الترفيه إلى صناعة تُشغِّل أكثر من ثلاثة ملايين شخص وتنفق 60 بليون دولار سنوياً، إذ ينفق المواطنون الأميركيون على ألعاب الكمبيوتر فقط قرابة 7 بلايين دولار سنوياً، وتبيع أميركا ما يزيد عن 225 مليون جهاز. أما على المستوى العربي، فتشير المعلومات إلى أن حجم سوق الترفيه والتسلية يقدر بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، وهذا الرقم مرشح للزيادة بسبب تعطش المواطن العربي للترفيه والتسلية التي لا تنعارض مع عاداتنا وتقاليدنا العربية المحافظة.
باعتقادي أن سوق الترفيه في المملكة سيكون سوقاً واعداً ورائجاً بكافة المعايير والمقاييس وسيحقق للمملكة مداخيل مالية كبيرة للغاية، بل سيكون سوق الترفيه في المملكة من بين أنجح أسواق الترفيه على مستوى العالم، وبالذات لو أخذنا بعين الاعتبار القوة الاستهلاكية الكبيرة في المملكة والإنفاق على السياحة الكبير الذي يقدر بنحو 70 مليار ريال سنوياً، والتي ينفق معظمها خارج البلاد، بسبب تعطش الشعب السعودي للترفيه والتسلية التي لا تتعارض بطبيعة الحال مع عاداتنا وتقاليدنا وثوابتنا وقيمنا الإسلامية، وتعمل على جمع افراد الأسرة في مكانٍ وتحت سقفٍ واحد، لاسيما وأن أنشطة الترفيه في المملكة ولفترة طويلة من الوقت اختزلت وللأسف الشديد في التوسع في إنشاء المطاعم والمولات والأسواق التجارية بشكل لافت للنظر، مما ضاعف من فرص الانفاق الاستهلاكي غير المجدي اقتصادياً على حساب الانفاق المغذي للفكر كالمسارح ودور السينما وأنشطة الترفيه الأخرى، كالمتاحف ونوادي الهواة وغيرها.
باعتقادي أيضاً أن اختيار أحمد عقيل الخطيب رئيساً للهيئة، يُعد اختياراً موفقاً للغاية، لاسيما حين النظر إلى الخلفية العلمية والعملية للخطيب التي جمعت بين الادارة والاستثمار، والتي تتسق تماماً مع الهدف الذي تم من أجله إنشاء الهيئة، بتحويل نشاط الترفيه في بلادنا والأنشطة المتفرعة عنه إلى نشاط صناعي ذي طابع استثماري.
أخلص للقول، إن قرار إنشاء هيئة عامة للترفيه في المملكة، جاء مواتياً ويتسق تماماً مع رؤية المملكة 2030، باعتباره إلى جانب كونه سيخلق جواً وبيئة من الفرح والسرور في المملكة لأفراد المجتمع بما يناسب عاداتنا وتقاليدنا، إلا أنه سيتحقق عنه توسيع القاعدتين الاقتصادية والصناعية للمملكة، لا سيما وأنه يتوقع لنشاطي الترفيه والثقافة أن يضاعفا من مساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 2.9% إلى 6%، مما سيجعل من نشاط الترفيه أحد مصادر الدخل الرئيسة للدولة.
طلعت بن زكي حافظ- الرياض السعودية-