لا يزال ملف التعمين يلقي بظلاله الوارفة على مشهد التنمية في السلطنة، ونقول: ظلاله؛ لأن الخير فيه كثير، والمساحة الآمنة فيه ممتدة لكلا الطرفين؛ الوطن والمواطن، ولأنه كذلك يظل يستحوذ على هذا الاهتمام المتميز من قبل الجميع، أفرادا، ومعنيين، لأنه في النهاية لا بد أن يصل إلى مستوى المطلق في تحققه وتحقيقه، وعلى مرور أيام عمره لن يقبل أن يبقى على نسبية التحقق، وإن كانت هذه النسبية لا بد أن تظل حتى مع أكثر الدول عراقة في التنمية، وهي التي قطعت أشواطا كبيرة بحكم العمر التنموي الممتد منذ مئات السنين، وليس فقط عشرات، كما هو الحال في تجربة التنمية في السلطنة التي تقتطع اليوم (46) عاما من عمرها الخصب.
تقلقنا الأرقام التي تصدر من الجهات المعنية، ونراها على قدر كبير من الأهمية، ولا بد أن تستوقفنا جميعا أفرادا ومؤسسات في كل مرة، لأنها تعكس محددات مهمة في مسيرة التنمية في السلطنة، ولأنها تمس جوانب عميقة في نقاط التماس مع أبناء الوطن، سواء من حيث توجيه مسارات العمل فيها، أو من حيث إيجاد منافذ لخلخلة الصيغة الديموغرافية لأصالة المجتمع، وقيمه وعاداته، وقس على ذلك كل ما من شأنه أن يحدث حالة تماس في أي صورة من صور هذا التماس.
تستوقفنا هذه الأرقام لأنها تعكس واقعا مغايرا لما نريد، ولأنه تؤسس واقعا آخرا لما نريد، ولأنها تكلف أبناء المجتمع ثمنا آخر لما هو متحمله في الأساس، هذا الثمن يدفعه الفرد في المجتمع من كثير من أرصدته ومدخراته: الاجتماعية، والتاريخية، والمادية، والقيمية، وإن كان هذا الأمر مفروغا منه في مساحة العولمة التي ألغت كل الحدود المادية والمعنوية، الجغرافية والاجتماعية، حيث تحول الجميع من الحدود المادية الملموسة؛ والمقدور على إدارتها بصورة أو بأخرى، إلى حدود متماهية ترفرف بأجنحتها في الفضاء الواسع الفسيح الذي ما إن تبدأه من المشرق، حتى تجد نفسك في المغرب، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.
تستوقفنا الأرقام ليس فقط لصفاقتها وتجريديتها، ولكن أيضا لعدم تزحزحها عن مستوياتها العليا، وليست الدنيا، وكأن كل الجهود التي تبذل للتقليل من حديتها لم تربك مشهد عوامل بقائها واستمراريتها، فعلى سبيل المثال تبين آخر إحصائية صادرة عن المركز الوطني للإحصاء بالنسبة لعدد سكان السلطنة، والصادرة في الأول من مايو توضح الأرقام التالية: (4.428.946) نسمة عدد سكان السلطنة حتى يوم السبت 30 أبريل 2016م، يمثل الوافدون ما نسبته (45.5%) من عدد السكان، مشيرة في الوقت نفسه أن الوافدين يتجاوزن حاجز 2 مليون نسمة حتى 11/4/ 2016م، مؤكدة في الوقت نفسه أن (8.1%) نسبة ارتفاع أعداد العمالة الوافدة إلى السلطنة في عام 2015م، مقارنة بعام 2014م، بينما يبلغ عدد العاملين العمانيين في القطاع الخاص، والمحدثة بياناتهم حتى نهاية مارس 2016م (209.608) فقط.، بينما في قائمة انتظار الوظيفة من الشباب العمانيين تصل إلى عشرات الآلاف، وكثير منهم مؤهلون تأهيلا جامعيا.
الحديث هنا لا يتجه إلى المحاصصة الوظيفية، وإنما يذهب بعيدا إلى أحقية هذا المواطن أن يجد الفرص الوظيفية كاستحقاق مفروغ منه، وهذا فهم لا يفترض أن يكون فيه قرار رسمي، مع أهمية وجوده، وإنما استشعار بأهمية المواطنة، وخاصة من قبل رجال الأعمال الذي يمتلكون الشركات الكبيرة، ولها عوائد مادية عالية من خلال استثماراتها المختلفة، وإن كان القرار الرسمي يستلزم وجوده مع المستثمر الوافد، فما نراه في المؤسسات الطبية الخاصة، على سبيل المثال، لا يعكس أن هناك قرارا رسميا يلزم أصحاب هذه المؤسسات باستقطاب القوى العاملة الوطنية في مختلف أقسامها وإداراتها، والمسألة ليست معجزة حتى لا تصل إلى تحقيق ذلك.
أحمد بن سالم الفلاحي- عمان اليوم-