تحث الحكومة السعودية المزيد من مواطنيها نحو البحث عن وظائف في القطاع الخاص في ظل جهود إعادة هيكلة الاقتصاد المعتمد على النفط، حيث يعمل حوالي 70% من السعوديين حاليا في القطاع العام، وهو المستوى الذي أصبح من الصعب الحفاظ على توفير التمويل له في المملكة التي تتعرض لضغوط بسبب انخفاض أسعار النفط.
ويكمن محور الحزمة السعودية الجديدة من الإصلاحات الاقتصادية، والمعروفة باسم برنامج التحول الوطني، في تغيير تلك النسبة. وللقيام بذلك، تخطط الرياض لتقليص حجم الخدمة المدنية، وتقليل كمية الأموال التي تنفق على الرواتب، وهي جزء من جهود أوسع لخفض التكاليف وخفض دور الدولة في اقتصاد البلاد.
على مدى عقود، عرض القطاع العام على السعوديين صفقة من الصعب تركها وتتضمن رواتب عالية لوظائف محترمة وتسهيلات للحياة، وهو ما يفسر لماذا يعمل ثلث السعوديين العاملين لدى الحكومة.
ولكن منذ أن دخلت أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم حالة من الركود امتدت لمدة عامين بسبب أسعار النفط، فإن الحكومة السعودية تتعرض لضغوط للحد من عدد من الناس التي تدفع مرتباتهم عن طريق تشجيعهم للعمل في القطاع الخاص بدلا من الحكومة. وهذا هو المحور الرئيسي للخطة الخمسية الجديدة التي تمت صياغتها تحت إشراف، نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان».
ويساهم القطاع الخاص حاليا بحوالي 40.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد شكل النفط نحو 70% من الإيرادات الحكومية في العام الماضي.
كما أن تقليل كمية المال الذي تنفقه الحكومة على الأجور إلى 40% من الميزانية بحلول عام 2020 من 45% اليوم هي واحدة من أهداف البرنامج إضافة إلى خفض حجم الخدمة المدنية بنسبة 20%.
وقال «خالد الأعرج» وزير الخدمة المدنية للصحفيين يوم الثلاثاء إن الحكومة تخطط لإبطاء التوظيف وعرض الباقات الجديدة للتقاعد المبكر. ومن المتوقع أن تكلف الخطة الخمسية حوالي 270 مليار ريال (72 مليار دولار) ويقع جزء كبير في تقليل مخاوف البيروقراطية المتضخمة في البلاد، مع التركيز على الخصخصة خلال خطة التحول.
ويهدف البرنامج إلى خلق بعض 450 ألف وظيفة في القطاع الخاص بحلول عام 2020. وسيتم ضمان أن العديد من تلك الوظائف سوف تذهب إلى السعوديين.
وفي حين كشفت الحكومة عن نيتها في توسيع القطاع الخاص على نطاق واسع، فإنها لم تقدم تفاصيل بشأن الكيفية التي ستحقق أهدافها عبرها. وأضاف «جون سفاكياناكيس»، وهو المستشار الاقتصادي السابق للحكومة السعودية والباحث المقيم في الرياض في مركز الخليج للأبحاث «إن مدار الأمر يتعلق بإشراك القطاع الخاص؛ لن يتم تحقيق أهدافهم دون ذلك». «إن الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة هي لماذا ينبغي إشراك القطاع الخاص؟ وكيف؟ ما هي اقتراحات الاستثمار».
في بلد كانت الوظائف الحكومية هي الخيار المفضل للعمل، فإن التحول في العقلية اللازمة لتعزيز الرغبة لدى القوى العاملة للعمل في القطاع الخاص يمثل واحدا من أصعب التحديات التي تواجه المملكة.
«هل عدد المتقدمين بطلبات للوظائف الحكومية متزايد؟ نعم فعلا. والسبب حسب ما قال السيد الأعرج، أن الجميع يتطلع إلى القطاع الحكومي بسبب الأمن الوظيفي المرتفع للغاية».
وقد وجدت دراسة حديثة نشرتها جامعة الملك سعود في الرياض أن 80% من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع في العاصمة سوف ينتظرون العمل في وظيفة حكومية بدلا عن العمل في القطاع الخاص. وذكر هؤلاء أن كون العمل الحكومي أكثر استرخاء مع إجازات طويلة وأيام عمل قصيرة هي بين أهم الأسباب التي أوردوها لترجيحهم.
وتتطلع الحكومة إلى القطاع الخاص للقيام بدور أكبر في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والسياحة. وقال مسؤولون في الأشهر الأخيرة أن هناك خططا لإعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في المستشفيات والمدارس لتقديم أفضل الخدمات وتقليل العبء على الموازنة العامة للدولة.
كما أنها تبحث عن النمو في قطاع السياحة من خلال زيادة عدد الحجاج القادمين إلى البلاد وإقناع المزيد من المواطنين بقضاء إجازاتهم داخل المملكة. وتأمل الحكومة أنه بحلول عام 2020، أن يرغب نصف السعوديين يرغبون في العمل في القطاع الخاص.
ويعد هذا من بين الأهداف المعلنة لـ«محمد بن سلمان»، وهو جزء من خطة اقتصادية على المدى الطويل سميت بالرؤية العربية السعودية لعام 2030.
وفي الوقت نفسه، ومع ما يقرب من ثلثي السكان تحت سن 30 سنة، فإن المملكة مجبرة على تحديد أولويات خلق فرص العمل في إطار سعيها لخفض معدل البطالة من أكثر من 11% حاليا إلى 7% على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وعلى مدى عقود، استخدم النظام الملكي الحاكم أموال النفط لتمويل دولة الرفاهية السخية، ولم يقم بفرض الضرائب عليهم. لكن انخفاض أسعار النفط يختبر العقد الاجتماعي غير المكتوب في المملكة، في الوقت الذي تطلب فيه الحكومة من مواطنيها الاعتماد أكثر على قدراتهم الخاصة لتوليد الثروة.
وقال «فاروق سوسة» كبير الاقتصاديين في سيتي جروب في الشرق الأوسط: «الآن، مع موارد ضيقة بسبب انخفاض أسعار النفط، فقد صار حتمياالابتعاد عن هذا النموذج»، وتوقع أن «الناس يجب أن يقوموا بكسب لقمة العيش في السوق، و أجورهم يجب أن تعكس مساهمتهم في الاقتصاد، وهذا يمثل تحولا جذريا في التفكير».
ومن المتوقع أن يقوم البيروقراطيون بدورهم. حيث يتوقع أن برنامج التحول سيركز بشكل كبير على زيادة المساءلة و مؤشرات الأداء في الإدارات العامة. وتشمل التدابير الأخرى خطط لخفض الإعانات على تكاليف المياه والكهرباء ، في خطوة تقول الحكومة أنها ستوفر مدخرات بقيمة 200 مليار ريال بحلول عام 2020.
كما تخطط الحكومة لزيادة الإيرادات من خلال الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة، وضرائب على التبغ والمشروبات الغازية.
يأتي ذلك في حين يقول مسؤولون سعوديون أن الحكومة لن تفرض ضريبة الدخل، تقول وثيقة خطة التحول أنه قد تم تكليف وزارة المالية بإعداد وتنفيذ ضريبة الدخل الموحدة.
وقال وزير المالية السعودي «إبراهيم العساف» للصحفيين قبل أيام إن الحكومة لن تعرض ضريبة الدخل للمواطنين السعوديين ولكنها تدرس ذلك بالنسبة للوافدين. «لن يكون هناك أي ضريبة على المواطنين. وهناك مبادرة تناقش لفرض الضرائب على المقيمين الأجانب. ولكن لم يتقرر أي شيء حتى الآن».
تتعهد الخطة أيضا بالاستمرار في مساعدة المناطق الأكثر فقرا، على سبيل المثال عن طريق زيادة توافر المساكن بأسعار معقولة ومدعومة.
وول ستريت جورنال- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-