أنتجت الخطط الاقتصادية والاستثمارية في دول الخليج طفرة نوعية بمشاريع البنية التحتية، وحلت قطر في المرتبة الثانية عالمياً -بعد سنغافورة- من بين الدول الأكثر جذباً للاستثمار في المشاريع التنموية والخدمية، فيما حلت الإمارات في المرتبة الثالثة، وفق دراسة بحثية نشرتها مؤسسة "أركاديس للاستشارات".
- برامج التحول الاقتصادي
وتتجه دول الخليج نحو إقامة مشاريع وبرامج اقتصادية ضخمة تعرف بـ"التحول الاقتصادي"، تبدأ في بناء البنية التحتية، خصوصاً مختبرات التقنية والأعمال، والتدريب والتأهيل الفني، والمعاهد والعلوم التطبيقية، والأسواق المتخصصة والجديدة، وإيجاد موارد بشرية قادرة ومؤهلة ومدربة للتعامل مع المعطيات الجديدة، فيما ترى بعض دول المجلس أن البنية التحتية لديها لا تتوافق مع طموحات الخطط المعلنة، أو ربما تحتاج إلى سنوات لتطبيقها على أرض الواقع، منها السعودية.
ووفقاً للدراسة البحثية فقد احتلت قطر مرتبة متقدمة عالمياً؛ نظراً للعدد الكبير من المشاريع الضخمة التي تقوم بتنفيذها في مجال البنية التحتية، منها التي تخص تنظيم نهائيات بطولة كأس العالم في 2022، وذلك لارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي.
وتمثل مشاريع البنية التحتية في دول الخليج حجر الأساس للتنمية في مختلف مجالاتها، وتعد أهم مصدر لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال التي تعزز دور الدولة في تكثيف المشاريع، واستقطاب المزيد من الفرص الاستثمارية والاقتصادية.
- قطر تتصدر رغم التحديات
محمد بن عبد الله الرميحي، وزير البلدية والبيئة القطري، ذكر في وقت سابق من العام الماضي، أن حجم الاستثمارات السنوية على مشاريع البنية التحتية والصناعة والإسكان في قطر بلغ 30 مليار دولار سنوياً منذ 2010، مشيراً إلى أن استراتيجية قطر الرئيسة فيما يتعلق بالمياه والبيئة هي جزء من رؤية قطر الوطنية 2030.
ورغم حلولها في المرتبة الثانية عالمياً في مجال البنية التحتية، إلا أن الرميحي أكد أن هناك تحديات تواجه قطر في مشاريع تتعلق بالتنمية والبيئة والمياه؛ لأن قطر تعتزم أن يصل إنتاجها من المياه إلى 500 مليون غالون يومياً بحلول العام 2019.
وتحظى مشاريع البنية التحتية في قطر باهتمام بالغ، حيث خصصت الحكومة جزءاً كبيراً من ميزانية 2016 للمشاريع الكبرى في مجال البنية التحتية، والصحة، والتعليم، وبلغ حجم مخصصات المشاريع الكبرى في قطر 90.8 مليار ريال في العام المالي 2016، كما تنفذ قطر مشاريع ضخمة في قطاعات الطرق السريعة، والموانئ، والصرف الصحي، والطاقة.
وتحت عنوان "تجسير الفجوة الاستثمارية"، حددت الشركة الفرص المتاحة، ومدى جاذبية الدول لمستثمري القطاع الخاص الباحثين عن تحقيق أرباح من خلال أصول البنية التحتية، فقد حلت قطر والإمارات في مراتب متقدمة في مجال البنية التحتية على مستوى العالم، فيما حلت دول الشمال والمملكة المتحدة صدارة الدول الأوروبية، بحسب الدراسة.
وتعد مشاريع البنية التحتية؛ الطرق، والجسور، وموارد المياه والصرف الصحي، والشبكات الكهربائية، والاتصالات، من أهم المشاريع التي تعزز وتيرة ونمو عمل الاقتصاد، كما تمثل مصطلحاً هاماً للحكم على تنمية الدولة أو المنطقة، كما تسهم في توفر السلع والخدمات الضرورية اللازمة لتمكين أو استدامة أو تحسين ظروف الحياة المجتمعية.
- تمويل
ورغم أنّ حكومة الرياض تموّل حالياً أكثر من 80% من مشاريع البنية التحتية، فيما تمثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص 4% فقط من إجمالي المشاريع، بحسب تقرير المصرف الاستثماري المتخصص في الأسواق الناشئة "أرقام كابيتال"، ينبغي على السعودية تفعيل دور مراكز التدريب والتأهيل، وتطويرها ونشرها في جميع المملكة؛ لتصبح مسؤولة عن تدريب وتأهيل أبناء وبنات الوطن، لتقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، كما يرى الباحث السعودي أحمد الجبير.
وشدد الجبير على أهمية تأهيل قيادات تنفيذية، وتطوير العقلية السعودية، والانتقال من العقلية الاتكالية والاستهلاكية إلى العقلية الإبداعية والإنتاجية والتسويقية، مشيراً إلى أن الاستثمار في الإنسان من أهم الأسباب التي جعلت الهند، وتركيا، وسنغافورة، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، والصين، تنمو اقتصادياً، وتلحق بالدول المتقدمة.
ويضيف أن تلك الدول عملت على تنمية الموارد البشرية لديها؛ من خلال الاستثمار في التدريب، وإنشاء المؤسسات التعليمية والعلمية والمهنية التي تواكب عملية التنمية الاقتصادية، أدى ذلك إلى توفر عمالة متميزة، وإداريين، وموظفين مؤهلين، يقودون المشاريع التنموية في بلادهم.
المدير التنفيذي ورئيس قسم إدارة أصول البنية التحتية في "أرقام كابيتال"، سهيل حاجي، أكد أن السعودية تتخذ خطوات ملموسة نحو زيادة التنويع الاقتصادي، يشمل ذلك خصخصة بعض الأصول المملوكة للدولة، منها المطارات، والمستشفيات، والمرافق التعليمية، والنفطية.
وبلغ الإنفاق الاستثماري للحكومة السعودية منذ العام 2009 حتى 2015 نحو 503.7 مليارات دولار (1 ترليون و899 مليار ريال)، ويرى مراقبون أنه في حال لم تتعافَ أسعار النفط في العام 2017 فمن المتوقع أن تبدأ حالة ركود في المشاريع والمقاولات في السعودية، ستؤدي إلى خروج عدد من المقاولين من السوق؛ بسبب تراجع المشروعات الحكومية.
- نمو متوقع للإمارات
وفي الإمارات توقع تحليل نشرته مجلة بيزنس مونيتور إنترناشيونال (بي إم آي) أن يسجل قطاع البنية التحتية في الإمارات نمواً بنسبة 6.6% في العام الجاري، رغم تراجع أسعار النفط عالمياً، وعزا التقرير معدل ترسية مشاريع البنية التحتية بأنه كان مرتفعاً في العام 2015 بسبب المشاريع التي تنفذها الإمارات.
وتوقع التحليل وقتها أن يصل حجم القطاع إلى 147.96 مليار درهم مع نهاية 2015، وإلى 163.291 مليار درهم عام 2016، أما بالنسبة للعام 2017 فمن المتوقع أن تصل الاستثمارات إلى 182.894 مليار درهم، وإلى 200.442 مليار درهم عام 2019، ثم إلى 231.450 مليار درهم عام 2020.
- تمويل مبتكر
وفي تقرير لها مطلع العام الجاري، ذكرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، أن الحكومات الخليجية ستلجأ إلى تمويل المشاريع بين الاقتراض المباشر أو عبر المؤسسات الحكومية، لذلك لا بد من حلول تمويل مبتكرة؛ مثل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وبحسب الوكالة فإن هبوط أسعار النفط، وتراجع حجم الودائع في البنوك الخليجية، سوف يؤدي إلى تراجع تمويل مشاريع البنية التحتية في دول الخليج، ويقيد حجم التمويل المتوفر لدعم المشاريع الضخمة في المنطقة خلال الأعوام المقبلة، وتوقعت أن يصل حجم الإنفاق الرأسمالي لدول الخليج خلال الأعوام الأربعة المقبلة إلى 480 مليار دولار، يخصص جزء منها للصيانة وبنود أخرى، فيما ترى أن أكثر البلدان استحواذاً للاستثمارات الضخمة ما بين 2016-2019 هي قطر والسعودية والإمارات والكويت، التي تمثل 92% من إجمالي الإنفاق الرأسمالي في المنطقة.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-