ابراهيم محمد -DW عربية-
تبدو دبي في أزمة حادة تدل عليها مؤشرات عدة أبرزها تراجع أسعار العقارات والبورصة. ومن هنا تأتي محاولة الإمارة استعادة جاذبيتها بإغراءات جديدة، غير أن منافسة الأشقاء الحامية وعوامل جيوسياسية وأسباب أخرى لا تساعدها على ذلك.
تبدو إمارة دبي، جنة السياحة والسفر والعقارات والمعارض والخدمات المالية، بنظر الكثيرين في أزمة صعبة. فأسعار العقارات التي تعتبر القطاع الأهم في الإمارة تراجعت بنسب تراوحت بين 5 إلى 10 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية. ومن المتوقع أن يستمر ذلك خلال العام القادم 2019 حسب توقعات العديد من الخبراء. وهناك ركود في حركة السفر. وتسجل بورصتها التي تراجعت هذه السنة بنسبة حوالي 13 بالمائة أسوأ أداء في منطقة الخليج. وتحتل هذه البورصة أهمية إقليمية وعالمية بسبب استثمار الكثير من الأموال العابرة للحدود فيها. وما تزال الكثير من أبراج السكن والمكاتب والمشاريع العقارية الواعدة على الهياكل أو في طور مراحل الإنجاز الأخرى منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت عقارات دبي بقوة عامي 2008 و2009. ولولا مبادرة إمارة أبو ظبي الغنية لإنقاذها بمبلغ 20 مليار دولار لتفادي أزمة الديون لحصل ما لا تحد عقباه من انهيارات وإفلاسات. ومن المشاكل الكبيرة التي تعاني منها دبي وباقي دول الخليج حالياً حركة هجرة متزايدة للكفاءات الأجنبية العامة فيها لأسباب من أبزرها تراجع فرص العمل والدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
تنمية تقوم على الريع العقاري
اعتمد نموذج دبي للتنمية بشكل أساسي على تطوير العقارات والسياحة والسفر والخدمات المالية واللوجستية. ودعم هذا النموذج مطار حديث وميناء جبل علي ومنطقته الحرة إضافة إلى شركة طيران "الإماراتية" التابعة لحكومة دبي. وقد حققت الإمارة الصغيرة خلال العقدين الماضيين طفرة نجاحات تُحسد عليها كمركز للتجارة والسياحة والخدمات في الشرق الأوسط، لاسيما وأنها ليست من الإمارات الغنية بالنفط مقارنة بجيرانها. وتمثل هذا النجاح في تحولها إلى أهم مركز للسفر والسياحة والخدمات المالية واللوجستية في الخليج والشرق الأوسط. وفي هذا الإطار تمكنت من استقطاب عشرات المليارات من مختلف أنحاء العالم للاستثمار في عماراتها وأبراجها الشاهقة ومشاريعها العقارية الواعدة إضافة إلى معارضها وجزرها الاصطناعية الفريدة وسوقها المالية. وساعد على ذلك ارتفاع أسعار النفط وخطط الترويج والتسويق الناجحة التي قامت بها الإمارة بنجاح لافت عبر الخليج والعالم.
مقومات ضعيفة لاستعادة الطفرة
غير أن الأزمة المالية العالمية ضربت سوق العقارات التي تعتمد عليه الإمارة بقوة. كما أن تراجع أسعار النفط منذ عام 2014 أدى إلى تقليص الاستثمارات الخليجية والدولية في مشاريع الإمارة. وأدت الأزمة الخليجية إلى تراجع دور دبي كمركز للتجارة والخدمات المالية الخاصة بدولة قطر ومشاريعها العملاقة وفي مقدمتها مشاريع مونديال 2022. ويعاني مناخ الاستثمار حالياً في دبي من سمعة سيئة متزايدة كأحد مراكز غسيل الأموال غير الشرعية التي ساهمت في نهضة قطاع العقارات على ما يبدو.
وتفيد تقارير صحافية غربية بأن قسماً من هذه الأموال يخص شخصيات وجماعات تنشط في تجارة المخدرات وتجارة السلاح وتمويل الجماعات الجهادية. ولا ننسى أن أهمية دبي كمركز وسيط للتجارة الدولية مع إيران إلى تراجع بسبب الضغوط الأمريكية والسعودية المتزايدة على الإمارة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران. الجدير ذكره أن القسم الأكبر من الواردات الإيرانية يمر عبر دبي من خلال تجارة إعادة التصدير التي بلغ حجمها في عام 2017 لوحده حوالي 20 مليار دولار
إغراءات
تحاول دبي في الوقت الحاضر تجاوز الأوقات العصيبة التي تمر بها من خلال حزمة من الإجراءات والمغريات التي يبدأ تنفيذها مع حلول العام 2019 لجذب الكفاءات والشركات ورجال الأعمال الأجانب.
ومن هذه الإجراءات التي تم اتخاذها أيضاً على مستوى دولة الإمارات من قبل الحكومة المركزية في أبو ظبي منح المستثمرين الأجانب بحلول نهاية العام الحالي 2018 نسبة تملّك في الشركات تصل إلى 100 بالمائة بدلاً من 49 بالمائة. كما تقرر منحهم تأشيرات عمل تصل إلى 10 سنوات بدلاً من تجديدها كل سنة أو سنتين. وتشمل تسهيلات التأشيرة جميع أصحاب الكفاءات الطبية والبحثية والتقنية والإدارية اللازمة لمختلف القطاعات. وتتزامن هذه الإجراءات مع زيادة الإنفاق الحكومي في مشاريع البنية التحتية اللازمة لاستضافة معرض اكسبو 2020 في إمارة دبي.
آفاق ضعيفة في ظل منافسة شديدة
من الصعب الحكم حالياً على مدى نجاح الإجراءات الجديدة الهادفة إلى تعزيز جاذبية دبي مجدداً للتجارة والسفر والاستثمارات الخليجية والأجنبية. غير أن توجه الاستثمارات العالمية إلى أسواق بديلة واستمرار تدني أسعار النفط وتراجع مستوى الدخل والتوترات الجيوسياسية الحادة في منقطة الشرق الأوسط وعوامل أخرى عديدة تدعو إلى الاستنتاج بصعوبة ذلك. ويدعم هذا الاستنتاج حقيقة أن دبي تواجه في الوقت الحالي منافسة قوية وحامية من جيرانها وأشقائها وخاصة في السعودية وقطر. فالنجاح التي حققته دبي يثير لعاب الجيران منذ سنوات، ومع تراجع أسعار النفط يريد الجميع تنويع مصادر الدخل من خلال استنساخ تجربة دبي والإمارات بشكل أو بآخر. فالسعودية التي تتخذ المزيد من خطوات الانفتاح على العالم تعمل على تطوير مشاريع سياحية عملاقة على جزرها في البحر الأحمر وبناء "مشروع نيوم" العصري لاستقطاب السياح والمستثمرين والعلماء من مختلف أنحاء العالم بشروط مغرية. وعلى سبيل المثال يشير تدفق أموال محافظ مالية كبيرة من بورصة دبي إلى البورصة السعودية إلى صعوبة احتفاظ بورصة دبي بمكانتها. ويهدد هذه المكانة أيضا تراجع حركة السياحة والسفر إليها، إضافة إلى الآفاق السلبية للتجارة العالمية مع بدء حروب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة من جهة والصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى من جهة أخرى.