يوئيل غوزانسكي- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي-
في السنوات الأخيرة، قامت العديد من الدول العربية بتسريع البحث والتطوير والتعاون في مجال الفضاء من أجل إنشاء بنية تحتية تكنولوجية علمية مستقلة. وأخذت الإمارات والسعودية زمام المبادرة، حيث تستخدمان مواردهما الاقتصادية الضخمة في مجالات البحوث، للأغراض التجارية، وحتى للأغراض العسكرية.
ولا تزال الدول العربية تعاني من نقص في البنية التحتية العلمية والإنسانية للبحث والتطوير في مجال الفضاء، وهي تسعى لسد هذه الفجوة بسرعة. وفي حين أن الدافع الرئيسي لتلك الجهود يتعلق باعتبارات المكانة والوضع والمنافسة، فإنه يرتبط أيضًا بفهم أن أبحاث الفضاء بمثابة "محرك تكنولوجي" يجذب العديد من الصناعات ومجالات المعرفة. ويرتبط هذا الفهم برغبة الدول العربية في تنويع اقتصاداتها (وفي حالة دول الخليج، تقليل اعتمادها على عائدات النفط ومنتجاتها) وتطوير اقتصادات حديثة.
الإمارات
يعد البرنامج الفضائي الإماراتي هو الأوسع والأكثر طموحًا في العالم العربي. وتهدف دولة الإمارات إلى أن تصبح مركزًا في هذا المجال. وأطلقت الإمارات، التي استثمرت ما يقرب من ستة مليارات دولار في مجال البحث والتطوير في مجال الفضاء، بالفعل عدة أقمار صناعية في الفضاء، تم تطوير بعضها بشكل مستقل، كما تقوم ببناء البنية التحتية وتدريب العلماء عبر فروع الجامعات الدولية التي تعمل داخل حدودها.
وفي عام 2019، نشرت دولة الإمارات "الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030"، والتي تتضمن 21 مشروعًا تشارك فيها 85 منظمة، تحت رعاية وكالة الإمارات للفضاء. من المفترض أن يصل مسبار البحث الجوي غير المأهول (الأمل)، والذي سيتم إطلاقه من اليابان العام المقبل إلى المريخ في عام 2021، تقريبًا في وقت الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لاستقلال الإمارات ومن المقرر إطلاق أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية باستخدام قاذفة روسية في سبتمبر/ أيلول المقبل. وتقوم الإمارات أيضًا بإنشاء "مدينة فضائية" تهدف إلى محاكاة الحياة على المريخ.
وتتعاون الإمارات مع العديد من الشركات الأجنبية في هذا المجال. وفي عام 2018، تم إطلاق القمر الصناعي خليفة سات، من اليابان. ويبث القمر الصور إلى محطة أرضية في دبي لأغراض مختلفة، بما في ذلك التخطيط الحضري والبيئي.
وفي عام 2019، تعمق التعاون القائم بين الإمارات وفيرجن جالاكتيك (التي تمتلك الإمارات حصة فيها) من أجل تعزيز أنشطة السياحة الفضائية من أراضيها. وإلى جانب النشاط البحثي والتجاري، اشترت الإمارات أيضًا قمرين صناعيين متقدمين للأغراض العسكرية من شركات فرنسية مقابل مليار دولار، ومن المقرر أن يتم إطلاق أحدهما إلى الفضاء في يوليو/ تموز الحالي.
المملكة العربية السعودية
تأسست وكالة الفضاء السعودية في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وتم تعيين الأمير "سلطان بن سلمان آل سعود" رئيسا له. وفي عام 1985 كان "سلطان بن سلمان" أول رائد فضاء عربي (وإسلامي) على متن مكوك الفضاء ديسكفري.
وتملك الوكالة المسؤولة عن التنسيق الوطني وتخطيط السياسات في هذا المجال ميزانية تفوق قيمتها مليار دولار سنويا ويتم تنسيق البحث والتطوير المتصلين بالفضاء في المملكة من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالتعاون مع المركز الوطني لتكنولوجيا الاستشعار عن بعد. بالإضافة إلى ذلك، تقوم المملكة العربية السعودية بإنشاء مركز لأبحاث الفضاء بالتعاون مع ناسا وجامعة ستانفورد.
لا تتقدم السعودية في هذا المجال بنفس سرعة جارتها الإمارات. ونتيجة لذلك، قررت الرياض إنشاء بنية تحتية للبحث والتطوير وإنتاج الأقمار الصناعية بمساعدة خارجية. وفي عام 2018، تم إطلاق قمرين صناعيين للمراقبة، هما "Sat 5A" و "Sat 5B" بواسطة صاروخ صيني، وتم الإبلاغ عن اتفاقيات في مجال الفضاء بين المملكة وأوكرانيا وروسيا وكازاخستان.
وتشارك السعودية أيضًا في أبحاث الأقمار الفضائية مع الصين. بالإضافة إلى ذلك، أفيد بأن المملكة دخلت في شراكة مع شركة "ديجيتال جلوب" لتطوير الأقمار الصناعية الصغيرة التي ستوفر تصوراً بدقة عالية، وهي تجري اتصالات مع فرنسا وروسيا فيما يتعلق بشراء الأقمار الصناعية لأغراض عسكرية. ووافقت روسيا على تدريب وإرسال رائد فضاء سعودي إلى محطة الفضاء الدولية.
بلدان أخرى
استفادت الدول العربية منذ فترة طويلة من افتتاح سوق الأقمار الصناعية للاتصالات التجارية واستفادت من امتلاك التكنولوجيا المتقدمة دون وجود بنية تحتية علمية مستقلة لتطويرها. وتأسس شركة "عربسات" تحت رعاية جامعة الدول العربية منذ عام 1976.
وتقوم المنظمة، التي يقع مقرها في الرياض، بشراء وتشغيل أقمار بث الاتصالات، والتي تعمل أيضًا كمنصة للتأثير على الرأي العام في العالم العربي من خلال القنوات الفضائية المملوكة للعرب. وبينما تم إطلاق أول قمر صناعي في عام 1985، فإن أحدث الأقمار الصناعية، "عربسات 6A"، الذي صممته شركة لوكهيد مارتن تم إطلاقه في أبريل/ نيسان 2019.
ويبدو أن كل دولة عربية تريد وضع علمها الوطني في الفضاء هذه الأيام. ففي عام 2018، أطلق الأردن قمرا صناعيا صغيرا من إنتاجها إلى الفضاء، ولاحقا أطلقت قطر قمرا صناعيا ثانيا للاتصالات من إنتاج اليابان تحت اسم "سهيل 2"؛ كما أطلق المغرب قمرًا صناعيًا آخر للمراقبة باسم (محمد السادس ب)، وهم قمر فرنسي الصنع؛ وأنشأت مصر، التي تستخدم الأقمار الصناعية للأغراض العلمية والتجارية والعسكرية، وكالة الفضاء الوطنية الخاصة بها وعمقت تعاونها مع روسيا والصين في مجال الفضاء.
إلى جانب الجهود الوطنية، هناك أيضًا محاولة لتعزيز التعاون الفضائي العربي. ووقعت الإمارات بالفعل اتفاقية تعاون مع البحرين، ومن المرجح أن توقع اتفاقية مماثلة مع السعودية. وتعتبر الإمارات هي أيضًا القوة الدافعة وراء المبادرة المتجددة لإنشاء "مجموعة التعاون الفضائي العربي"، والتي تضم 11 دولة، والتي بدأت في مارس/ آذار الماضي على هامش مؤتمر الفضاء العالمي.
سيكون المشروع الأول الذي تموله الإمارات للمجموعة هو بناء 813 قمر صناعي لمراقبة المناخ. تجدر الإشارة إلى أن المحاولات السابقة للتعاون داخل العالم العربي في هذا المجال قد توقفت بسبب الشكوك المتبادلة والاختلافات السياسية والأولويات المختلفة.
وبدأ القادة العرب في الاستثمار في مجال الفضاء من أجل المساهمة في تقدم بلدانهم وكطريقة سريعة للحصول على المكانة، وهم لا يريدون أن يتخلفوا عن (إسرائيل) وإيران، الأكثر تقدما في هذا المجال.
ولكنهم ركزوا حتى الآن على الحصول على أقمار صناعية من الشركات الأجنبية من أجل إضافة مكانة لبلدانهم وزعمائهم عن طريق زرع أعلامهم الوطنية في الفضاء. ولكن من الواضح بالفعل أنهم بدأوا يشاركون في جهود طويلة الأجل لتطوير بنية تحتية مستقلة بمساعدة من مختلف الدول، بما في ذلك روسيا والصين، والتي هي أكثر استعدادًا لتزويدهم بالتقنيات اللازمة.
ومع ذلك، يأمل البعض في العالم العربي في تقليل اعتمادهم على العناصر الأجنبية وسيمكنهم التقدم في مجال الأقمار الصناعية من إنشاء قنوات اتصال أكثر أمانًا، وسيوفر لهم وجود قمر صناعي للمراقبة تحت سيطرتهم مرونة تشغيلية لا يمكنهم الحصول عليها من الأقمار الصناعية التجارية.
ويمكن لأي بلد تقريبًا شراء منتجات الأقمار الصناعية لأغراض البحث أو الاتصالات أو حتى الاستخدامات العسكرية. ولا تزال الدول العربية تفتقر إلى حد كبير للبنية التحتية العلمية والإنسانية، رغم أنها قيد الإنشاء. ولكن مثل التطور النووي المتسارع في المنطقة، يمكن استخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء بشكل مزدوج، سواء لتلبية الاحتياجات العسكرية أوالمدنية سواء بسواء.