متابعات-
منذ ظهور السلاح النووي بشكل فاعل عام 1945 بدأ سباق تسلح عالمي لاقتنائه بين الدول العظمى في العالم، والتي منعت الدول الأخرى من امتلاكه إلا لأغراض سلمية، لكن بعضها عمل بشكل سري على صنع أسلحة نووية حتى امتلكها، مثل الهند وباكستان، أو ما زال يحاول امتلاكها، مثل المشروع النووي الإيراني الذي يواجه رفضاً دولياً.
ومنذ أواخر عام 2009، أعلنت الإمارات توجهها لبناء مفاعل نووي "سلمي" بهدف إنتاج الكهرباء، رغم المخاطر التي يحملها التوجه نحو امتلاك مثل هذه المفاعلات.
وفي نهاية ديسمبر 2019، أطلقت أبوظبي برنامجها للطاقة النووية بمنح عقد بقيمة 40 مليار دولار لشركة "كونسورتيوم" الكورية الجنوبية لبناء أربعة مفاعلات نووية، وتشغيلها بصورة مشتركة 60 عاماً.
والاثنين (17 فبراير الجاري) أعلنت هيئة الرقابة النووية بالإمارات إصدار رخصة تشغيل مشروع براكة للطاقة النووية للأغراض السلمية، في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، بحسب الوكالة الرسمية "وام".
وبموجب الرخصة، أصبحت شركة نواة للطاقة، مفوضة بتشغيل الوحدة الأولى من أصل 4 وحدات أو محطات من مشروع براكة للطاقة النووية، على مدى 60 عاماً القادمة.
و"نواة للطاقة"، هي مشروع مشترك بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية (حكومية) والشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو)، وستتولى مسؤولية تشغيل محطات الطاقة النووية الأربع في براكة.
وتبنى المفاعلات النووية في منطقة "ظفرة" بالعاصمة أبوظبي، ومع الانتهاء من بناء الوحدات النووية الأربع ستصبح قادرة على إنتاج 5.6 غيغاوات من الكهرباء، من أجل تغطية 25% من استهلاك البلاد لها، حيث أعلن عن جهوزية أولى المفاعلات للتشغيل يوم الثلاثاء (28 يناير 2020).
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه: ما مدى التزام السلطات الإماراتية المتوقع في مشروعها النووي السلمي رغم التحذيرات من مخاطره البيئية، وعدم توجهها لتخصيب اليورانيوم وصناعة أسلحة أو قنابل نووية في منطقة تعج بالتوتر؟
سباق تسلح خطر
وتثير أبوظبي الشكوك في بنائها مثل هذه المشاريع لدورها البارز في التخريب بالمنطقة العربية خصوصاً، وصولاً إلى دول إسلامية شرقاً وغرباً، وهو ما تحدثت عنه صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية قبل شهر (28 ديسمبر 2019) في مقال بعنوان "مفاعل الإمارات النووي قد يؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط".
وحذرت الصحيفة، على لسان عالم نووي بارز، من تكرار الإمارات لكارثة "تشرنوبل" في منطقة الخليج، وهي أكبر كارثة انتشار نووي عالمي حدثت في أوكرانيا التابعة للاتحاد السوفييتي سابقاً عام 1986.
ونقلت الصحيفة عن بول دورفمان، رئيس المجموعة النووية الاستشارية، قوله: إن "مفاعل براكة في الإمارات يفتقر إلى إجراءات الأمان الأساسية، ويمثل خطراً على البيئة، وقد يمثل هدفاً للجماعات الإرهابية، وقد يكون جزءاً من مخطط لإنتاج أسلحة نووية".
وأردف دورفمان: "دوافع بناء هذا المفاعل قد تكون مختفية عن العيان، إنهم يفكرون بصورة جدية في الانتشار النووي"، ولكن الإمارات تؤكد أنها ملتزمة بـ "أعلى مستويات الأمان والسلامة النووين، وبعدم انتشار الأسلحة النووية".
ورغم أن الإمارات قد وقعت على وثيقة تؤكد عنصري السلامة وحظر الانتشار النووي، والامتناع عن التخصيب، وإعادة معالجة الوقود النووي محلياً لاستخدامها بسهولة في أغراض غير سلمية، فإن ذلك غير مضمون، وفق مراقبين، حيث انتهكت عدة اتفاقيات دولية أخرى.
وأضافت الصحيفة أن الإمارات استأجرت هيئة كوريا الجنوبية للكهرباء لبناء مفاعل براكة عام 2009، وسيكون المفاعل أول مفاعل نووي في شبه الجزيرة العربية، وقد أدى إلى تكهنات بأن الإمارات تتأهب لسباق تسلح نووي مع طهران.
وفي عام 2017، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية (مدعومة من إيران) أنها ضربت مفاعل براكة بصاروخ، لكن الإمارات نفت ذلك، وقالت إن "لديها نظاماً للدفاع الجوي للتعامل مع مثل هذه التهديدات".
في المقابل قال دورفمان: إن "إطلاق صورايخ أرض جو لن يكون بالسرعة الكافية اللازمة للتصدي لمثل هذا الهجوم"، خصوصاً أن سبتمبر 2019 شهد هجمات على محطات أرامكو النفطية في الجارة السعودية لكن لم تتمكن الرياض من ردعها، بحسب الصحيفة.
هل مشروع الإمارات آمن؟
الخشية من سباق التسلح في منطقة الخليج العربي بين الإمارات وإيران، وكذلك السعودية الساعية لبناء مفاعلات نووية أيضاً، لا تقل عن الخشية من درجة الأمان المنخفضة التي ستواجه مفاعلات أبوظبي.
ففي تقرير للعالم النووي "دورفمان"، مكون من 24 صفحة، حمل عنوان "الطموح النووي الخليجي.. مفاعلات نووية جديدة في الإمارات" (نُشر في 18 يناير 2020)، لفت إلى أنه "تم العثور على تشققات في جميع المباني الحاضنة للمفاعلات الأربعة أثناء عملية البناء، ما يستلزم تعليق أعمال التشييد للقيام بإجراء الإصلاحات اللازمة".
وأشار إلى أن الشركة الكورية المساهمة في المشروع سبق لها أن عاشت فضيحة مدوية تمثلت في استخدامها أجزاء مزيفة في بناء مفاعلاتها، وكان هناك خلاف سابق بين الشركة ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية بشأن استبدال عمال مختصين في محطة الظفرة بآخرين، دون إعلام مسبق للسلطات الإماراتية.
وبيّن "دورفمان" أن تصميم المفاعل المستخدم في موقع براكة لا يحتوي على مواصفات أمان موجودة في كل المفاعلات النووية بأوروبا، حيث لا يضم مفاعلاً حاضناً إضافياً، أو ما يعرف "بالماسك الأساسي"، الذي يساعد في الحد من إطلاق الإشعاعات في حال وقوع حادث أو هجوم متعمد على المنشأة.
وامتنعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية عن التعليق على تقرير "دورفمان"، لكن الممثل الدائم لأبوظبي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حمد الكعبي، أكّد في بيان يوم صدر التقرير أن بلاده "ملتزمة بشكل كامل بأفضل المعايير الدولية في مجال السلامة والأمن النوويين".
التحذير وصل إلى مستوى دولي، حيث اعتبرت دولة قطر أن محطة براكة تشكل تهديداً خطيراً للاستقرار الإقليمي والبيئة، داعية وكالة الطاقة الذرية الدولية إلى وضع إطار عمل يخص الأمن النووي في منطقة الخليج.
وفي رسالة من وزارة الخارجية القطرية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 20 مارس 2019، قالت: إن "قطر ترى عدم وجود أي تعاون دولي مع دول الجوار، فيما يتعلق بالتخطيط لمواجهة الكوارث وبالصحة والسلامة وحماية البيئة، يمثل تهديداً خطيراً لاستقرار المنطقة وبيئتها".
لكن الكعبي، ممثل الإمارات في المنظمة، سارع إلى نفي وجود مشكلات تتعلق بالسلامة، رغم التقارير التي أوردتها الصحف العالمية والتي تتضمن آراء علماء نوويين، مؤكداً أنها "تلتزم بما تعهدت به فيما يتعلق بأعلى معدلات الأمان النووي والأمن ومنع الانتشار".
كما يزيد من المخاوف أن الشركة الكورية المنفذة للمشروع لم تتمكن من الحصول على أي عقود جديدة مع دول أخرى، حيث يبقى عقدها مع الإمارات الوحيد رغم محاولات حثيثة باءت بالفشل في كل من ليتوانيا وتركيا وفيتنام والمملكة المتحدة.
تغيرات مناخية
وفي ظل التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض، من ارتفاع كبير في درجات الحرارة، تصبح مثل هذه المشاريع أشد خطراً على البيئة، خصوصاً أن جو الإمارات شديد السخونة في الصيف.
وعلق "دورفمان" على ذلك قائلاً: إن "المفاعل سيكون عرضة للتغير المناخي ولدرجات حرارة قصوى قد تؤثر على نظامه الخاص بالتبريد".
من جانبها قالت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ: إن "الأحداث الشديدة في مستوى سطح البحر من المرجح أن تحدث الآن بشكل متكرر، مما يعني أن محطات الطاقة الساحلية، مثل براكة، قد تصبح بلا حماية ضد ارتفاع منسوب مياه البحر، ودخول المد والجزر وتزايد العواصف".
فيما أن ارتفاع متوسط حرارة مياه البحر في الخليج يمكن أن يصعب أيضاً من تبريد المفاعل باستخدام مياه البحر، وتقدر كلفة حادث تشرنوبل الذي وقع عام 1986 بنحو 235 مليار دولار.
وقال المركز الياباني للأبحاث الاقتصادية إن "كلفة مفاعل فوكوشيما بلغت أكثر من 740 مليار دولار"، على الرغم من أن الحكومة اليابانية قدرت الخسائر بنحو 186 مليار دولار.