جورجيو كافيرو - ريسبونسيبل ستيتكرافت – ترجمة الخليج الجديد-
بعد أن أعلنت الإمارات في 13 أغسطس/آب اتفاقية تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، انتشرت التكهنات بشأن الدولة العربية التي ستتبعها بعد ذلك. وبالنظر إلى سياسة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في تعزيز التعاون مع تل أبيب، فضلاً عن ملاحظاته حول الفلسطينيين التي أدلى بها في عام 2018، رأى بعض الخبراء -والإسرائيليين المتفائلين- أن المملكة ليست بعيدة عن الركب.
لكن منذ ذلك الحين، أوضحت شخصيات رفيعة المستوى وبارزة في المملكة أن الرياض لن تفعل ذلك، على الأقل إلى حين قيام دولة فلسطينية، وهو موقف يتوافق مع مبادرة السلام العربية التي أطلقها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير "عبدالله بن عبدالعزيز" قبل 18 عاما.
أثناء وجوده في برلين في 19 أغسطس/آب، أصدر وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" أول تعليق رسمي للرياض بشأن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، وبعد يومين، كتب الأمير "تركي الفيصل"، سفير الرياض السابق في واشنطن ورئيس المخابرات السابق، ما يلي: "أي دولة عربية تفكر في اتباع الإمارات يجب أن تطالب في المقابل بثمن، وأن يكون ثمنا كبيرا... السعودية حددت ثمنا لإبرام السلام بين (إسرائيل) والعرب وهو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، كما نصت عليه مبادرة الملك الراحل عبدالله".
في حين أن الاعتراف السعودي بـ(إسرائيل) يمكن أن يساعد في تعزيز فرص الرئيس "دونالد ترامب" في إعادة انتخابه -وهي نتيجة مرغوبة بشدة من قبل الرياض- فإن بعض المتغيرات المحلية والإقليمية تمنح القيادة السعودية أسبابًا للاعتقاد بأن مثل هذه الخطوة من الآن وحتى نوفمبر/تشرين الثاني ستكون محفوفة بالمخاطر.
في الداخل، لدى السلطات السعودية سبب للخوف من الاحتجاجات الجماهيرية ضد التطبيع. قد يرى العديد من المواطنين السعوديين أن مثل هذه الصفقة هي تخلي عن الفلسطينيين، الذين أثار نضالهم المستمر منذ عقود مشاعر قوية بين العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام.
أجرى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى استطلاعًا للرأي في يونيو/حزيران 2020 بين المواطنين السعوديين وجد أن 9% فقط من مواطني المملكة يعتقدون أنه "يجب التغاضي عن الأشخاص الذين يرغبون في إقامة اتصالات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين. كما وجد الاستطلاع نفسه أن 14% فقط من الشعب السعودي رحبوا بـ"صفقة القرن" التي أعلنها "ترامب".
علاوة على ذلك، كما رأى "بلال صعب" من معهد الشرق الأوسط، يمكن أن تندلع ثورة رجال الدين في ظل هذه الظروف، ولا يُعتقد أن الملك "سلمان" ونجله "محمد" معنيين بتحمل مثل هذه المخاطر، لا سيما خلال هذه الفترة الحساسة التي تظهر فيها آثار الحرب الكارثية في اليمن ووباء "كورونا"، وهبوط أسعار النفط.
يمثل عدد سكان السعودية ثلاثة أضعاف ونصف عدد سكان الإمارات. وبالتالي، في بلد صغير نسبيًا مثل الإمارات العربية المتحدة (والذي يعتبر دولة بوليسية بها أنظمة مراقبة متطورة في كل مكان) من السهل نسبيًا على السلطات الإماراتية أن تحافظ على أي أنشطة تعتبرها الحكومة مصدر تهديد.
هناك اعتبارات إقليمية كذلك. تحدت قوتان مسلمتان في الشرق الأوسط هما تركيا وإيران شرعية عائلة "آل سعود" كزعيم للعالم الإسلامي. مع تبني كل من أنقرة وطهران للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، فإن الصفقة السعودية الإسرائيلية ستعزز حتمًا حججهم بأن العائلة المالكة تابعة لقوى غير مسلمة في الغرب.
بالطبع، هناك ضغوط مضادة، لا سيما من إدارة "ترامب"، والتي يتعين عليها مراعاة حسابات الرياض.
في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، قال مستشار "ترامب" وصهره "جاريد كوشنر" إن إضفاء الطابع الرسمي على علاقات السعودية مع (إسرائيل) أمر حتمي. بعد 3 أيام، حث "كوشنر"، الذي يقال إنه يتمتع بعلاقة وثيقة مع "بن سلمان"، النظام الملكي السعودي علنًا على تطبيع علاقته مع (إسرائيل)، معتبرا أن مثل هذه الخطوة ستضعف يد إيران في الشرق الأوسط وتخدم الفلسطينيين أيضًا.
في 19 أغسطس/آب، صرح "ترامب" بنفسه أنه يعتقد أن المزيد من الدول العربية ستتبع أبوظبي، مع ذكر السعودية بالاسم.
في الواقع، بدأت العلاقات السعودية الإسرائيلية منذ وقت طويل إبان الحرب الباردة عندما كان الجانبان يشتركان في تصور أن الحكومات والحركات القومية العربية المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط تشكل تهديدًا مشتركًا. وطوال القرن الحادي والعشرين، ولا سيما بعد سقوط "صدام حسين" في عام 2003، أدى التهديد الإيراني المتصور إلى تعزيز التنسيق السعودي الإسرائيلي.
وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط "كريس زامبيليس" في عام 2008: "من المفارقات أن (إسرائيل) والسعودية أعداء نظريا. ومع ذلك، يبدو أنهم يتصرفون تضامن تام تقريبا عندما يتعلق الأمر بتقويض ومهاجمة إيران. تشير مواقف الجانبين تجاه العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك، إلى أن العلاقات تمثل ما هو أكثر من توافق ظرفي مؤقت. في الواقع، يشكل تلاقي مصالحهما تحالفًا استراتيجيًا غير معلن يمتد بشكل أعمق مما قد يعترف به أي من الجانبين".
طالما أن كل من الرياض وتل أبيب تنظران إلى إيران على أنها تهديد، فمن المرجح أن تظل تلك الشراكة سارية سواء حدث التطبيع أم لا.
بالنسبة للسعودية، فإن الفائدة الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن تكسبها من العلاقات الرسمية ستكون إرضاء واشنطن. وبالنظر إلى أن السعودية قد فعلت الكثير لإدارة "ترامب" بشأن مجموعة من الملفات في الشرق الأوسط، يبدو من المحتمل أن تحافظ المملكة على علاقة وثيقة للغاية مع البيت الأبيض دون الحاجة إلى توقيع اتفاق مع (إسرائيل).
وبغض النظر عن الشراكة بين الرياض وواشنطن، يمكن أن تستمر جميع مزايا التنسيق مع (إسرائيل)، كما تراها الحكومة السعودية، دون أي اتفاق رسمي يفتح سفارة إسرائيلية في مملكة يحكمها خادم الحرمين الشريفين.
وتشمل هذه الفوائد تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الدبلوماسي في القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل معارضة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني في حال فوز "جو بايدن" في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
في الوقت الحالي على الأقل، ترى السعودية أن الفوائد المحتملة من تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) لن تفوق التكاليف المحلية والإقليمية المحتملة. وبالرغم من عدم ديمقراطية النظام السياسي السعودي، لا يمكن للحكام في الرياض تجاهل الرأي العام داخل المملكة أو في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي فيما يتعلق بالنضال الفلسطيني.