أنتونيو أكيوتو وكريستوفر ليكوك - إنسايد أرابيا - ترجمة الخليج الجديد-
يعد مفاعل "براكة" النووي الذي تم تشغيله حديثًا في الإمارات الأول من نوعه في العالم العربي، ويمثل تطورًا بارزًا في المنطقة بأكملها.
ويمكن لبرنامج أبوظبي النووي أن يؤثر على سوق الطاقة العالمي على المدى الطويل. ولكن من المقلق أنه يمكن أن يوفر فرصًا لهجمات تخريبية ويخلق معضلات للدول المجاورة.
ويمكن أن يؤثر التطوير النووي في الخليج على تصور بقية العالم عن المنطقة، حيث قد يُنظر إليها على أنها مركز محتمل التنمية وللخطر في ذات الوقت.
مشهد الطاقة يتطور
يساهم تطوير التقنيات النووية في تعزيز صورة الإمارات كشريك حديث وموثوق للقوى العالمية، بالرغم من عدم الاستقرار السياسي الذي يميز الشرق الأوسط، وكذلك سلوك القيادة الإماراتية المتورطة في مختلف الصراعات التي ابتليت بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من اليمن إلى ليبيا.
علاوة على ذلك، يعتبر الإنتاج النووي المحلي جزءًا من جهود الإمارات لتنويع الاقتصاد، حيث يعتزم قادة أبوظبي تقليل الاعتماد على الهيدروكربونات كمصدر رئيسي للكهرباء.
ولكن، من غير المرجح أن يخفض البرنامج النووي للإمارات إنتاج الدولة من النفط والغاز على الأقل في المدى القصير.
فبالرغم أن سوق الطاقة عانى بشكل كبير من العواقب الاقتصادية المتعلقة بوباء "كوفيد-19"، إلا أن أبوظبي تتوقع أن يزداد استهلاك النفط والغاز في السنوات المقبلة، لا سيما في شرق آسيا.
وأفادت وكالة الطاقة الدولية أن اعتماد الصين على واردات الطاقة سيرتفع من 70.9% في 2018 إلى 79.5% في 2040، بينما من المتوقع أن تزداد حاجة الهند للطاقة من 77% إلى 90% في نفس الفترة.
خليج نووي؟
ليست محطة "براكة" مجرد اختبار لخطة الإمارات للتحديث، بل هي أيضًا اختبار لإمكانات صناعة الطاقة النووية في منطقة الخليج.
تم تطوير الموقع على يد مجموعة من الشركات بقيادة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وشركة كوريا الجنوبية للطاقة الكهربائية.
ويمكن أن تحذو حذوهما شركات الطاقة الدولية الأخرى ذات الخبرة في مجال الطاقة النووية -معظمها يقع في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا- لزيادة مشاركتها في الإمارات وأماكن أخرى في الخليج.
ولتعزيز مثل هذا الاحتمال، تبنت الإمارات سياسة الشفافية الكاملة، حيث وقعت على اتفاقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الأمان النووي، والتي تطلبت تغيير القانون الإماراتي لوضع الحد الأدنى من معايير الأمان، وهو ما فعلته الإمارات، ليس فقط لجذب الاستثمارات، ولكن أيضًا لمنع اتهامات الانتشار النووي.
لدى شركات الطاقة الكبرى مثل شركة كوريا الجنوبية للطاقة الكهربائية مصلحة كبيرة في إنجاح محطة "براكة"، لعدة أسباب، حيث لا يبرز المشروع القدرات الهندسية للشركة فحسب، بل إن النجاح في المنطقة يمكن أن يقلل التصورات السلبية حول الطاقة النووية التي ترسخها الحوادث سيئة السمعة مثل "تشيرنوبيل" و"فوكوشيما".
لا تزال لدى العديد من الدول في جميع أنحاء العالم مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة عندما يتعلق الأمر بتشغيل المنشآت النووية.
ففي عام 2011، تخلت 4 دول من مجلس التعاون الخليجي عن إعلانها المشترك الصادر في عام 2006 لتطوير برنامج نووي مدني في أعقاب حادثة "فوكوشيما"، وكانت الإمارات والسعودية فقط هما من واصلا خططهما.
لذلك، فإن أي مشكلة تتعلق بموقع "براكة" ستكون مشكلة للصناعة بأكملها. أما إذا نجح، فإن الطاقة النووية في الخليج ستحقق فوزًا كبيرًا للقطاع النووي في جميع أنحاء العالم.
وإذا تمكنت محطة "براكة" من العمل دون مشاكل في منطقة يُنظر إليها على أنها غير مستقرة،فسيثبت ذلك أن مشاريع الطاقة النووية يمكن أن تعمل في أي مكان في المستقبل، وهذا من شأنه أن يساعد الصناعة في منافستها المتزايدة مع صناعة الطاقة المتجددة الآخذة في التوسع.
وتعد الإمارات بالفعل اقتصادًا متنوعًا نسبيًا، حيث جاء 16.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للدولة من عائدات النفط في عام 2018.
ولا تعتمد أبوظبي بشدة على إنتاج الهيدروكربونات مثل دول الخليج الأخرى، فقد شهد العام نفسه، مساهمة النفط بنحو 28.7% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.
والجدير بالذكر أن الرياض تخطط أيضًا لتطوير برنامج نووي لتغطية بعض استهلاك الطاقة المحلي في المملكة.
وتحرص السعودية مثل الإمارات على تقليل استهلاك النفط المحلي لتوفير كميات إضافية من الخام للتصدير. وقد خططت المملكة لبناء 16 مفاعلاً للطاقة النووية في جميع أنحاء المملكة في عام 2011، ويمثل مشروع بهذا الحجم فرصة مهمة للشركات التي تبني وتشغل المحطات النووية.
وبالرغم أن الرياض لا تمتلك حاليا موقعًا نوويًا تشغيليًا، إلا أن طموحاتها النووية تعززت بفضل الكمية الكبيرة من احتياطيات اليورانيوم في تراب المملكة، بالإضافة إلى حقيقة أن كلًا من الصين وشركات الطاقة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، مثل "IP3 International"، أعربت عن اهتمامها بتوسيع التعاون النووي مع السعودية.
تهديدات الأمن الإقليمي
ومع ذلك، تثير الطاقة النووية في الخليج مخاوف متعددة بشأن الانتشار النووي وأمن المواقع.
صحيح أن كلًا من السعودية والإمارات يخططان ويطوران برامج نووية مخصصة للأغراض المدنية فقط، إلا إن السياق الإقليمي يتسم بخوف الرياض وأبوظبي الشديد من كون منافستهما إيران تعمل على امتلاك قدرات عسكرية نووية.
وفي عام 2018، أعلن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، أن الرياض ستتبع طهران "في أقرب وقت ممكن"، في حالة نجاح إيران في تطوير قنبلة نووية.
ومن المقرر أن تقوم شركة "تينكس"، وهي شركة تابعة لشركة "روس آتوم" الروسية المملوكة للدولة، بتوريد حوالي 50% من اليورانيوم المخصب اللازم لتشغيل محطة "براكة".
وهكذا، يمكن القول إن الشراكة الإماراتية الروسية في ملف "براكة" يمكن أن تمهد الطريق أيضًا لموسكو وأبوظبي للتعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية النووية.
وبالرغم من المخاوف، لا يزال من غير المحتمل أن تتطور هذه البرامج النووية المدنية إلى برامج عسكرية بينما تظل كل من السعودية والإمارات تحت المظلة الأمنية الأمريكية، حيث سيؤدي الانتشار النووي إلى إلحاق ضرر كبير بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وهو أمر يحرص "بن سلمان" بشكل خاص على تجنبه.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020؛ يمكن أن يشكل خطر الانتشار والتطلعات الإقليمية المتزايدة لكل من روسيا والصين دوافع رئيسية تقنع صناع القرار الأمريكيين بعدم تقليص التزامات واشنطن الدفاعية تجاه الرياض وأبوظبي.
ويتمثل القلق الأمني الرئيسي في تعرض المنشآت النووية في الخليج لهجمات من جهات غير حكومية، على غرار تلك التي تعرضت لها البنية التحتية للطاقة في السعودية بشكل متكرر عبر الصواريخ والطائرات المسيرة.
كما أن الإمارات معرضة لخطر هجمات الحوثيين، ففي عام 2017، زعم الحوثيون أنهم شنوا هجومًا صاروخيًا استهدف "براكة" نفسها.
وهناك مخاوف إضافية فيما يتعلق باحتمال قيام جماعات مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" بمحاولة التسلل وتخريب المنشآت النووية الجديدة في الخليج.
وبالرغم أن فرص نجاح مهمة التسلل منخفضة للغاية مقارنة بمحاولات التخريب، إلا إن عواقب الاثنين قد تكون كارثية.
في نهاية المطاف، يمكن أن تكون محطة "براكة" خطوة مهمة في سعي الإمارات ودول الخليج الأخرى لتقليل اعتمادها على الهيدروكربونات في الوقت الذي تتطلع فيه الشركات النووية الدولية إلى توسيع مشاركتها الإقليمية.
ومع ذلك، فمن المهم التأكيد على المخاطر الأمنية الكبيرة المتعلقة بالتطوير النووي في الخليج، بسبب مخاوف الانتشار التي يغذيها التنافس المستمر بين إيران والسعودية، مع وجود محطات نووية في منطقة غالبًا ما تكون هدفًا لجهات فاعلة قوية.