(فؤاد السحيباني/ راصد الخليج)
يستطيع كلّ متابع للتّغيرات الهائلة في المنطقة العربية، وعلى أطرافها، أن يستنتج بسهولة أنّ لحظة الحقيقة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية قد حلّ أوانها، ولم يعد هناك مجال للسكون في عالم تتسارع تغيّراته، وتسيل حركته بمثل هذا الحادث في الشرق الأوسط، بالوقت الحالي، بشكلٍ أكثر ممّا عرفه أي عصر سابق.
ليس ما يجري في هذه الرّقعة السّاخنة من العالم صخبًا موسميًا، كالعادة، ولن تكون المطالبة بحركة تساير التّغيرات الحادّة الحادثة على خريطة العالم، هوسًا بالجري في المكان، بل ستبقى المرونة كما القدرة هي أهم ما يُمكن أن تقدّمه قيادة لشعبها في هذه الفترة الحالكة المأزومة.
لكن الفارق المروّع بين ما تعتقده بعض الأنظمة –خطأ- شجاعة، وبين ممارسة القفز على التاريخ ومخاصمة الواقع كليًا، في سعيها نحو مستقبل ما، بات هو العلامة المسجّلة للإعلان عن إنجاز خيالي يدور حول العام 2030، عقب فشل في تحقيق أرقام ومستهدفات خطّة التّحول الوطني 2020، والتي كانت ممكنة، فيما لو توفّر بعض التّخطيط والتّدبر والكثير من الكفاءة في الإدارة.
غاب عن ذهن المخطّط السعودي أنّ الحاضر هو الذي يجبر الصياغة أن تكتب ملامح المستقبل، كيفما يكون هذا الواقع وموضعنا فيه سيأتي المستقبل بلا جدال تبعًا له.
فشل خطْة التّحول 2020، كشفتها الأرقام الرسمية المعلنة، بواسطة وزارة المالية، لم يتمكّن الاقتصاد السعودي من تجاوز عصر النّفط، أو حتّى وضع قدم واحدة خارج اقتصاد الريع، ولم تترجم الأرقام الطموحة التي
وضعت في 2015 إلى أي تقدّم في مجال الخروج من عباءة السّلعة الواحدة التي تمثّل الإيراد الأهم والأكبر للموازنة السعودية، وفي آخر موازنة معلنة (2020)، جاء ثلثا (2/3) الإيرادات العامّة بالكامل من بيع النفط الخام، وإذا أضيفت صادرات البتروكيماويات التي فصلها الحساب الختامي للموازنة عن عوائد النّفط، لكانت النتيجة خير شاهد على جهود ذرتها الرياح، فلم تجدها العقول حيث تصوّرتها، ولم تعثر لها على أثر.
وللتّدليل على حدّة الأزمة التي تلقي بظلالها على كلّ مواطن، فإنّ مبيعات السيارات الجديدة، والتي تعدّ في دول الخليج بكاملها ترجمة للقدرة الشرائية الحقيقية للأسر والأفراد، مستمرّة في تسجيل تراجع مروّع بالمملكة، إذ سجّلت في عام 2020 كله نحو 300 ألف سيارة فقط، انخفاضًا من 500 ألف سيارة في 2019، بينما كان الرقم يدور حول 800 ألف سيارة جديدة حين بدأت خطّة التّحول الوطني عام 2015.
وخلال الشهور الأولى من العام الحالي، 2021، فإنّ 4 من الطّرازات الجديدة التي احتلت قمّة مبيعات السيارات، جاءت في فئات: تويوتا كامري – هيونداي أكسنت - هيونداي ألنترا – تويوتا ياريس، بينما سجّلت فئة السيارات الفخمة غيابًا عن صدارة السيارات الجديدة في المملكة.
لكن فجأة، ومن خارج السياق المُعاش، خرج وزير الاتصالات، عبد الله عامر السواحه، بخبر كالقنبلة عن تصنيع أوّل رقائق ذكية سعودية، بأيد سعودية، يمكن استخدامها في المجالات العسكرية والمدنية والتّقنية.
لم ينس الوزير أن يشدّد على أنّ تصنيع الرقائق الذكية جاء بتوجيه ودعم من ولي العهد محمد بن سلمان، وبأنّ رقائقنا الذكية الجديدة تفوق تلك المستخدمة في رحلة الإنسان للقمر 60 ألف ضعف، وتدخل في كلّ الصّناعات المتقدّمة حاليًا.
كان الحديث مثيرًا للدّهشة، في بلد فشل أن يتحوّل من اقتصاد الريع، المعتمد على سلعة واحدة يجري استخراجها ثمّ بيعها، إلى اقتصاد حقيقي قائم على القطاع الصناعي، فإذا بالوزير يقفز بنا فجأة ومن المجهول إلى اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا فائقة التّطور.
في الحقيقة، وفي ظلّ الإعلانات التّمثيلية التي تسيطر على ذهن وعقل صانع القرار السعودي، فإنّ الشّك يحيط بكلّ هدف معلن، وجب الوصول له، كما يحيط أيضًا بالطّرق الواصلة إلى الأهداف وتوقيتها، وكلفة أثمانها وملاءمتها لمجتمعنا.