سلمى حداد - الخليج أونلاين-
تتصاعد منذ أيام تحذيرات دولية واسعة من أزمة غذاء عالمية قد تصل إلى درجة المجاعة، خاصة في الدول النامية غير المنتجة، بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الغربية ضد موسكو.
وفي 18 مايو 2022، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريحات صحفية، إن هناك أزمة غذاء في العالم قد تقود إلى كارثة.
وأضاف أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب وزيوت الطهي والوقود والأسمدة، وستؤدى إلى تفاقم أزمات الغذاء والطاقة في الدول الفقيرة.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنه "لا يوجد حل فعال لأزمة الغذاء دون إعادة دمج إنتاج الغذاء في أوكرانيا، وكذلك المواد الغذائية والأسمدة التي تنتجها روسيا وبيلاروسيا في الأسواق العالمية".
10 أسابيع
من جانبها حذرت خبيرة إمدادات الغذاء العالمية في شركة "غرو إنتيليجنس" سارة مينكر، من أزمة عالمية في غضون 10 أسابيع فقط.
وتستخدم شركة "غرو إنتيليجنس" الذكاء الاصطناعي والبيانات العامة والخاصة للتنبؤ باتجاهات إمدادات الغذاء.
وقالت مينكر، في تصريحات لشبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، في 19 مايو 2022: إن "العالم أمامه 10 أسابيع فقط لإنقاذ احتياجاته من القمح".
وأضافت: "هذا أمر مزلزل. حتى لو انتهت الحرب غداً، فإن مشكلة الأمن الغذائي لدينا لن تختفي قريباً دون تضافر الجهود العالمية".
وتنتج أوكرانيا قدراً كبيراً من الإمدادات الغذائية العالمية، بما يضل إلى ما بين 25% و30% من إمدادات الحبوب في العالم جنباً إلى جنب مع روسيا.
ووفقاً لبيانات من مرصد التعقيد الاقتصادي، تمثل أوكرانيا أيضاً 9.29% من إمدادات الذرة في العالم.
ومؤخراً أغلقت روسيا موانئ أوديسا وماريوبول وسط استمرار الحرب مع أوكرانيا للسيطرة عليها واقترابها من دخول شهرها الرابع.
كابوس التضخم
ويزيد كابوس التضخم المالي الدولي الذي يؤرق العالم من أقصاه إلى أقصاه من كارثية أزمة الغذاء العالمية.
وفي 22 مايو 2022، توقعت بيانات نشرتها وكالة "رويترز" نقلاً عن الأمم المتحدة أن يرتفع معدل التضخم المالي إلى مستوى 6.7%، مسجلاً ضعف متوسط المعدل خلال العقد الأخير البالغ 3%.
وقالت الوكالة إن الأمم المتحدة تتخوف من ويلات التضخم على الاقتصاد العالمي، وترجح أن يتباطأ نمو الاقتصاد في العالم بعد أن كانت التوقعات تشير، في يناير الماضي، إلى نموه بنسبة 4%.
ورأى خبراء في الأمم المتحدة، وفق "رويترز"، أن الحرب تسببت في قلب التعافي الاقتصادي الهش من جائحة كورونا رأساً على عقب؛ وهو ما تسبب أيضاً في أزمة إنسانية في أوروبا وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع وتفاقم الضغوط التضخمية.
كما توقع الخبراء أن يصل التضخم إلى ما نسبته 6.7% العام الحالي، أي ضعف المتوسط خلال الفترة من 2010 وحتى 2020 والبالغ 3%.
وفي منطقة غربي آسيا، سيتباطأ النمو من 6% إلى 4.5% هذا العام، مع اختلافات إقليمية واسعة، حيث يشمل التباطؤ الأردن وفلسطين وتركيا، في حين سيتنعش النمو في دول الخليج العربي والعراق.
الأمن الغذائي الخليجي
يبدو أن الأمم المتحدة متفائلة في نظرتها للاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة الأزمة الحالية، سواء على صعيد الأغذية أو التضخم.
وعلى الصعيد الغذائي كشف وزير الصناعة والتجارة والسياحة البحريني زايد الزياني عن أن "دول مجلس التعاون الخليجي تدرس إمكانية شراء المواد الغذائية بشكلٍ موحد".
وقال الزياني، في تصريحات نقلتها صحيفة "الجريدة" الكويتية، في 23 مايو 2022: إن "الشراء الموحد قيد يكون وسيلة للدول الخليجية لمواجهة أزمة الغذاء العالمية، التي ساهمت في تأجيجها اضطرابات سلاسل الإمداد، والحرب الروسية الأوكرانية".
وأوضح أن دول مجلس التعاون تقوم بشراء موحد للمعدات والمواد الطبية، ويمكن أن نضم إليه الأغذية، وهي الشيء الأهم بهذه المرحلة الاستثنائية.
وفي بيانات وتصريحات سابقة أكدت جميع دول الخليج توفر مخزون كافٍ من السلع الغذائية لديها، وحفاظها على درجة عالية من الأمن الغذائي.
وفي فبراير الماضي، قال وزير البيئة والمياه والزراعة رئيس لجنة الأمن الغذائي السعودية، عبد الرحمن الفضيلي، في تصريحات نقلتها صحيفة "الشرق الأوسط" المحلية، إنه بدعم من السلطات عززت المملكة مخزونات السلع الغذائية الأساسية للحفاظ على استقرار المعروض المحلي رغم الأزمة العالمية القائمة.
وأشار الفضيلي إلى أن سلاسل إمداد السلع الزراعية والحيوانية والغذائية آمنة وموثوقة ومستمرة في ظل حجم الإنتاج المحلي للعديد من السلع الأساسية وتحقيق نسب اكتفاء مرتفعة للعديد منها، إضافة إلى تعدد مناشئ الاستيراد عالمياً.
أما قطر فقال مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة البلدية، مسعود جار الله المري، في تصريحات صحفية مؤخراً: إن "حالة الأمن الغذائي للدولة تحسنت كثيراً رغم ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم بشكل كبير".
وأكد المري توافر الغذاء لجميع سكان قطر التي تعد من أكثر الدول تميزاً من ناحية الاستثمار في تخزين المحاصيل، وتحسين الطرق والموانئ، والبنية التحتية للري، وتنويع الشركاء في التجارة الدولية وطرق التجارة، وزيادة القدرة الإنتاجية المحلية.
وفي الإمارات أكد دينو فرانشيسكوتي، ممثل منظمة الأغذية والزراعة الأممية (الفاو) في البلاد، أن الإمارات أنشأت مجلس الأمن الغذائي لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي بالتعاون مع الجهات الاتحادية والمحلية.
وأكد فرانشيسكوتي، بتصريحات في 9 مايو 2022، أن الأمن الغذائي يمثل أولوية قصوى للإمارات، وهي أول دولة عينت وزيراً للأمن الغذائي لتسهيل الجهود نحو ضمان غذاء كافٍ وآمن وبأسعار معقولة.
وفي أحدث الجهود الخليجية في إطار مواجهة الأزمة الغذائية العالمية، قرر مجلس الوزراء الكويتي، في 23 مايو 2022، تشكيل لجنة وزارية تحت اسم "لجنة تعزيز منظومة الأمن الغذائي".
وقال الناطق باسم الحكومة الكويتية طارق المزرم، في مؤتمر صحفي: إن "الشيخ صباح الخالد رئيس الوزراء وجه بتشكيل لجنة وزارية لتعزيز منظومة الأمن الغذائي في البلاد"، مشدداً على أن "الصباح" أكد أهمية توفير كل الاحتياجات والسلع والخدمات للمواطنين والمقيمين بالكويت.
سيولة نقدية ضخمة
وفي قراءته للمشهد الخليجي في هذه الأزمة العالمية يقول الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام: إن "دول الخليج تعاني كغيرها من دول العالم من معدلات تضخم مرتفعة ناتجة بشكل أساسي عن قفز أسعار الأغذية في الأسواق الدولية".
وأضاف عبد السلام في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "هذه الأزمة سببها اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وفرض نحو 30 دولة من العالم قيوداً على صادرتها من السلع الغذائية، خاصة الهند وروسيا وأوكرانيا، أكبر الممولين للأغذية بالعالم".
ومن الطبيعي أن تشهد دول الخليج طفرة في الأسعار كما هو الحال في الاقتصادات العالمية حتى الكبرى منها، فالاقتصاد البريطاني والأمريكي يعانيان من معدلات تضخم هي الأعلى منذ 40 عاماً، حسب المحلل الاقتصادي.
ورغم معدلات التضخم العالية في الخليج فإن هذه الدول ظلت قادرة على احتواء هذه الأزمة بشكل يفوق قدرات حتى الاقتصادات الكبرى، سواء الأمريكي أو البريطاني أو الأوروبي؛ لأن لديها سيولة نقدية ضخمة قادرة على شراء أي كميات من القمح والشعير والحبوب وغيرها، وفق عبد السلام.
وأشار إلى أن الصناديق السيادية لدول الخليج لديها سيولة نقدية تتجاوز ألفي مليار دولار، ومن ثم "فالحكومات الخليجية لا تعاني من أي أزمة في استيراد الأغذية من مصادرها المختلفة في العالم حتى لو ارتفعت الأسعار".
وأوضح أنه رغم الارتفاع الكبير في أسعار القمح، فإن دول الخليج تمكنت من زيادة كميات القمح والأغذية الموجودة في مستودعاتها، و"لم تعانِ أي دولة منها من أي نقص في الأغذية أو السلع بكافة أنواعها".
ورأى عبد السلام أن ما ساعد دول الخليج على احتواء أزمة التضخم هو التدفقات النقدية الضخمة التي وصلتها من إيرادات النفط بعد ارتفاع أسعاره.
وأوضح أن هذه السيولة مكنت الاقتصادات الخليجية من مواجهة الأزمة وزيادة معدل النمو الاقتصادي وتغطية العجز بموازناتها العامة وتحويله إلى فائض.
وفي تقرير أصدره البنك الدولي، في 23 مايو 2022، توقع نمو اقتصادات دول الخليج بنسبة 5.9% بشكل عام خلال العام 2022، بدفع من نمو القطاعات النفطية وغير النفطية.
واعتبر التقرير أن اقتصادات دول مجلس التعاون نجحت في التعافي بقوة من الأزمة الاقتصادية العالمية.
من ناحية أخرى قال الكاتب الاقتصادي عبد السلام: إنه "رغم احتواء دول الخليج للأزمة الحالية إلا أنها مطالبة بالتفكير جدياً بتحقيق الاكتفاء الغذائي لمواطنيها خلال الفترات المقبلة، خاصة مع توقعات بطول أمد حرب أوكرانيا".
ودعا دول الخليج إلى أن تفكر جدياً بضخ استثمارات ضخمة جداً بقطاع الأغذية وزراعة الحبوب والسلع الغذائية لأن التجربة أثبتت أن الدول قد تعاني بشدة جراء قفزات الأسعار، وأنها قد تتعرض لحالة جوع وربما إفلاس بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما نشهده حالياً في الأزمة الاقتصادية اللبنانية.