اقتصاد » تطوير بنى

بعد الانقطاع المفاجئ.. ما خطط عُمان لتطوير شبكة الكهرباء؟

في 2022/09/14

متابعات-

دخلت سلطنة عمان، خلال العام الجاري 2022، مرحلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية، كان أبرزها تكليف جهاز الاستثمار بإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، بما يضمن الارتقاء بالأداء وجودة الخدمات وتقليل التكاليف التشغيلية.

غير أن تلك الإصلاحات تواجه تحديات مختلفة، كان أبرزها الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي في كثير من المدن العُمانية مؤخراً، والتي تسببت في توقف خدمات كثيرة؛ من بينها الاتصالات، وحركة الطيران في مطار مسقط الدولي.

وتستهلك السلطنة ما يقارب من ربع إنتاجها من الغاز الطبيعي (3.32 مليارات متر مكعب قياسي) في توليد الكهرباء، ومحطات تحلية المياه، في حين تسعى استراتيجية عمان 2040 للطاقة إلى ضمان استدامة الطاقة على المدى الطويل، فهل يتم تدارك تلك الصعوبات والتحديات.

انقطاع مفاجئ

كانت السلطنة، في الـ5 من سبتمبر 2022، على موعدٍ مفاجئ مع انقطاع التيار الكهربائي في عدة مناطق، خصوصاً في العاصمة مسقط وأجزاء من جنوب الباطنة، وشمال وجنوب الشرقية والداخلية.

وأعلنت هيئة تنظيم الخدمات العامة والشركة العُمانية لنقل الكهرباء يومها أنها تتعامل مع الانقطاع، مؤكدة: "تجري حالياً إعادة التيار الكهربائي تدريجياً"، فيما قالت مجموعة "نماء" للكهرباء: إن سبب الانقطاع "ناتج عن عطل فني في أحد خطوط النقل الخاصة بالشبكة".

ولكون الحدث مفاجئاً ولم يحدث منذ سنوات طويلة، اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً في "تويتر"، بتغريدات مختلفة، بين من يدعو لمحاسبة المتسببين، وآخرين يطالبون بتعويض المواطنين، وبعضهم تحدث عن مواقف حدثت خلال فترة الانقطاع.

الناشط فيصل الراشدي اعتبر أن ما حدث "ليس بسيطاً"، داعياً الجهات الأمنية والرقابية لمتابعة الأمر، متسائلاً: "هل كان هنالك استهداف مقصود لبلدنا؟!، وهل قطاع الكهرباء يمكن تأثره هكذا على نطاق واسع بكل سهوله!!؟".

وتحت وسم "#عمان_بلا_كهرباء" الذي انتشر بشكل كبير، رأى عبد الله المقدم أن "الأسباب التي ذكرت عن حدوث انقطاع للكهرباء بمواقع كثيرة في عمان الغالية غير مقنعة، ونطالب بتشكيل لجنة تحقيق خاصة لمعاقبة المقصر".

ونشر موقع أخبار عُمان صورة لمفتي البلاد الشيخ أحمد الخليلي وهو يصلي "صلاة العشاء في ظلمة الليل في مسجد سلمة بن سعد".

أما أبو الفضل البطاشي فقد أكد ضرورة "محاسبة رئيس هيئة الخدمات وجميع مديري شركات الكهرباء"، مرجعاً ذلك إلى "عدم وجود خطط بديلة وطارئة".

ووافقه ماجد الرقيشي بقوله: إن "ما حدث اليوم يجب ألا يمر مرور الكرام، خطة الطوارئ أو الخطط البديلة لمصادر الطاقة يجب أن تكون موجودة بكل مشروع حيوي كالمطارات والمستشفيات وغيرها، وأقل ذلك استخدام الطاقة الهجين، أي استخدام الطاقة الشمسية في الأماكن التي لا تحتاج إلى أحمال كبيرة".

مواجهة أزمة

وبعد يوم من الحديث، وتحديداً في 6 سبتمبر، أعلنت دولة الكويت تزويد عمان بـ100 ميغاوات من الكهرباء عبر شبكة الربط الخليجي؛ وذلك لمدة ساعة كاملة، في تدخل لتجاوز الأزمة التي مرت بها السلطنة.

وقال وكيل وزارة الكهرباء والماء في الكويت خليفة الفريج، إن مساهمة بلاده جاءت بعدما تعرضت شبكة الكهرباء في السلطنة لخلل أدى لفقدها 3800 ميغاوات، وترتب عليه انقطاع الكهرباء عن عدد من مناطق السلطنة.

وأكد أن الربط الخليجي يؤمن لدول المنظومة تجاوز أي خلل تتعرض له الشبكات المحلية في أقل وقت ممكن.

يُشار إلى أن هيئة الربط الخليجي لدول مجلس التعاون أنشئت عام 2001 كشركة مساهمة لربط البنى التحتية للدول الأعضاء على مستوى الكهرباء والماء.

ووفق بيانات صادرة عن الهيئة، فقد أسهم الربط الخليجي في تحقيق وفورات للدول الأعضاء قدرت بنحو 3 مليارات دولار، خلال السنوات العشر الماضية، كما حال دون حدوث قرابة 2000 انقطاع للتيار في الدول الأعضاء.

مرتكز أساسي للتنمية

وبعد حدوث الانقطاع غير المألوف في عُمان، يؤكد المدير العام للجمعية العُمانية للأوراق المالية أيمن الشنفري، أن قطاع الكهرباء في السلطنة يعد أحد أهم المرتكزات الأساسية للتنمية المستدامة، خاصة أنها الطاقة المحركة لتروس التنمية.

ويقول الشنفري في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "لقد أدركت السلطنة أهمية الكهرباء منذ بدايات النهضة المباركة، وأعطت لها اهتماماً متزايداً على كافة المستويات، وضخت فيه استثمارات مليارية ضخمة لما له من أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية على المجتمع العماني".

ويضيف الشنفري: "حقق قطاع الكهرباء في السلطنة نمواً كبيراً نتيجة الخطط الخمسية التي راعت معدلات الطلب المتزايد ومواكبة النمو العمراني والصناعي، حيث شهدت البلاد طفرة كبيرة في قطاع الكهرباء".

ويبين الشنفري أن حجم الطاقة الكهربائية مع بداية عصر النهضة لم يتجاوز الـ2 ميغاواط، فيما ارتفعت لتسجل العام الماضي ما يقارب 8000 ميغاواط، ووفقاً للخطط الموضوعة في هذا الشأن فإنه من المنتظر أن يصل حجم الطاقة الكهربائية حالياً إلى حدود 10000 ميغاواط.

ويوضح أن السلطنة شهدت مؤخراً إنشاء 6 محطات جديدة للكهرباء، باستثمارات بلغت 2.6 مليار ريال ممولة بالكامل من القطاع الخاص، كما شهدت السنوات الماضية اهتماماً بمجال الطاقة المتجددة لكونها طاقة المستقبل.

ويشير إلى أن السلطنة ممثلة في الشركة العمانية لنقل الكهرباء وقعت اتفاقيات لتطوير وتوسعة شبكة النقل الكهربائية، ويتم على أثرها تأسيس نحو 13 مشروعاً بتكلفة إجمالية تتجاوز 250 مليون ريال عُماني، إضافة إلى مشاريع أخرى مرتبطة بتلبية الطلب المتزايد من الطاقة الكهربائية للشبكة الرئيسية في مختلف مناطق السلطنة.

ويردف بالقول: "تكمن أهمية تلك المشاريع في أنها ستسهم في رفع معدلات مشاريع التنمية في السلطنة، التي ستؤدي دورها في مجال التنمية الشاملة والمستدامة، ما يفتح آفاقاً جديدة لمشاريع التنويع الاقتصادي التي تسعى البلاد من خلال خططها الخمسية إلى تجاوز الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل".

ويلفت إلى أن الحكومة في السلطنة تبذل جهوداً كبيرة في هذا المجال عبر تبني استراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار احتياجات السلطنة من الطاقة على المدى المتوسط والبعيد، حتى عام 2040، إضافة إلى تحديد أهداف نظام الطاقة، ودراسة الدور المحتمل للطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الشمسية والنفايات.

وذكر أن الاهتمام بالكهرباء يراعي رغبة السلطنة في دفع معدلات التنمية عن طريق إيجاد العديد من الفرص الاستثمارية في مختلف أنحاء البلاد، حيث ازدادت الحاجة لتوفير الطاقة التي تلبي احتياجات مشروعات البنى الأساسية، والنهضة الصناعية، والمشروعات العمرانية.

ويبين أن جهود الحكومة تأتي بتوجيهات السلطان هيثم بن طارق بهدف مواكبة التطور في قطاع الطاقة، وتقليل الاعتماد على الغاز في توليدها، مما سيعظم العائد وسيفتح آفاقاً رحبة لهذا القطاع المهم والحيوي.

عُمان وتطوير الخدمة

مطلع العام الجاري 2022، شرع جهاز الاستثمار العُماني في الإجراءات الأولية لإعادة هيكلة شركات التوزيع والتزويد التابعة له ضمن قطاع الكهرباء، وفق خطة تتماشى مع التوجهات الحكومية الساعية لتعزيز الكفاءة وتحسين الإنفاق في القطاع.

وتتمثل الكيانات المشمولة بالعملية في كل من شركة مسقط لتوزيع الكهرباء، وشركة كهرباء مزون، وشركة كهرباء مجان، وشركة كهرباء المناطق الريفية (تنوير).

وتهدف السياسات العامة للقطاع إلى تحقيق برنامج إعادة توجيه دعم الكهرباء للفئات المستحقة، والذي يعد جزءاً من خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020 – 2024) مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية من تطبيق تلك السياسات.

ولرفع الكفاءة التشغيلية والمالية للقطاع والاستفادة من خبرات الموظفين تم إقرار دمج شركات الكهرباء لنشاطي التوزيع والتزويد في شركتين؛ الأولى هي شركة لتوزيع الكهرباء لتقديم خدمات التوزيع في جميع محافظات البلاد باستثناء ظفار.

أما الثانية فهي شركة لتزويد الكهرباء لتقديم خدمات التزويد في جميع المحافظات باستثناء محافظة ظفار أيضاً، مع الإبقاء على "شركة ظفار للخدمات المدمجة" لتقديم خدمات التوزيع والتزويد في محافظة ظفار.

وتأتي هذه الخطوة لرفع الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف والتسريع من وتيرة ربط شبكة كهرباء المناطق الريفية بالشبكة الرئيسية، ممّا يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية بتقليل الاعتماد على محطات توليد الديزل.

ولتحقيق أهدافها أطلقت عُمان العمليات التشغيلية لأول سوق فوري للكهرباء في منطقة الشرق الأوسط تحت مسمى "عُمان الفوري للكهرباء"؛ لرفع كفاءة منظومة شراء الطاقة بما يتناسب مع أفضل الممارسات العالمية.

ومن شأن الإسهام في إيجاد بيئة أكثر تنافسية لتداول الكهرباء خفض تكلفة شراء الطاقة وتقليل الاعتماد على التعاقدات طويل الأمد، وتحفيز استخدام الطاقة المستدامة بما يتوافق مع "رؤية 2040"، وزيادة الاعتماد على المحطات الأكثر كفاءة لتقليل استهلاك الغاز.

وتريد الحكومة الإبقاء على قدر من دعم المواطنين في ظل مواصلة السلطان هيثم بن طارق، الذي تولى مقاليد الحكم مطلع العام 2020، إقرار إصلاحات لتخفيف الضغط عن المالية العامة للدولة.  

وحتى ديسمبر من العام الماضي 2021، بلغ إنتاج السلطنة من الكهرباء بنهاية أكتوبر الماضي 35 ألفاً و907 غيغاواط /ساعة، بزيادة 8% مقارنة بذات الفترة من العام السابق 2020.