(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
وسط توترات عالميّة حادة وتقارير اقتصاديّة دوليّة من منابر رصينة، تقود إلى أرقام متشائمة، يتسرّب القلق دومًا إلى الدّول التي تعتمد على اقتصاد الريع من دون الانتاج، وأبرزها دول الخليج العربي. ولعلّ بعض الأحداث، حتّى لو كانت محدودة الأثر، إلّا أنّها تشكّل أجراسًا للإنذار، ومنها ما يتعلّق بتوقّف مشهد سياحي واسع، لطالما اعتمدت عليه دولة الإمارات العربيّة في الترويج لقدراتها الاقتصاديّة والسّياحيّة، وهو "عين دبي" والذي أُفتتح ليكون مشروعًا ضخمًا في العام 2021، وهو أعلى دولاب هواء في العالم.
"عين دبي" قادرة على حمل ما يصل إلى 1400 راكب، في 48 كبسولة. وهي تقع في جزيرة "بلوواترز"، وتُعدّ من أبرز المعالم السّياحيّة في مدينة "دبي". وقد توقّفت عن العمل، بشكل مفاجئ، بدعوى التحسينات، ولمّا يُستئنف تشغيلها حتّى الآن، رغم الإعلان أكثر من مرة عن قرب الاستئناف!
يأتي هذا المشروع ضمن مشاريع تعتمد على الأرقام القياسيّة وتحقيقها في المدينة، وتحيط بها المراكز التجاريّة والمطاعم والشّقق السكنيّة، بالإضافة إلى سوق تراثي. ويبلغ ارتفاع هذه العجلة الترفيهيّة الضّخمة، والأعلى من نوعها في العالم، قرابة 250 مترًا، وتتميّز بإطلالة رائعة على أفق مدينة "دبي"، حيث تقع قبالة الواجهة البحريّة لمشروع "جميرا بيتش ريزيدنس".
كان من المقرّر أن يبدأ البناء للدولاب الهوائي الضخم، في يونيو/ حزيران من العام 2013، والانتهاء منه في وقت ما خلال العام 2015، بتكلفة تقديريّة تبلغ 1.6 مليار دولار أمريكي لمشروع "بلو آيلاند" بأكمله، بعدما رُسي المشروع على شركتي "هيونداي للهندسة والإنشاءات" و"ستارنيث الهندسيّة"، بصفتهما مصمّمين ومقاولين.
لكنّ البناء بدأ متأخرًا بحوالي عامين عن الموعد المحدّد، فقد بدأ في مايو/أيار 2015، مع توقّعات بالإنتهاء في أوائل العام 2019. ودفعت المزيد من التأخيرات لتأجيل الافتتاح المستهدف إلى 20 أكتوبر/تشرين الأوّل من العام 2020، من أجل أن يتزامن الافتتاح مع إكسبو 2020، ولكن أُجّل الافتتاح مجدّدًا بسبب جائحة فيروس كورونا، والتي اكتسحت العالم في العام 2019.
بلغت تكلفة مشروع العجلة مليار درهم إماراتي (270 مليون دولار)، وبارتفاعها الذي يتجاوز 250 مترًا، يزيد ارتفاع "عين دبي" عن أعلى دولاب هوائي قيد التشغيل حاليًا في العالم، أي عجلة "High Roller" في مدينة "لاس فيغاس" الأمريكيّة، بـ 82 مترًا. كما يبلغ طول عجلة "عين دبي" ضعف طول عجلة "عين لندن"، والتي ترتفع عن نهر "تايمز" بمقدار 135 مترًا.
وفاقًا للتقارير؛ فإنّ أكبر نجاح للمشروع هو تولي "كيفن داير"، والذي كان المدير الفني السّابق لـ"عين لندن"، منصب مدير عمليات "عين دبي". وبينما صُمّمت العجلة لتستمر لمدة 60 عامًا، إلّا أنّ هناك تدابيرَ وُضعت لإطالة هذا العمر الافتراضي. ولكن، وفي مارس/ أذار 2022، أعلنت عمليات "عين دبي" إغلاق العجلة حتّى نهاية شهر رمضان المبارك من العام الماضي، على أن تعاود الدّوران مرّة أخرى في عيد الفطر.
إذ أوضح بيان أصدرته "عجلة دبي"، عبر موقعها الرّسمي، أنّه تقرّر إيقاف العجلة عن العمل من أجل تطوير التجارب الحاليّة والقيام ببعض التّعديلات الدوريّة على العجلة، من أجل تقديم تجارب ترفيهيّة تبهر الحضور، ولكن لمّا يُستئنف التشغيل حتى الآن!
قالت بعض التقارير إنّ فشل مشاريع كبرى، في دولة الإمارات بشكل غامض، يثير الجدل في ظلّ ثبوت زيف الدّعاية الحكوميّة عن السّعي لتحقيق أكبر وأضخم المشاريع من دون جدوى عمليّة لها على الأرض. وتناولت التقارير أحدث الأمثلة على ذلك، وهي "عين دبي"، والتي تُعدّ الأعلى في العالم، حيث يقترب ارتفاعها من ضعف "عين لندن". وقالت التقارير إنّ "عين دبي" تواجه مصيرًا غامضًا منذ توقّفها عن الدوران منذ أكثر من عام، على الرغم من الإعلان أنّ هذا الإجراء سيكون مؤقتًا ولمدة شهر.
حتّى الآن لمّا يُكشف عن سبب محدّد لإغلاق المعلم السّياحي البارز في الإمارات، بعدما رّوج لها طويلا في إعلام "أبو ظبي". وأبرزت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية القضية، وذكرت أنّ منتقدين للوضع القائم في "عين دبي" يرون أنّ المسؤولين يرفضون الاعتراف بارتكاب أخطاء، ولا يعلنون عن فشل أي مشاريع جديدة لامعة، وهو ما يترك المستثمرين في مأزق.
كما نقلت الصحيفة عن المسؤول عن قسم التدريس الجامعي، في برنامج الهندسة في جامعة "كارديف" "أليد ديفيز"، قوله إنّ : "المشكلة في بناء أكبر شيء في العالم هو أنّه حينما تتجاوز حدًا معينًا، فأنت تصطدم بالمجهول، وحينها تتحوّل المشكلات التي في العادة تكون ثانويّة، وبشكل مفاجئ، إلى كبيرة". وتابع يقول: "لا توجد معلومات هنا، ربما تكون مشاكل جوهريّة، أو أمور مفاجئة مثل الرياح أو الحركة الهيكليّة".
هذا؛ وأضافت الصحيفة أنّه في غياب المعلومات الرّسميّة ظهرت العديد من التخمينات؛ من بينها أنّ "عين دبي" كانت تصدر اهتزازات قويّة، خلال الأشهر الخمس الأولى لتشغيلها. فقد زعم أحد عمّال المتاجر أنّ الاهتزازات تسبّبت في كسر نوافذ المباني المحيطة. وقال أحد سكّان بناية مواجهة لـــــ"عين دبي"، رفض الكشف عن هويته: "عشت هنا لعامين، ولم يصلني أي معلومة عمّا يحدث". وصرح ساكن آخر: "لم نسمع شيئًا من أي مسؤول"؛ مشيرًا إلى أنّ بعضهم يقول إنّ هناك شيئًا تحطّم في محور الدّوران الرّئيسي، فيما يتحدّث آخرون عن أنّ "عين دبي" تغرق. وأضاف السّاكن الثاني أنّه سمع مديري أحد الفنادق، في منطقة البحر المحيطة، أنّهم يقوّمون الأضرار والمخاطر التي يمكن أن تحدث حال سقوط "عين دبي".
لكن بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكيّة؛ فإنّ القصّة حول "عين دبي" -أكبر عجلة في العالم- تستحضر "ذكريات انهيار ممتلكات سابقة". ويصف منتقدون الوضع القائم بأنّه عبارة عن تطوير معلم، والترويج له بشكل كبير وسط "مبالغة في بعض الأحيان".
هذا التوقّف المفاجئ لمعلم رُوّج له بكونه الأعظم من نوعه في العالم، يفتح ممّا لا شك فيه باب الانتقادات عن جدوى هذه المشروعات وكلفتها الضّخمة وتداعيات فشلها. وهو ما ينسحب، أيضًا، على طبيعة التوجّه العام للاقتصاد والمشروعات المشابهة الأخرى، وهل سيكون مصير عجلتها هو التوقّف كعجلة "عين دبي"؟!