سلمى حداد - الخليج أونلاين-
تتابع الأوساط الاقتصادية مسار الاقتصاد السعودي خلال هذا العام 2023، بعد أن حقق في العام المنصرم أعلى نمو اقتصادي منذ 2010.
وتتابين التوقعات والتقديرات لمسار النمو اقتصاد المملكة في ظل مخاوف من من الركود الاقتصادي العالمي، وتراجع الطلب في الصين على النفط، فضلاً عن التوترات والاقتصادية العالمية جراء تصاعد وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية.
وتسعى المملكة، وهي أكبر مُصدر للنفط في العالم، إلى تنويع اقتصادها لتقليل الاعتماد على عائدات النفط وزيادة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك ضمن رؤيتها 2030.
وكان معهد التمويل الدولي توقع، في أبريل الماضي، أن تحافظ القطاعات الاقتصادية غير النفطية بدول الخليج على أدائها القوي في العام الجاري، وهو ما يحد من تأثير تراجع إنتاج النفط وأسعاره على نمو دول المنطقة.
كما توقعت وكالة "رويترز"، الأسبوع الماضي، أن تشهد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نمواً بوتيرة أبطأ بكثير في عام 2023، مقارنة بالعام الماضي؛ بسبب تأثر مواردها بتراجع عائدات مبيعات النفط الخام وتخفيضات الإنتاج.
أرقام متباينة
وفي مايو الماضي، سجلت ميزانية المملكة عجزاً طفيفاً خلال الربع الأول من عام 2023؛ بواقع 2.91 مليار ريال (776 مليون دولار).
وأظهرت بيانات وزارة المالية حول الأداء الربعي لأداء الميزانية تحقيق إيرادات بقيمة 280.94 مليار ريال (74.90 مليار دولار)، مقابل مصروفات بلغت 283.86 مليار ريال (75.67 مليار دولار).
كما كشفت أرقام ميزانية السعودية ارتفاع الإيرادات غير النفطية 9% على أساس سنوي، أما في الربع الأول من عام 2023، فارتفعت النفقات الرأسمالية بنسبة 75% على أساس سنوي.
وبلغت قيمة الإيرادات النفطية 178.6 مليار ريال (47.61 مليار دولار)، والإيرادات غير النفطية 102 مليار ريال (27.19 مليار دولار).
كما أشارت بيانات أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، إلى نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 3.9% على أساس سنوي، خلال الربع الأول من العام 2023، مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي.
لكن صندوق النقد الدولي توقع، في يونيو الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية إلى 2.1% في 2023 بفعل تخفيضات الإنتاج التي أعلنها تحالف "أوبك+"، وهو ما يقل عن التوقعات التي أصدرها الصندوق في مايو الماضي، حيث توقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.1%.
وفي تقريره "مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي"، في 31 يناير 2023، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد السعودي، خلال العام الجاري.
كما رجح الصندوق تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادات المنطقة العربية بنحو 1.1 نقطة مئوية، عن تقديراته السابقة، في أكتوبر الماضي.
ومن ثم فإن الاقتصاد السعودي سينمو بنسبة 2.6% في 2023 مقارنة بنمو قدره 8.7% خلال العام الماضي.
وساهمت الحرب الروسية ضد أوكرانيا التي بدأت في أواخر فبراير 2022، في دعم أسعار النفط، خلال العام الماضي، وصولاً إلى ما فوق 130 دولاراً للبرميل في ذروتها، والتي استفادت منها الدول المصدرة للنفط، وعلى رأسها السعودية، وذلك قبل أن تفقد الأسعار مكاسب 2022 خلال الأسابيع الأخيرة.
ووفق التقديرات غير النهائية لهيئة الإحصاء السعودية، نما القطاع النفطي بنسبة 15.4%، وغير النفطي بنحو 5.4%.
النفط وراء الكواليس
صندوق النقد الدولي توقع تراجع أسعار النفط خلال العام الحالي بنسبة 16%، الأمر الذي يعد أحد أهم أسباب الهبوط المتوقع في نمو الاقتصاد بالسعودية.
كما سيسهم تخفيض إنتاج النفط الذي يتماشى مع اتفاقية تحالف "أوبك+"، وفق تقديرات، في تراجع نمو اقتصاد المملكة.
وكان ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي قال، في يونيو الماضي، إن اجتماع وزراء النفط في تحالف "أوبك+"، قرر خفض الإنتاج بـ3.66 ملايين برميل يومياً لضمان استقرار سوق النفط.
كما صرح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بأن بلاده ستقوم بخفض طوعي إضافي في إنتاجها من النفط مقداره مليون برميل يومياً، ابتداء من يوليو الجاري، موضحاً أن هذا القرار لمدة شهر واحد قابل للتمديد.
واعتبر الأمير عبد العزيز بن سلمان أن القرار الذي اتخذه تحالف "أوبك+" يساعد على تعزيز فرص استقرار أسواق النفط، ومنع التذبذب الحاد في أسعار الخام، صعوداً وهبوطاً.
والسعودية أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، بمتوسط يومي قدره 7.5 مليون برميل في الظروف الطبيعية، وثاني أكبر منتج له بعد الولايات المتحدة بمتوسط يومي قدره 11 مليون برميل في الظروف الطبيعية.
ورغم قرار السعودية خفض الإنتاج فإن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعات أن أسعار النفط في 2023 سوف تتراجع بوتيرة طفيفة.
إذ توقع تقرير "آفاق الطاقة قصيرة الأجل" لشهر يوليو 2023، الصادر يوم الثلاثاء 11 يوليو، أن يبلغ متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط مستوى 74.43 دولاراً للبرميل خلال 2023، ما يمثّل تراجعاً قدره 0.2% عن توقعات يونيو الماضي، البالغة 74.60 دولاراً للبرميل.
نمو قياسي
وفي قراءته لمؤشرات الاقتصاد السعودي، قال المحلل الاقتصادي جمال بنون: إن "اقتصاد المملكة تمكن العام الماضي من تجاوز أزماته وحقق معدلات نمو قياسية لم يشهدها منذ العام 2010".
وأشار بنون في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن سبب هذا النمو الذي جاء بعد ركود تزامن مع جائحة كورونا (2020-2021) يرجع إلى نمو الاقتصاد النفطي وغير النفطي أيضاً.
وأضاف بنون أن السعودية تمكنت من تجاوز الأزمات العالمية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، ولم يتأثر اقتصادها مثل بقية الدول، بل توسع بشكل استثنائي، وكان للمملكة أنشطة استثمارية واسعة وغير مسبوقة السنة الماضية، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن الهبوط المتوقع في أسعار النفط وتراجع إنتاج المملكة منه بالتأكيد سيكون له تأثير على اقتصاد المملكة، وهذا يظهر في توقعات صندوق النقد الدولي للعام 2023.
تراجع من صعود
وتسعى الحكومة السعودية للاستفادة من المكاسب المحققة من النفط عبر دعم الأنشطة غير النفطية، حيث يوجه صندوق ثروتها السيادية مليارات الدولارات إلى أسواق الأسهم والأصول على مستوى العالم، في حين يؤدي دوراً متزايداً في تمويل التنمية المحلية.
من جانبه رأى الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، أن التراجع المتوقع لاقتصاد السعودية طبيعي؛ لأنه تراجع من صعود.
وأوضح سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن اقتصاد المملكة في 2022 كان متفوقاً وحقق ارتفاعاً غير مسبوق منذ أكثر من عشر سنوات، ومن ثم فإن الهبوط في 2023 يعني عودة الاقتصاد لوضع النمو الطبيعي، و"هذا لا يترتب عليه أي اضطراب اقتصادي في السعودية بالفترة المقبلة".
وأشار إلى أن الرياض تتجه حالياً إلى التحول نحو الاقتصاد غير النفطي، ومن ثم فأسعار الطاقة لم تعد المؤشر الوحيد لتوقعات اقتصادها، ولكنها تظل مؤثرة بنسب ستتراجع تدريجياً خلال السنوات المقبلة.
وقالت السعودية مؤخراً، إنها تتوقع تحقيق فائض في الميزانية للمرة الثانية توالياً بالعام 2023، وإن كان أقل بنسبة 84% عن فائض العام الماضي.