اقتصاد » تطوير بنى

حرب "الرقائق الإلكترونية" بين بكين وواشنطن.. هل تمنح الفرصة للرياض؟

في 2024/05/13

كامل جميل - الخليج أونلاين- 

على خلفية حرب الرقائق الإلكترونية والصناعات التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، التي تزداد نيرانها استعاراً، يبدو أن على السعودية أن تختار أحد طرفي الصراع وهي تسير بقوة على طريق الاستثمار في هذا القطاع الواعد.

الرقائق الإلكترونية هي قطع صغيرة من السليكون أو مواد أخرى تُستخدم لإنتاج الدوائر الإلكترونية، تصمم لأغراض محددة، وتحتوي على مجموعة من المكونات الإلكترونية المتكاملة.

تُستخدم الرقائق في مجموعة واسعة من الأجهزة والتطبيقات، من بينها الأجهزة الإلكترونية، والأجهزة الطبية، والاتصالات والسيارات والطائرات، وغيرها الكثير من الصناعات المهمة.

وعليه؛ يرى مراقبون أن تستثمر السعودية التنافس الصيني الأمريكي في هذا القطاع في دعم استثمارها بالقطاع الإلكتروني، وفرض شروطها لتحقيق مكاسب أكبر.

المنافسة الأمريكية الصينية

سوق الرقائق الإلكترونية، أو "أشباه الموصلات"، تزداد أهمية بشكل كبير لدخولها في معظم الصناعات وأكثرها ربحاً، وهذا يفسر المنافسة الشديدة بين الصين والولايات المتحدة ولكل بلد ميزاته المهمة في هذا القطاع تكمن أبرزها في التالي:

تتمتع الشركات الصينية بتكامل عمليات التصنيع والتوريد والتطوير التكنولوجي.

تتمتع الولايات المتحدة بالريادة عالمياً في مجال التصميم والتطوير التكنولوجي للرقائق الإلكترونية.

صناعة الرقائق الإلكترونية ترتكز على شيئين، الأول يتمثل بالمادة الخام المصنعة لها (السيليكون والجرمانيوم)، أما الثاني فهو المعدّات التي تحول المادة الخام منتجات نهائية.

تُسيطر الصين على المادة الخام بوصفها أكبر منتج للجرافيت والجرمانيوم في العالم، وتسيطر الولايات المتحدة على صناعة الرقائق الإلكترونية. 

تُعدّ الصين الآن أكبر منتج ومصدر للرقائق الإلكترونية في العالم.

يهدف كلا البلدين إلى دعم وتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية المحلية، والسيطرة على السوق العالمية؛ وهو ما جعل هذا القطاع يشهد توترات تجارية بين بكين وواشنطن.

الحرب الأمريكية

خلال الأعوام الخمسة الماضية وسعت الولايات المتحدة حربها الاقتصادية على الصين، وتضمنت هذه الحرب:

زيادة التعريفات الجمركية على البضائع القادمة إلى الولايات المتحدة من الصين.

فرض ضوابط شاملة على التصدير في عام 2022، تضمنت منع الأمريكيين، سواء أفراداً أو شركات، من تقديم دعم مباشر أو غير مباشر لبعض مصانع الرقائق المتقدمة في الصين.

ضغط واشنطن على حلفائها في أوروبا وآسيا لتشديد القيود على صادرات التكنولوجيا والأدوات المرتبطة بالرقائق إلى الصين.

تقييد استثمارات الكيانات الأمريكية في أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا معلومات الكم وقطاعات الذكاء الاصطناعي في الصين.

سن عقوبات بتقييد عملية تصدير أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين.

ما وراء الحرب؟

لكون الرقائق المتطورة تستخدم لتشغيل أجهزة الحاسب ومعدات الذكاء الاصطناعي والتجهيزات العسكرية؛ تقول الولايات المتحدة إن استخدام الصين لها يشكل تهديداً لأمنها القومي.

وفي تصريحات سابقة، قال وكيل وزارة التجارة الأمريكية، آلان استيفيز، إن الولايات المتحدة تسعى بكل ما في وسعها لمنع حصول الصين على "التقنيات الحساسة ذات التطبيقات العسكرية".

وأوضح أن "طبيعة التهديد تتغير دائماً ونقوم بتحديث سياساتنا اليوم للتأكد من أننا نتصدى للتحديات".

بدورها ترى بكين أن القيود الأمريكية "إرهاب تكنولوجي".

السعودية مستثمر كبير

السعودية دخلت أخيراً بقوة في مجال الاستثمار بالقطاع الإلكتروني، وهنا كان لا بد من وجود قطبي هذا القطاع بكين وواشنطن.

خلال العام الجاري، أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تأسيس شركة "آلات" بهدف جعل السعودية مركزاً عالمياً للإلكترونيات والصناعات المتقدمة.

تخطط الشركة لاستثمار نحو 100 مليار دولار في الصناعات التكنولوجية والمتقدمة بحلول 2030.

كان الرئيس التنفيذي للإدارة الاستراتيجية في "آلات"، أحمد عالم، قال في تصريح صحفي إن الشركة ستجري شراكات مع مؤسسات عالمية، لإقامة مراكز صناعية لها وللشركة السعودية في المملكة.

حسبما ذكرت "بلومبيرغ"، أبلغ المسؤولون الأمريكيون نظراءهم السعوديين أنهم بحاجة إلى الاختيار بين التكنولوجيا الصينية والأمريكية، في مشروعهم الهادف لبناء صناعة أشباه الموصلات في المملكة.

صراع إرادات دولية

عضو اللجنة الاقتصادية في منتدى النخب والكفاءات العراقية، وسام الكبيسي، يتطرق في حديثه بهذا الشأن إلى "صراع إرادات" بين القوى الدولية الكبرى على مشارف تشكل النظام الدولي الجديد وتأسيس منظومة السيطرة والضبط لهذا النظام، على حد قوله.

ويقول إن "أجلى صورة لهذا الصراع هي حالة التنافس الشرس بين كل من واشنطن وبكين"، لافتاً إلى أن هذا الصراع أخذ أشكالاً وصوراً متعددة؛ يستهدف كل طرف منها تعطيل سياسات وبرامج وخطوات الطرف الآخر.

وبحسب الكبيسي فإن بين الطرفين معركة اقتصادية، مبيناً أن من أهم أسلحة هذه المعركة هي محاولة واشنطن حرمان الصين من الرقائق وأشباه الموصلات التي تحتاج إليها الأخيرة لتحقيق قفزات في المجالين التقتني والبرمجي.

ويقول الخبير الاقتصادي: "من هنا تأتي أهمية ضغط الولايات المتحدة على بعض حلفائها، ومن بينهم السعودية، لحرمان الصين من أي فرصة لاختراق الحظر الأمريكي عبر قنوات غير مباشرة".

ويرى أن لدى السعودية "فرصة مواتية للاستفادة من هامش الصراعات الدولية، والمناورة للاستفادة من الطرفين، أو أحدهما، بأقصى حد ممكن".

كما يعتقد أيضاً أن "القائمين على إدارة الملف في المملكة يدركون جيداً بأن هذا الملف لا ينبغي أن تنحصر مكاسب المناورة فيه على الجانب المادي وتحقيق الأرباح، بل استثماره لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتقنية من الطرفين أو أحدهما".

يتطرق الكبيسي إلى سبب توجه السعودية لتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع بكين، التي جاءت على خلفية التوتر الذي حصل مع الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة.

وعليه؛ يقول إنه عندما تأتي الدعوة من واشنطن، اليوم، "لا ينبغي أن تمر دون استثمارها في تحريك الكثير من الملفات الشائكة بما يحقق المصلحة السعودية والخليجية".

ويضيف: "لعل من أهم ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن يرافق هذه الاستثمارات الكبيرة سعي للحصول على الخبرات الكافية لتأسيس المشاريع مستقبلاً (أو ما يسمى know how) وتأهيل الكوادر السعودية لتطوير هذا القطاع المهم على المديين المتوسط والبعيد".

ويعتقد الكبيسي أن توجيه نسبة كبيرة من المدخرات السعودية في المجال التقني له مردود إيجابي خلال السنوات والعقود القادمة.

ووفق قوله تمثل مثل هذه الاستثمارات "مشاريع قاطرة لتطوير مشاريع أخرى في كافة المجالات والقطاعات الاقتصادية، حيث تساهم في تطوير العملية التعليمية وتأهيل نظم الإنتاج والتسويق لمواكبة التطورات الحالية والتحولات المستقبلية".