كامل جميل - الخليج أونلاين-
تسعى السعودية لتصبح منافساً قوياً في سوق الرقائق الإلكترونية، مستفيدة من استراتيجياتها الطموحة والمستدامة لتطوير هذا القطاع الحيوي.
لعل ما يدفع السعوديين لتكون الرياض حاضرة مستقبلاً في سوق الرقائق الإلكترونية هي "رؤية 2030"؛ التي تستهدف تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، واستثمارات المملكة الضخمة عبر صندوق الاستثمارات العامة، وشراكاتها الدولية الواسعة والمتينة في تخصصات تصب في صالح امتلاك الخبرات وتوسيع مصادر الدخل.
التركيز الكبير من قبل الحكومة السعودية على "أشباه الموصلات" ومساعي توطين هذه الصناعة، والشراكات التي عقدتها المملكة للاستثمار في هذا القطاع الحيوي المهم، يؤكد أن الرياض قادمة بقوة لهذا السوق المتوقع أن يكون القطاع الاقتصادي الأكثر أهمية على مستوى العالم، بل يوصف بأنه "نفط المستقبل".
إطلاق صندوق استثماري
أحدث ما أعلنت عنه السعودية فيما يخص سعيها لاختراق سوق الرقائق الإلكترونية كان في 5 يونيو 2024، حيث أطلقت صندوقاً استثمارياً بقيمة مليار ريال (266.6 مليون دولار) للاستثمار في شركات أشباه الموصلات؛ بهدف تحفيز الناشئة الصغيرة والمتوسطة منها لتبني هذه الصناعة.
جاء ذلك خلال افتتاح أعمال "منتدى أشباه الموصلات 2024" في الرياض، بنسخته الثالثة، الذي نظمته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية "كاكست"، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست"؛ لمناقشة توطين تصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية، وتعزيز قطاع الاقتصاد الرقمي بالمملكة.
معلومات الصندوق الخاص بالاستثمار في أشباه الموصلات:
يشرف المركز الوطني السعودي لأشباه الموصلات على الصندوق.
يستهدف نقل وإنشاء 50 شركة تصميم أشباه موصلات بحلول 2030.
يستهدف الوصول إلى أكثر من 150 مليون ريال (40 مليون دولار) من منتجات الدعم المختلفة من البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات.
يستهدف تدريب وتوظيف 5 آلاف مهندس في تصميم أشباه الموصلات، بحلول 2030.
يستهدف جذب 25 خبيراً من الطراز العالمي من خلال برنامج الإقامة المميزة.
يعمل الصندوق على:
بناء معرفة متكاملة لهذه الصناعة.
جذب شركات التصميم لأشباه الموصلات الدولية إلى البلاد.
خلق وظائف عالية الجودة.
نفط المستقبل
"أشباه الموصلات" تُعرف بأنها مجموعة من المواد الصلبة البلورية، التي تمتلك قدرة متوسطة على توصيل الكهرباء، لكن بكفاءة ضعيفة.
وتمتاز بصغر حجمها وانخفاض أسعارها واستخدامها المتزايد على نطاق واسع في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية.
ولكونها تدخل في صناعات مهمة مثل السيارات الكهربائية وأجهزة الحاسب الآلي المكتبية والمحمولة والأجهزة اللوحية والإلكترونيات، تعتبر أشباه الموصلات قطاعاً شديد الأهمية و"نفط المستقبل".
حالياً يتجاوز حجم السوق العالمية للرقائق 500 مليار دولار، وتشير التوقعات إلى أنه سيصل إلى تريليون دولار في عام 2030، وسيتجاوزه أيضاً.
وتعدّ الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والصين، أشهر الدول التي تحتكر صناعة أشباه الموصلات.
لكن الصين أخذت تستحوذ بشكل أكبر على السوق، وهو ما أدى إلى اشتداد "حرب الرقائق" بين الصين والولايات المتحدة.
توطين صناعة أشباه الموصلات
الرياض تدرك جيداً قيمة "أشباه الموصلات" وأهميتها مستقبلاً، لذلك هي تسعى بشكل دؤوب ومرسوم بدقة للتمكن من توطين هذه الصناعة.
يُستدل على ذلك بخطوات سابقة اتخذتها المملكة في هذا الشأن، يبرز منها إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شركة "آلات"، مطلع فبراير الماضي.
"آلات" شركة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة، تهدف إلى المساهمة في جعل المملكة مركزاً عالمياً للإلكترونيات والصناعات المتقدمة.
تخطط "الشركة" لاستثمار 100 مليار دولار بحلول عام 2030، لتصل مساهمتها المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 35 مليار ريال (نحو 9.5 مليار دولار).
وفي مارس الماضي، وقّعت شركة "آلات" ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية "كاكست" اتفاقية شراكة لدعم منظومة أشباه الموصلات في السعودية.
تهدف الشراكة إلى تحقيق الأهداف ذات الأولوية للبحث والتطوير والابتكار في قطاعي الطاقة والصناعة، من خلال توطين صناعة أشباه الموصلات في المملكة، وتطوير الكوادر البشرية على تقنيات تصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية.
منافس قادم للسوق
الخبير الاقتصادي نمر أبو كف، يرى أن اهتمام السعودية بالاستثمار في أشباه الموصلات يعود لأسباب اقتصادية وأخرى عسكرية.
أبو كف الذي تحدث لـ"الخليج اونلاين" يؤكد أهمية أشباه الموصلات، مبيناً أنها تحتاج إلى خبرات وإمكانيات مادية كبيرة.
ويلفت في هذا الشأن إلى أن "المملكة توفر الدعم المادي الكبير، ويمكن اعتبار الرقائق الإلكترونية بمنزلة نفط المستقبل البشري؛ لأنها تدخل بشكل كبير في جميع الصناعات الإلكترونية".
السعودية، وفق أبو كف، ما زالت في طور التأسيس بهذا القطاع؛ لذلك بدأت بعقد مؤتمرات وتوقيع اتفاقيات مع شركات سواء أمريكية أو صينية.
بهذا تكون المملكة -على حد قول الخبير الاقتصادي- "باشرت بخطوة جبارة في صناعة قد تكون حكراً على مجموعة من الدول"، ولا يستبعد أن يكون لها مصدر لهذه الصناعة مستقبلاً.
من جانب آخر يرى أبو كف أن هذا النوع من الصناعات سيكون مفتاحاً لصناعات أخرى، خاصة الصناعات الدقيقة والصناعات العسكرية.
ويضيف: "مستقبل العالم يعتمد على مثل هذه الصناعات؛ إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد حظر تصدير هذه الرقائق مع الصين لإدراكه أهميتها في الصناعات العسكرية".
ويشير أبو كف إلى أن السعودية تملك جملة مقومات تمكنها من النجاح في هذا الجانب؛ خاصة القوة الاقتصادية والبنية الأساسية، والمواد الخام التي تحتاج إليها هذه الصناعات، ما يشير إلى أن السعودية ستكون منافساً مستقبلياً في سوق هذه الصناعة، بحسب رأيه.
وعليه يعتقد أبو كف أن السعودية ستنجح بشكل كبير في هذه الصناعة، لا سيما مع توجه الرياض للاستغناء عن النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد، لافتاً إلى أن المملكة "ربما تفكر باستثمار عائدات النفط في مثل هذه الصناعات".