اقتصاد » تطوير بنى

استراتيجيات طموحة تضع الخليج على خريطة الذكاء الاصطناعي

في 2024/08/31

متابعات-

في زمن يشهد تطورات تكنولوجية متسارعة وتحولات اقتصادية جذرية، تتجه عديد من الدول، بما في ذلك دول بمجلس التعاون الخليجي، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، نحو استثمارات جديدة تهدف إلى تعزيز قدرتها التنافسية وتحقيق التنمية المستدامة.

في هذا السياق، يبرز الاهتمام المتزايد بمجالات الذكاء الاصطناعي والرقائق، بوصفها "النفط الجديد" أو "نفط المستقبل" الذي تسعى المنطقة إلى استثماره بشكل استراتيجي والانخراط بقوة في السباق العالمي.

تتنوع الأهداف الرئيسية للاهتمام بتلك التكنولوجيا، حيث تسعى دول خليجية إلى استخدامها لتحقيق التطور الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.

تركز دولة الإمارات العربية المتحدة، بشكل خاص، على استراتيجية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والرقائق، بهدف تحقيق التطور الاقتصادي وتعزيز مكانتها كمركز رائد في مجال التكنولوجيا والابتكار.

تتمثل استراتيجية الإمارات في الاستثمار في تلك التكنولوجيا في عدة محاور، منها تشجيع البحث والتطوير، وتعزيز التعليم والتدريب في مجالات الذكاء الاصطناعي والرقائق. كما تسعى الدولة أيضًا إلى تشجيع وجذب الاستثمارات في هذه القطاعات، وتوفير بيئة ملائمة للابتكار والتطوير، من خلال تشجيع إنشاء مراكز بحثية وتطويرية ومجتمعات تقنية.

وتتبنى الإمارات رؤية طموحة تتمثل في تحويلها إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، حيث تسعى إلى توفير بيئة ملائمة للشركات التقنية العالمية وجذب المواهب والخبرات في هذا المجال.

وبفضل رؤية حكيمة واستراتيجية مدروسة، تتقدم الإمارات بثقة نحو تحقيق هذا الهدف الطموح، مما يعزز مكانتها كواحدة من أبرز الوجهات للاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي والرقائق في المنطقة الخليجية وعلى الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ويأتي ذلك في وقت تتبنى فيه الدولة استراتيجية شاملة للتنمية الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على التحول الرقمي والابتكار التكنولوجي.

ويعد الذكاء الاصطناعي والرقائق، مكونان أساسيان للعمود الفقري للاقتصاد الرقمي الحديث، الذي تنخرط فيه بفاعلية دولة الإمارات، ولديها الرؤية الجريئة والمستقبلية لتحقيق ذلك.

ومن خلال "استراتيجية الذكاء الاصطناعي"، الأولى من نوعها إقليمياً وعالمياً، تظهر دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج رائد للاستثمار في التكنولوجيا وتطبيق الذكاء الاصطناعي والرقائق كأدوات رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للجميع.

ومؤخرًا اتخذت الإمارات خطوة غير مسبوقة، عبر تأسيس شركة استثمار تكنولوجية جديدة تركز على الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات هي "إم جي إكس" والتي تستهدف عقد صفقات يمكن تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار في غضون بضع سنوات، وهو ما يوازي خمس الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي.

العدوى الإماراتية الحميدة انتقلت إلى الجارة السعودية التي تخطط لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، وبحسب نيويورك تايمز الأميركية فإن المملكة التي تخوض ثورة فكرية واجتماعية واقتصادية بصدد عقد شراكة محتملة مع شركة آندرسن هورويتز وشركات ناشئة أخرى.

وتسابق أبوظبي والرياض الزمن لحجز مقاعد متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والفضاء.

أهداف وتحديات

من جهته، وصف المستشار الأكاديمي في جامعة ولاية سان خوسيه الأميركية الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والرقائق في الخليج كالنفط الجديد.

 وحدد الأهداف الرئيسية للتركيز على هذه التكنولوجيا في المنطقة:

التنويع الاقتصادي: تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل.

خلق فرص العمل: توفير فرص عمل جديدة للشباب في الخليج.

تعزيز الابتكار: تحفيز الابتكار في مختلف القطاعات.

رفع مستويات المعيشة: تحسين نوعية الحياة للمواطنين.

تعزيز القدرة التنافسية: زيادة قدرة دول الخليج على المنافسة في الاقتصاد العالمي.

كما عدد العوامل التي تتوفر بناء عليها فرص نجاح الاستثمار بالذكاء الاصطناعي في الإمارات ودول خليجية أخرى:

الإرادة السياسية: دول الخليج ملتزمة بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقائق.

الموارد المالية: تمتلك دول الخليج ثروات كبيرة يمكن استخدامها لتمويل الاستثمارات في هذه المجالات.

القوى العاملة الماهرة: يتزايد عدد الخريجين في الذكاء الاصطناعي والهندسة الكهربائية في دول الخليج.

بيئة صديقة للأعمال: توفر دول الخليج بيئة جاذبة لجذب الاستثمارات الأجنبية في هذه المجالات.

 وأكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد رائدة في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي والرقائق، مشيرًا إلى أن الحكومة أطلقت عديداً من المبادرات لدعم هذه المجالات، مثل:

الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي: تهدف إلى جعل دولة الإمارات مركز عالمي للذكاء الاصطناعي.

مدينة مدينة ذكية: كمركز متخصص لتطوير وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي.

استثمارات شركة مبادلة للاستثمار، والصندوق الاستثماري بقيمة 10 مليارات دولار لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي.

استثمار أبوظبي في الذكاء الاصطناعي بقيمة 100 مليار دولار (من خلال إطلاق شركة MGX للاستثمار التكنولوجي).

وأكد بانافع على أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية في منطقة الخليج يمثل فرصة كبيرة للتنويع الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتعزيز الابتكار، مشددًا على قيام دول الخليج بمعالجة التحديات التي تواجه هذه الاستثمارات.

أعلن مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة، الذي أطلقهُ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في 22 يناير 2024، عن تأسيس شركة "إم جي إكس"؛ وهي شركة استثمار تكنولوجي، تهدف لتمكين وتطوير وتوظيف التكنولوجيا الرائدة، بهدف تحسين حياة الأجيال الحالية والمستقبلية.

ستكون مبادلة للاستثمار و"جي 42" شريكين مؤسسين في الشركة الجديدة.

سوف تستثمر الشركة بهدف تسريع تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، من خلال الدخول في شراكات في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم.

ستركز الاستراتيجية الاستثمارية لـ"إم جي إكس" على ثلاثة مجالات رئيسية هي: البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (بما في ذلك مراكز البيانات والتواصل)؛ وأشباه الموصلات (بما في ذلك تصميم وتصنيع وحدات الذاكرة والعمليات

المنطقية)؛ والتقنيات والتطبيقات الأساسية للذكاء الاصطناعي (بما في ذلك نماذج الذكاء الاصطناعي، والبرمجيات، والبيانات، وعلوم الحياة، والروبوتات).

ستعمل الشركة الجديدة على الاستفادة من استثمارات أبوظبي الحالية في هذه المجالات، كما ستقوم بتوظيف الاستثمارات جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا والاستثمار العالمية الرائدة.

وقال الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي، ورئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة: "نعمل على تأسيس شركة "إم جي إكس" كشركة وطنية تعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، بهدف بناء مستقبل تقوم فيه التكنولوجيا بدور كبير في خدمة الإنسانية وتعزيز مستوى الرفاهية والاستدامة والتواصل بين دول العالم".

وأضاف: "هدفنا الرئيسي هو تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وشاملة، بما يتماشى مع استراتيجية أبوظبي العالمية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي. سوف تستفيد شركة "إم جي إكس" من المكانة العالمية الرائدة لأبوظبي في مجال الابتكار والاستثمار، وستتعاون مع مجموعة من الشركاء العالميين في مجال التكنولوجيا. وستساهم الشركة في تعزيز مكانة دولة الإمارات كمركز استقطاب للمستثمرين ورواد الأعمال والموهوبين في مجال التكنولوجيا".

 سياسات اقتصادية جديدة

وإلى ذلك، أكد مدير تحليل البيانات في شركة Diamond Professional Consultants، أحمد الدسوقي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن دول مجلس التعاون حققت الريادة بالمنطقة في التحول الرقمي كبنية تحتية رقمية وبنية الاتصالات، وهو ما خلق فرصًا تجارية كبيرة لشركات الأنظمة وشركات منظومات الذكاء الاصطناعي، ما يعزز من الصناعة.

وأوضح أن:

المنطقة حاليًا تتخذ خطوات نحو التحول إلى مرحلة التحول الذكي كذكاء اصطناعي وذكاء الأعمال في اتخاذ القرارات وتحليل بيانات الوزارات لاتخاذ قرارات لحظية.

دول الخليج حققت طفرات على مستوى الصناعة، وهو ما ترُجم في شكل فرص تجارية وطرح الحكومات مناقصات على الشركات للعمل في السوق الخليجية.

دول الخليج بدأت الاعتماد على سياسة اقتصادية قائمة على تنويع الاستثمارات وعدم الاعتماد على النفط.. والعمل بقوة في مجال تكنولوجيا المعلومات.

على سبيل المثال دولة الإمارات شكلت مجلسًا للذكاء الاصطناعي، يهدف إلى تنفيذ استراتيجية الدولة للذكاء الاصطناعي وتعزيز مكانتها كدولة رائدة عالميًا في قطاع الذكاء الاصطناعي.

كما أن  هناك توقعات بأن يدعم الذكاء الاصطناعي الناتج الإجمالي للإمارات بـ352 مليار درهم (95.8 مليار دولار) في عام 2030، أي ما يعادل 14 بالمئة من الناتج المحلي، وفقًا لمركز "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" في أبوظبي.

وتشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في عام 2030. أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي الحالي لكل من الصين والهند مجتمعين.

واستطرد: "المملكة العربية السعودية أيضًا أنشأت هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي وبدأت ضخ استثمارات كبيرة في منظومات الذكاء الاصطناعي بالتطبيقات سواء الحكومية أو على مستوى الدولة، ما أدى إلى خلق كوادر لديهم المهارات الخاصة، إضافة إلى كوادر من الجنسيات الأخرى، وهو ما يطبق في دول الخليج جميعها، ما يعزز من ناتجها المحلي الإجمالي ".

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن الحكومة السعودية تخطط لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار تقريبا للاستثمار في مجال الذكاء الصناعي.

وبيّن مدير تحليل البيانات في شركة Diamond Professional Consultants أن تلك الدول تقوم حاليًا بضخ استثمارات ضخمة في منظومات الذكاء الاصطناعي ومنظومات ذكاء الأعمال وتحليلات البيانات، مشيرًا إلى أن مردود ذلك مستقبلًا يتمثل في:

دعم اتخاذ القرارات.

الاستثمارات ستعزز من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

استقطاب أفضل الكوادر والشركات في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات.

وأوضح أن هناك شركات عالمية متواجدة بالفعل في منطقة الخليج منها شركة أمازون  ومايكروسوفت التي استثمرت في دولة الإمارات العربية المتحدة (التي توسع شراكتها مع Group 42 في أبوظبي، لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وبنية الحوسبة السحابية في الإمارات)، إضافة إلى شركات كبرى من أوروبا.

وتوقع أن تحرز دول الخليج تقدمًا في صناعة الرقائق وأن تكون لديها حصة سوقية واسعة، خاصة مع تطور سوق الخدمات الإلكترونية، ما يظهر بانتشار الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر والخدمات الرقمية، مستطردًا: الخليج لديه رغبة أن يحصل على حصة سوقية لتوافر البيئة الحاضنة والبنية التحتية القوية والمستقرة.

كما بيّن أيضاً أن الدول حالياً تعمل على مكافحة الأمية الرقمية والفجوات الرقمية مثل كبار السن والأميين وسكان الحدود، وهو ما يعزز من الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية وبالتالي يعزز الطلب على الأجهزة الالكترونية والحاسبات.

وأشار إلى أن دولة الإمارات توجهاتها الاستثمارية متقدمة وتعد الأولى عربيًا في التحول الرقمية، متوقعًا أن يكون لديهم حصة سوقية للرقائق الإلكترونية خلال فترة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات نسبتها تتزايد مع الوقت وحينها ستتجه الشركات الكبرى للافتتاح في تلك الدول.