متابعات
في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم نحو استكشاف الفضاء وتطوير التقنيات الفضائية، تواصل المملكة العربية السعودية إثبات حضورها كقوة فاعلة في هذا المجال.
وفي إطار رؤيتها المستقبلية الطموحة "2030"، وضعت المملكة تطوير قطاع الفضاء ضمن أولوياتها الاستراتيجية، باعتباره محركاً رئيسياً لتحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي.
ويأتي هذا التوجه مدفوعاً بالإمكانات الواعدة التي يحملها استكشاف الفضاء وصناعة الأقمار الصناعية في تطوير الاتصالات، وتحسين نظم الملاحة، ومواجهة التحديات البيئية.
خُطا متواصلة
وأعلنت وكالة الفضاء السعودية إطلاق مركز "مستقبل الفضاء"، الذي يأتي تتويجاً لاتفاقية مبرمة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، في أبريل الماضي، والذي سيكون الأول من نوعه، حسب الموقع الرسمي للوكالة.
وأعلن المركز -وفق ما نقلته صحيفة "الرياض"- عن تشكيل مجلس إدارته، الذي يضم نخبة متميزة من الخبراء الدوليين البارزين، حيث رأس المجلس الدكتور محمد بن سعود التميمي، ويضم في عضويته نائب وزير الاقتصاد والتخطيط، المهندس عمار نقادي، إلى جانب المدير الإداري للمنتدى الاقتصادي العالمي جيريمي يورجينز، والرئيس التنفيذي لمجموعة نيو للفضاء مارتين بلانكن.
كما يضم المجلس شخصيات مرموقة مثل كام غفاريان، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمجلس إدارة "أكسيوم سبيس"، وسوسميتا موهانتي، مؤسسة "سبيس بورت سارابهاي"، حيث يجسد هذا التشكيل بخبراته المتنوعة ورؤيته الاستراتيجية قاعدة قوية لدعم تحقيق أهداف المركز الطموحة.
وخلال المنتدى الدولي للشبكات غير الأرضية، المنعقد بالرياض في 25 نوفمبر الماضي، أوضح يورجينز أن مجلس إدارة المركز عقد أول اجتماعاته مؤخراً لبحث خطط العام المقبل.
وتركز هذه الخطط على تعزيز استدامة الفضاء وإتاحته عالمياً، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات لتعزيز اقتصاد الفضاء، بما يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية مستدامة، وفق ما قاله يورجينز.
ومن جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء السعودية ورئيس مجلس إدارة مركز "مستقبل الفضاء"، خلال حديثه مع وكالة الأنباء القطرية، أن هذا المركز يُعد خطوة نوعية تعزز مكانة المملكة على الساحة العالمية في مجال الفضاء.
وأوضح أن المملكة تهدف من خلال المركز إلى بناء اقتصاد فضائي مستدام وحيوي، بالإضافة إلى تعزيز تبادل الخبرات وتطوير المعرفة، مع تحسين آليات التعاون والشراكة.
كما أشار إلى أن إطلاق المركز يمثل خطوة مهمة نحو تمكين البشرية من استثمار إمكانات الفضاء الشاسعة بمسؤولية ووعي.
ومن الجدير بالذكر أن "مركز مستقبل الفضاء" يهدف إلى تأسيس منصة عالمية تسهم في تعظيم الفوائد الاقتصادية والبيئية لقطاع الفضاء، مع وضع سياسات تنظيمية متقدمة وتحفيز الابتكار التقني.
كما يدعم المركز طموح المملكة إلى الانضمام بقوة إلى مجتمع الثورة الصناعية الرابعة، وتعزيز التعاون مع شركاء دوليين لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في هذا المجال، بما ينسجم مع رؤيتها المستقبلية.
اهتمامات وأهداف
ويقول الباحث الدكتور حبيب الهادي، إن السعودية لها بصمة كبيرة في قطاع الصناعات الفضائية، مشيراً إلى أن دول الخليج بشكل عام لها اهتمامات كبيرة في هذا القطاع.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن إنشاء السعودية مركزاً جديداً في قطاع الفضاء يأتي ضمن محاور رؤية المملكة، والتي تهدف لتوسعة دورها في هذا القطاع.
ويبيّن الهادي أن الاهتمام السعودي الكبير بقطاع الفضاء يأتي ضمنه إنشاء المركز الجديد، والذي سيكون له دور مهم في تعزيز موقع المملكة على الخارطة العالمية في الصناعات الفضائية.
ويشير الباحث إلى أن هناك برامج عديدة تسهم في تعزيز القطاع الفضائي في المملكة، منها الاهتمام برواد الفضاء السعوديين، يضاف إليها البعثات العلمية، واهتمام الجامعات بهذا القطاع.
ويؤكد الهادي أن اهتمام المملكة بقطاع الفضاء له مردودات إيجابية على الأمن القومي وعلى الناتج المحلي وعلى القوة الاقتصادية، إذ إن العالم اليوم يتجه إلى هذا القطاع بشكل كبير، سواء من خلال الأقمار الاصطناعية والتصوير الفضائي، وغيره من الجوانب العسكرية والعلمية.
تطوير سوق الفضاء
خطت المملكة خطوات استراتيجية في بناء قطاع الفضاء وتعزيز دوره في الاقتصاد المحلي، ففي يونيو 2023، تم تحويل "الهيئة السعودية للفضاء" إلى "وكالة الفضاء السعودية"، بهدف تطوير سوق الفضاء وتحفيز الابتكار فيه.
وفي مايو الماضي، أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي شركة "نيو للفضاء" (NSG)، المتخصصة في تقنيات الأقمار الاصطناعية وخدمات الفضاء، لتعزيز مكانة المملكة في هذه الصناعة المتنامية.
ووقّعت المملكة والبرازيل، في سبتمبر الماضي، اتفاقية تعاون استراتيجي في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، وذلك في مدينة فوز دو إيغواسو البرازيلية، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس".
وتشمل الاتفاقية مجالات متعددة، من بينها أبحاث علوم الفضاء، والاستشعار عن بعد، وتقنيات الاتصالات الفضائية، ورصد الفضاء والطقس، إلى جانب البحث والتطوير في الأقمار الصناعية والبنية التحتية للأنظمة الفضائية.
وفي الشهر ذاته، ناقشت وكالة الفضاء السعودية مع شركة "SpaceX" تعزيز الشراكة الاستراتيجية في مجالات استكشاف الفضاء، وتوسيع نطاق التعاون في التقنيات المتقدمة، إلى جانب تطوير الكفاءات الوطنية في قطاع الفضاء.
جاء ذلك خلال اجتماع رئيس مجلس إدارة الوكالة، عبد الله السواحه، مع رئيسة "SpaceX" جوين شوتويل وعدد من قيادات الشركة، وذلك ضمن زيارته الرسمية للولايات المتحدة، وفقاً لصحيفة "الاقتصادية" السعودية.
كما عززت المملكة تعاونها مع الولايات المتحدة عبر توقيع اتفاقية استراتيجية في يوليو 2023 لتطوير البرامج الفضائية المشتركة للأغراض السلمية، مما يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار ونقل المعرفة.
وفي يوليو الماضي، وقعت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقية تعاون استراتيجي في مجال استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.
وفي تصريحات سابقة، توقّع محمد التميمي، أن ينمو قطاع الفضاء في المملكة بمعدل سنوي مركب بين 11 و13% حتى عام 2035، متفوقاً على المعدل العالمي البالغ 9%.
وأكد أن القطاع يشكّل جزءاً أساسياً من رؤية السعودية لتنوع الاقتصاد واستغلال الفرص المستقبلية.
وأشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن اقتصاد الفضاء قد يصل إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035، وفقاً لتقديرات يورجينز.
وشدّد على الإمكانات الكبيرة التي يتيحها الفضاء في مجالات مثل الخدمات اللوجستية، وسلاسل التوريد، والتكنولوجيا المتقدمة.
كما يمكن استغلال الفضاء لتطوير الزراعة، حيث يتميز بخصائص فريدة تتيح رياً أكثر كفاءة، وتقليل الاعتماد على المواد الكيميائية، وتسريع إيصال المحاصيل إلى الأسواق.
وأكد يورجينز أن التعاون بين القطاعين العام والخاص ضروري لتطوير قطاع الفضاء، مشيراً إلى أهمية وجود إطار تنظيمي شامل وبيئة تشريعية محفزة لضمان تحقيق أقصى استفادة من الفضاء كمورد عالمي مشترك.
ومن الجدير بالذكر أن المملكة أرسلت أول رائد فضاء عام 1986، وهو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، ثم أرسلت رائدي الفضاء ريانة برناوي وعلي القرني إلى محطة الفضاء الدولية، في مايو الماضي، أي بعد نحو 37 سنة.