سلمى حداد - الخليج أونلاين
تعد العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية ودول النمور الآسيوية (كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايوان، وهونغ كونغ) نموذجاً بارزاً للتعاون الدولي الذي يركز على التنمية المستدامة والابتكار النوعي.
ومع استمرار السعودية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في إطار رؤية 2030، أصبحت هذه العلاقات أكثر استراتيجية، حيث تمثل دول النمور الآسيوية شريكاً رئيسياً في تحقيق التحول الاقتصادي الطموح للمملكة.
سنغافورة
أحدث الخطوات التي أقدمت عليها السعودية في هذا الإطار كان توقيعها اتفاقية لتأسيس مجلس شراكة استراتيجية مع سنغافورة، إحدى أقوى دول "النمور الآسيوية".
وحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن وزير الخارجية فيصل بن فرحان وقع مع نظيره السنغافوري فيفيان بالاكريشنان، على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، على هامش زيارة أجراها الوزير السعودي للعاصمة سنغافورة.
وذكرت الوكالة أن الاتفاقية الموقعة تعكس مضي المملكة وسنغافورة قدماً في تعزيز علاقاتهما في مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية والتنموية، والسعي لرفع حجم التبادل التجاري، بما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين البلدين.
وقال بن فرحان في مؤتمر صحفي، عقب توقيع الاتفاقية: إن "تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين يُعد فرصة ثمينة لتعزيز التعاون والشراكة في مختلف القطاعات، لا سيما في إطار المبادرات المرتبطة برؤية المملكة 2030".
وأكد أن سنغافورة تُعد واحدة من أهم المراكز المالية في العالم، معرباً عن تطلع المملكة إلى مواصلة التعاون معها لتحقيق فوائد اقتصادية أوسع.
وتنظر الرياض إلى سنغافورة كواحدة من أهم المراكز المالية في العالم، ولذلك يهدف مجلس الشراكة الاستراتيجية إلى تحقيق فوائد اقتصادية أكبر، بما يتسق مع قدرات البلدين ويتماشى مع مصالحهما المشتركة.
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، فإن المملكة ترتبط بعلاقات اقتصادية واستثمارية مميزة مع سنغافورة، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار دولار في العام 2024، حسب بيانات رسمية سعودية.
وفي أكتوبر 2023، اتفق البلدان على رفع مستوى العلاقة بينهما إلى مستوى شراكة استراتيجية، خلال زيارة رئيس الوزراء السنغافوري السابق لي هسين لونج، إلى السعودية ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الرياض.
ومن المتوقع أن يسهم هذا التعاون في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وتعزيز الشراكة في مجالات التكنولوجيا، الاستثمار، والتنمية المستدامة.
كوريا الجنوبية
لطالما كانت كوريا الجنوبية واحدة من أكبر شركاء المملكة التجاريين، بفضل التبادلات التي تعتمد على النفط والمنتجات المشتقة منه.
ووفقاً لتقرير لوزارة التجارة السعودية صادر في سبتمبر 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 554 مليار ريال (147.61 مليار دولار) خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعكس قوة الشراكة الاقتصادية بينهما.
وتستورد كوريا الجنوبية نحو 30% من نفطها الخام من المملكة، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الإمدادات السعودية.
وفي إطار رؤية 2030، سعت المملكة لتعزيز الشراكة مع كوريا الجنوبية من خلال استثمارات في مشروعات التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية.
وأبرز الأمثلة على ذلك هو اتفاق وزارة الاستثمار السعودية مع شركة "هيونداي روتيم" الكورية لتطوير مشاريع السكك الحديدية ضمن مشروع مدينة "نيوم".
ويمثل هذا المشروع نقلة نوعية في التعاون بين كوريا الجنوبية والسعودية، ويهدف إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تايوان
تايوان، التي تتمتع بمكانة عالمية في تصنيع أشباه الموصلات والتكنولوجيا الدقيقة، تقدم فرصاً غير محدودة للسعودية لتطوير قطاعاتها الصناعية.
ومع تحول المملكة إلى مركز صناعي متقدم، يمكن للتعاون مع تايوان أن يؤدي دوراً رئيسياً في تطوير الصناعات التحويلية والإلكترونية.
وشهد حجم التبادل التجاري بين السعودية وتايوان تذبذباً على مر السنوات؛ وفي عام 2017، بلغ نحو 26.2 مليار ريال سعودي (7 مليارات دولار أمريكي)، حيث بلغت صادرات المملكة إلى تايوان نحو 19.5 مليار ريال (5.2 مليارات دولار)، والواردات منها نحو 6.7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار).
وتُعد المملكة من بين أكبر موردي النفط لتايوان، حيث تعتمد الأخيرة بشكل كبير على النفط السعودي لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وتتضمن الصادرات السعودية إلى تايوان بشكل رئيسي النفط الخام ومشتقاته، إضافة إلى المنتجات البتروكيماوية مثل الأسمدة والمنتجات الكيماوية.
من ناحية أخرى تستورد المملكة من تايوان مجموعة متنوعة من السلع، أبرزها منتجات الكمبيوتر، وقطع غيار السيارات، وأدوات المكاتب، والآلات الصناعية.
هونغ كونغ
أما هونغ كونغ، باعتبارها مركزاً مالياً عالمياً، فهي توفر منصة مثالية للسعودية للتواصل مع الأسواق المالية الآسيوية.
وتُعد العلاقات الاقتصادية بين المملكة وهونغ كونغ جزءاً مهماً من استراتيجية المملكة لتعزيز التعاون مع المراكز المالية العالمية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
وشهدت العلاقات التجارية بين السعودية وهونغ كونغ تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.
وفي عام 2023، بلغت الصادرات غير النفطية من المملكة إلى هونغ كونغ نحو مليار ريال سعودي (266.44 مليون دولار)، بينما بلغت الواردات غير النفطية نحو 6.6 مليارات ريال سعودي (1.76 مليار دولار).
ووقع صندوق الاستثمارات العامة السعودي وسلطة النقد في هونغ كونغ، في أكتوبر 2024، مذكرة تفاهم لإنشاء صندوق استثماري مشترك بقيمة مستهدفة تصل إلى مليار دولار.
ويهدف هذا الصندوق إلى الاستثمار في قطاعات الصناعة، والطاقة المتجددة، والتقنية المالية، والرعاية الصحية، مما يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
وفي ديسمبر 2024، وقعت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية مذكرة تفاهم مع دائرة الجمارك والضرائب في هونغ كونغ للتعاون في المسائل الجمركية.
وتهدف هذه المذكرة إلى تسهيل حركة التجارة وتنسيق الإجراءات الجمركية، مما يعزز التكامل الاقتصادي بين الجانبين.
محور استراتيجي لتحقيق رؤية 2030
وحول رؤيته لهذه العلاقات، أكد الخبير الاقتصادي منير سيف الدين أن العلاقات الاقتصادية بين السعودية ودول النمور الآسيوية تُعدّ محوراً استراتيجياً لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، مشيراً إلى أن هذه الدول تمثل شريكاً رئيسياً في جهود المملكة لتنويع اقتصادها والانتقال إلى اقتصاد مستدام قائم على المعرفة والابتكار.
وأوضح سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول النمور الآسيوية شهد نمواً لافتاً في السنوات الأخيرة، حيث تعززت العلاقات بفضل التعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة والصناعات التحويلية.
وأشار إلى أن هذه الدول تمتلك تجارب رائدة في تطوير البنية التحتية، وتعزيز الابتكار، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، ما يجعلها شريكاً مثالياً للمملكة في تنفيذ مشروعاتها الطموحة.
"رؤية السعودية 2030 تعتمد بشكل كبير على نقل التكنولوجيا، ورفع كفاءة القطاعات الصناعية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، بما لديها من خبرات في التقنية الحديثة والطاقة المتجددة، تؤدي دوراً محورياً في هذا التحول"، يقول سيف الدين.
ولفت إلى أن دور دول النمور الآسيوية لا يقتصر على تقديم التكنولوجيا والاستثمارات، بل يشمل أيضاً تبادل المعرفة وبناء القدرات.
"السعودية تستفيد من الخبرات الآسيوية في تطوير قطاعات مثل التعليم والذكاء الاصطناعي، ما يعزز من تنافسية المملكة على المستوى الإقليمي والعالمي"، وفق تعبيره.
وختم سيف الدين بالقول إن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين السعودية ودول النمور الآسيوية يبدو واعداً، خاصة مع التزام الجانبين بتوسيع التعاون في القطاعات الحيوية.
واعتبر أن هذه الشراكة ليست مجرد تعاون اقتصادي، بل هي نموذج للتكامل الاستراتيجي الذي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة للطرفين، ويعكس رؤية السعودية الطموحة لتحقيق تحول شامل في اقتصادها.