اقتصاد » تطوير بنى

بتصميم تركي.. قطار الخليج ينطلق نحو ربط اقتصادي شامل

في 2025/04/20

طه العاني - الخليج أونلاين

تواصل دول مجلس التعاون الخليجي جهودها لإنجاز مشروع الربط السككي كخطوة حيوية نحو تكامل إقليمي طال انتظاره، ليحوّل رؤية التعاون من التخطيط إلى التنفيذ.

ويكتسب المشروع المرتقب بعداً استراتيجياً لا يقتصر على تسهيل النقل، بل يتعداه إلى تعزيز التجارة والسياحة وتقليل التكاليف اللوجستية، ما يرسّخ مكانة الخليج كلاعب اقتصادي مهم في المنطقة والعالم.

تصميم تركي

وفي خطوة تمثل انخراطاً فعلياً ضمن مشروع الربط الإقليمي للسكك الحديدية بين دول مجلس التعاون، بدأت دولة الكويت بوضع لبنات التنفيذ الأولى لمسارها في مشروع "القطار الخليجي"، عبر توقيع عقد دراسة وتصميم تفصيلي للمرحلة الأولى من المشروع مع شركة "برويابي" التركية.

وجاء توقيع العقد وسط تأكيد رسمي بأن هذا التحرك يأتي في سياق الالتزام برؤية قادة دول مجلس التعاون لتعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي عبر بنية تحتية مترابطة.

وبحسب ما نشرته صحيفة "الراي" الكويتية، في 7 أبريل الجاري، فقد أوضحت وزيرة الأشغال العامة نورة المشعان، أن المشروع يستند إلى تصور استراتيجي شامل يربط دول المجلس عبر خط سكة حديد يمتد لمسافة 2177 كيلومتراً من الكويت إلى مسقط، ويمر بجميع العواصم الخليجية.

وأضافت أن المسار الكويتي يبدأ من محطة الشدادية، التي تمتد على مساحة مليوني متر مربع، ويصل إلى منطقة النويصيب بطول يبلغ 111 كيلومتراً، وتمثّل الكويت 5% من مسار الربط السككي لدول الخليج العربية.

وأكدت المشعان أن توقيع العقد مع الاستشاري التركي جاء بعد استكمال جميع الموافقات الرقابية، لافتة إلى أن المرحلة الحالية تتضمن إعداد وثائق مناقصة التنفيذ بعد انتهاء التصاميم، تمهيداً لطرح المشروع في مرحلة التنفيذ الفعلية.

من جانبه كشف مدير عام هيئة الطرق والنقل البري خالد ضاوي، أن الاستشاري سيُنهي الأعمال التصميمية ووثائق المشروع خلال 12 شهراً، بعقد قيمته 2.46 مليون دينار كويتي (نحو 8 ملايين دولار)، وأشار إلى أن مدة التنفيذ المتوقعة تمتد إلى ثلاث سنوات، مع استهداف استكمال المشروع الخليجي بشكل متكامل بحلول عام 2030.

بدوره أكد الوكيل المساعد لقطاع التخطيط في وزارة الأشغال أحمد الصالح، أهمية المشروع الذي سيسهم في تعزيز الحركة الاقتصادية والاجتماعية بين دول الخليج، من خلال تسهيل حركة نقل الركاب والبضائع، موضحاً أنه يختلف عن خط الكويت - الرياض الجاري العمل عليه ضمن اللجنة التنفيذية الكويتية - السعودية.

آمال وتحديات

ويؤكد المحلل الاستراتيجي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي، الأهمية الاستراتيجية لمشروع القطار الخليجي في تعزيز التكامل بين دول الخليج، مبيناً أنه سيسهم بشكل فعال في تنشيط الحركة التجارية وتنمية قطاع السياحة على مستوى المنطقة.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن القطار الخليجي سيعمل على تسهيل وتسريع عمليات التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، مما سيؤدي إلى خفض التكاليف اللوجستية.

ويرى الشتلي أن المشروع أيضاً سيسهم في نقل الركاب والسياح بكفاءة أكبر، وتحسين الاتصال الإقليمي بين دول المجلس، وتقليل الوقت والتكلفة اللازمين للتنقل بين المدن والموانئ الرئيسية.

ويشير خير الشؤون الإقليمية إلى أن المشروع سيعزز أيضاً التدفقات التجارية ويجذب مزيداً من الاستثمارات المحتملة إلى المنطقة.

ويحدد المتحدث أبرز التحديات أمام تنفيذ مشروع القطار الخليجي:

العوامل السياسية: مستوى التعاون والعلاقات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء، والاستقرار الجيوسياسي.
العوامل الاقتصادية: التوفيق بين الاستثمارات الحالية في البنية التحتية الأخرى للنقل ومواءمة الرؤى الاقتصادية.
العوامل الفنية: تعقيدات المشروع في التضاريس المتنوعة، والحاجة إلى حلول هندسية مبتكرة ومتسقة.
مخاطر المقاولين: ضرورة التنسيق الفعال بين الشركات المنفذة لتجنب التأخير والاختلالات التشغيلية.

ولضمان نجاح المشروع يقترح الشتلي إنشاء هيئة للسكك الحديدية لدول الخليج تتولى الإشراف على التنفيذ، وتوحيد المعايير والمواصفات، وضمان التشغيل البيني والتكامل الإقليمي، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات قوية لإدارة المخاطر وقنوات اتصال فعالة وإجراءات صارمة لمراقبة الجودة.

وفيما يتعلق بتوحيد الأنظمة والتشريعات يشير الشتلي إلى جهود دول المجلس في استكمال الاتحاد الجمركي واعتماد التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة كخطوات مهمة نحو تسهيل تشغيل الشبكة عبر الحدود.

ويؤكد أن مشروع الربط السككي سيسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى القطاعات اللوجستية والصناعية المرتبطة بالشبكة، من خلال تسهيل حركة البضائع والركاب وتوحيد الأنظمة.

ويتوقع الشتلي أن يتحول المشروع إلى بوابة ربط رئيسية بين آسيا وأوروبا، ونقطة ارتكاز لوجستية عالمية، خاصة مع مشاريع الربط الأخرى، مما يعزز دور المنطقة في التجارة الدولية.

مسار المشروع وأهميته

تعد شبكة السكك الحديدية الخليجية مشروعاً استراتيجياً ضخماً يعكس طموحات دول مجلس التعاون في تعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين أعضائها.

ورغم التحديات المتعددة التي واجهت المشروع، على مدار السنوات، من أزمات اقتصادية عالمية إلى تقلبات أسعار النفط، إلا أن الأفق يزداد وضوحاً مع استمرار تقدم التنفيذ وتحديد عام 2030 كموعد نهائي لإتمام الشبكة بالكامل.

وشهد المشروع تحولاً لافتاً في عام 2023، عندما وضعت دول مجلس التعاون قواعد إدارية ومالية لتنظيم هيئة السكك الحديدية الخليجية، ما أسهم في تحريك عجلة المشروع مرة أخرى.

ويشير تقرير نشرته "CNN الاقتصادية"، في مطلع ديسمبر الماضي، إلى أن أبريل 2024 مثّل علامة فارقة في تحقيق التكامل الإقليمي، مع إعلان بدء تنفيذ الجزء الذي يربط سلطنة عمان بدولة الإمارات.

وبحسب المخططات التي أعدتها دول مجلس التعاون الخليجي، تمتد شبكة السكك الحديدية من الكويت مروراً بالدمام السعودية، وتنقسم إلى مسارين: أحدهما يتجه نحو البحرين وقطر عبر جسرين بحريين، والآخر يسير جنوباً على السواحل الشرقية للسعودية.

وسيربط بين المسارين في ميناء سلوى، حيث يمتد المشروع جنوباً عبر الإمارات وصولاً إلى مسقط، ويهدف إلى تسهيل نقل الركاب والبضائع بسرعة تصل إلى 220 كيلومتراً في الساعة لقطارات الركاب، في حين ستسير قطارات البضائع بسرعة تتراوح بين 80 و120 كيلومتراً في الساعة.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن التكلفة الإجمالية لاستكمال الشبكة قد تصل إلى 15 مليار دولار أمريكي، وفقاً لتوقعات وزراء الاقتصاد في دول المجلس.

ويعد مشروع "سكة حديد الخليج" أكثر من مجرد شبكة للنقل، فهو يمثل ركيزة أساسية لتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.

وتطمح دول الخليج من خلال تدشين هذا المشروع إلى تقليل تكاليف النقل، وتحسين التجارة بين الدول الأعضاء، وتخفيف الضغط على الطرق البرية، كما يسهم في تعزيز السياحة وربط الموانئ الكبرى بالشبكة التجارية العالمية.

وفي حين أن بعض الأجزاء من المشروع قد أنجزت أو في طور التنفيذ، فإن التكامل الكامل للشبكة سيوفر رافداً كبيراً للاقتصاد الإقليمي، مع فتح أبواب جديدة للتجارة البينية وتعزيز موقع دول مجلس التعاون على الساحة الاقتصادية العالمية.