في 2025/10/23
كمال صالح - الخليج أونلاين
في خطوة جديدة تصب في خانة تعزيز الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط، وضمن أهداف وخطط رؤية 2040، أصدر سلطان عُمان هيثم بن طارق، الأربعاء (9 أكتوبر 2025)، مرسومين بإنشاء منطقتين اقتصاديتين خاصتين.
وبموجب المرسومين سيجري إنشاء المنطقتين، في محافظتي الظاهرة والبريمي، في خطوة تمثل "دفعة قوية" لمسار التنمية، وجذب الاستثمارات إلى المناطق الحدودية.
المراسيم التي نُشرت في الجريدة الرسمية تأتي ضمن مساعي السلطنة لتوسيع قاعدة المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، التي تمثل إحدى ركائز التنويع والاستثمار طويل الأمد في البلاد، فكيف سينعكس ذلك على اقتصاد السلطنة؟
نقطة تحوّل
المرسوم السلطاني رقم (87/2025) نص على إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة بمحافظة الظاهرة على مساحة من الأراضي الواقعة في ولاية عبري، على أن تتولى الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة (OPAZ) إدارة وتطوير وتشغيل المنطقة.
أما المرسوم رقم (88/2025)، فقد أقرّ إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في الروضة بولاية محضة بمحافظة البريمي، لتخضع بدورها لإشراف الهيئة ذاتها، مع منح المستثمرين فيها حزمة من الإعفاءات والحوافز التي يتيحها قانون المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة.
ووفق وكالة الأنباء العُمانية، فإن المنطقتين ستدخلان حيز التنفيذ اعتباراً من اليوم التالي لنشر المرسومين، أي من يوم الخميس (9 أكتوبر)، في وقتٍ تتجه فيه السلطنة لتفعيل مشاريع تنموية كبرى على الحدود الغربية والشمالية، لتعزيز الروابط التجارية مع كلٍّ من السعودية والإمارات.
تنويع الاقتصاد
ويمثل قرار إنشاء المنطقتين الاقتصاديتين، في ولاية عبري، بمحافظة الظاهرة، ونيابة الروضة، بمحافظة البريمي، ترجمة للتوجه الوطني نحو تنويع الاقتصاد العُماني، واستثمار المزايا الجغرافية والاقتصادية التي تتمتع بها كلتا المحافظتين.
وبحسب وكالة الأنباء العُمانية فإن هاتين المنطقتين ستسهمان، في دعم القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وتنشيط الحركة التجارية واللوجستية، بما يُسهم في تحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040".
ووفقاً لنائب رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، بسلطنة عُمان، أحمد بن حسن الذيب، فإن المنطقتين، ستتيحان "البيئة الاستثمارية لتكون أكثر جذباً للأعمال المحلية والأجنبية، وتعزز من تنافسية سلطنة عُمان على المستويين الإقليمي والدولي".
وأشار الذيب، إلى أنه سيتم توفير بنية أساسية متكاملة وخدمات نوعية تُشجّع المستثمرين على إقامة مشاريعهم الصناعية والتجارية والخدمية، بما يعزز دورها كأداة رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة وجذب الاستثمارات النوعية التي تُسهم في بناء اقتصاد متنوع وقادر على المنافسة.
رابط عابر للحدود
المنطقة الاقتصادية في الظاهرة، الواقعة بمحاذاة الحدود السعودية، تمثل بعداً جغرافياً واستراتيجياً جديداً، إذ يُتوقَّع أن تكون منصة لتجارة العبور (الترانزيت)، ومركزاً لوجستياً للسلع المتجهة من وإلى المملكة، مدعومةً بشبكة الطرق الحديثة التي تربط عبري بميناء الدقم وميناء صحار.
وبفضل موقعها الجغرافي الذي يبعد عن منفذ الربع الخالي الحدودي قرابة 20 كيلومتراً، وقرابة 105 كيلومترات عن مشروع مدينة عبري الصناعية، ستدعم هذه المنطقة قطاعات الصناعات التحويلية والغذائية والخدمات اللوجستية، ما يجعلها مركزاً حيوياً لتطوير سلاسل الإمداد.
أما منطقة الروضة في البريمي، القريبة من الحدود الإماراتية، فتأتي لتكمّل حلقة الربط التجاري عبر الممرات البرية بين السلطنة والإمارات، وتتيح للمستثمرين بيئةً مثالية للأنشطة الصناعية والخدمية والخفيفة، مستفيدة من قربها من أسواق ضخمة وبنية تحتية متقدمة.
ووفق نائب رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية العُمانية، ستكون هذه المنطقة "رافداً مهماً لتعزيز الأنشطة الاقتصادية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، مستفيدة من شبكة الطرق الرئيسة وقربها من ميناء صحار وميناء جبل علي في إمارة دبي، ويبعد موقع المنطقة عن ولاية البريمي حوالي 85 كيلومتراً، وعن ولاية صحار 125 كيلومتراً.
وستسهم هذه المنطقة في تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال تشجيع الاستثمارات في مجالات التجارة والخدمات والنقل والأنشطة اللوجستية، بما يوفر فرص عمل جديدة، ويسهم في تطوير المجتمعات المحلية ورفع مستوى الخدمات والبنية الأساسية.
كما ستتحول إلى بيئة مهيأة لإقامة مختلف الأعمال والمشروعات وتنميتها في العديد من القطاعات الاقتصادية كالصناعة والسياحة والتعليم والصحة والاستيراد والتصدير وغيرها، بالإضافة إلى تنشيط الحركة التجارية في محافظة البريمي بشكل عام.
ويرى مراقبون أن إنشاء هاتين المنطقتين يشكّل تحولاً في سياسة توزيع التنمية، عبر نقل جزءٍ من النشاط الاقتصادي من السواحل إلى الداخل، بما يعزز فرص العمل المحلية، ويُحفّز الاستثمارات في محافظات لم تنل سابقاً نصيباً وافراً من المشاريع الكبرى.
رؤية مدروسة
بحسب الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، فإن الهدف من التوسع في إنشاء مثل هذه المناطق هو تحفيز الاستثمار الخاص، ورفع مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، تماشياً مع مستهدفات الخطة الخمسية العاشرة (2021–2025).
ووفق بيانات وزارة الاقتصاد العُمانية، بلغ متوسط النمو الفعلي للناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2021 إلى 2024 نحو 3.4%، وهو مستوى قريب من المستهدف البالغ 3.5%. وتتوقع الوزارة أن يرتفع إلى 2.2% بنهاية 2025، مدفوعاً بتخفيف قيود تحالف "أوبك بلس" وزيادة إنتاج النفط، إضافة إلى تحسن أداء القطاعات غير النفطية.
كما تُشير تقديرات وزارة المالية إلى أن إجمالي الناتج المحلي للسلطنة بالأسعار الجارية بلغ في الربع الأول من 2025 نحو 10.5 مليار ريال عُماني، بزيادة 4.7% عن الفترة نفسها من العام الماضي، في حين سجّلت الأنشطة غير النفطية ارتفاعاً بنحو 4.1%، مما يعكس تحسناً في بيئة الأعمال.
استثمار في الجغرافيا
قرار إنشاء منطقتين اقتصاديتين لا تُقرأ بمعزل عن التحولات ضمن "رؤية عمان 2040"، التي تسعى إلى تنمية المحافظات كافة، وتوظيف موقع السلطنة الاستراتيجي لربط الخليج بالمحيط الهندي.
الظاهرة والبريمي تمثلان حدوداً حيوية، ما يجعل من الاستثمار فيهما رهاناً اقتصادياً وجيوسياسياً على حد سواء، إذ تعزّزان التكامل التجاري الخليجي، وتفتحان المجال أمام حركة البضائع والخدمات، بما يدعم استراتيجية السلطنة للتحول إلى دولة عبور إقليمي.
ويُتوقّع أن تُركّز المشاريع في المنطقتين الجديدتين على الأنشطة الصناعية الخفيفة، والخدمات اللوجستية، والصناعات الغذائية، والتعبئة والتغليف، فضلاً عن مشروعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة التي تتماشى مع التحول الأخضر الذي تتبناه الحكومة.
منعطف استراتيجي بمسار التنمية
وفي السياق اعتبر الخبير الاقتصادي منير سيف الدين أن قرار إنشاء المنطقتين الاقتصاديتين في سلطنة عمان يمثل منعطفاً استراتيجياً في مسار التنمية العُمانية، ويعبر عن انتقال رؤية "عُمان 2040" من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ العملي على الأرض.
وقال سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن إنشاء المنطقتين "ليس مجرد توسعة جغرافية للمشروعات الاستثمارية، بل هو إعادة توزيع ذكي لمصادر النمو الاقتصادي بما يضمن تحقيق التنمية المتوازنة بين المحافظات، وفتح مسارات جديدة لتوليد فرص العمل وجذب رؤوس الأموال".
وأضاف أن اختيار محافظتي الظاهرة والبريمي تحديداً يعكس وعياً استراتيجياً في توظيف الموقع الجغرافي للسلطنة لتعزيز حضورها الإقليمي.
ويوضح أن "الظاهرة تمثل البوابة الغربية لعُمان نحو السعودية، فيما تشكل البريمي حلقة وصل اقتصادية ولوجستية مع الإمارات، ما يجعل المنطقتين بمنزلة ركيزتين أساسيتين لتكامل عُمان في منظومة التجارة الخليجية العابرة للحدود".
وأشار سيف الدين إلى أن المرسومين السلطانيين الجديدين يفتحان الباب أمام تحول نوعي في خريطة الاستثمار العُماني، خاصة في القطاعات غير النفطية التي تستهدفها الحكومة مثل الخدمات اللوجستية، والصناعات التحويلية، والطاقة المتجددة.
ورأى أن المنطقتين ستشكلان بيئة واعدة للشركات المحلية والعالمية الراغبة في الاستثمار في بيئة مستقرة تتوفر فيها بنية تحتية حديثة، وأنظمة واضحة، وحوافز مالية وضريبية مشجعة.
ويبين أن الحوافز والإعفاءات التي تتيحها الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وفقاً لقانونها الجديد، "ستجعل من الظاهرة والبريمي وجهتين استثماريتين قادرتين على المنافسة إقليمياً".
وشدد على أن السلطنة تراهن على جذب استثمارات نوعية طويلة الأمد تسهم في نقل التكنولوجيا، وتوطين الخبرات، وبناء سلاسل إمداد محلية ترتبط بالموانئ الرئيسية مثل صحار والدقم.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن التوجه نحو إنشاء مناطق اقتصادية في المحافظات الداخلية يعكس تطوراً في فلسفة التنمية في سلطنة عُمان، قائلاً: "بعد أن كانت المشاريع الكبرى متركزة في المناطق الساحلية، يأتي هذا القرار ليوزّع النشاط الاقتصادي بشكل أكثر عدالة واستدامة، ويحفّز المجتمعات المحلية على المساهمة في بناء اقتصاد متنوع ومتماسك".
ويضيف أن هذا التوسع في المناطق الاقتصادية سيُسهم في تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني، ورفع مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، ما يتماشى مع مستهدفات الخطة الخمسية العاشرة.
كما سيساعد على ربط الأنشطة الإنتاجية في الداخل العُماني بشبكة الموانئ والمطارات، ما يعزز من مكانة السلطنة كمركز عبور إقليمي وموقع استراتيجي لسلاسل الإمداد بين آسيا وأفريقيا والخليج، وفق سيف الدين.
مناطق صناعية
ولدى سلطنة عُمان عدد من المناطق الصناعية التي تسعى السلطنة لتنميتها وتحويلها إلى مراكز جذب استثمارية، ومن أبرز تلك المناطق:
الرسيل الصناعية: أولى المناطق الصناعية في عُمان افتتحت عام 1983، تقع قرب مطار مسقط على مساحة 7.9 ملايين متر مربع، وتضم أكثر من 200 مصنع في مجالات الكيميائيات والمواد الغذائية والمنسوجات ومواد البناء.
صحار الصناعية: افتتحت عام 1992 بمساحة 21.6 مليون متر مربع، وتضم نحو 239 مصنعاً، وتتميز بقربها من ميناء صحار وتنوع صناعاتها بين الألمنيوم والزجاج والمنظفات والمنتجات الغذائية.
ريسوت الصناعية: أُنشئت عام 1992 في صلالة على مساحة 3.1 ملايين متر مربع، قرب ميناء صلالة، وتضم مصانع للأسماك والحديد والقرطاسيات والزيوت النباتية والمنتجات الطبية.
صور الصناعية: افتتحت عام 1999 على مساحة 36.1 مليون متر مربع، وتضم مشاريع استراتيجية كعُمان للغاز الطبيعي المسال وقلهات للأسمدة، ما يجعلها من أهم المراكز الصناعية في الشرق.
نزوى الصناعية: أُنشئت عام 1994 بمساحة تقارب 3.1 ملايين متر مربع، وتضم أكثر من 90 مشروعاً في قطاعات متنوعة تسهم بتنمية الصناعات في محافظات الداخلية والمناطق المجاورة.
البريمي الصناعية: افتتحت عام 1998 بمساحة 5.5 مليون متر مربع، على الحدود مع الإمارات، وتضم أكثر من 330 مشروعاً صناعياً وخدمياً مستفيدة من موقعها اللوجستي المتميز.
المزيونة الحرة: أنشئت عام 1999 بمساحة 4.5 مليون متر مربع، قرب حدود اليمن، وتتمتع بإعفاءات ضريبية وجمركية كاملة وحوافز استثمارية واسعة.
سمائل الصناعية: أُعلن عنها عام 2010 بمساحة 7.4 ملايين متر مربع، وتهدف لاحتضان الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مع إقبال يفوق 130 مستثمراً.
واحة المعرفة مسقط: مجمع تقني وتعليمي تأسس لتشجيع صناعات التقنية والابتكار، يمتد على مساحة 582 ألف متر ويضم مؤسسات أكاديمية ومكاتب للشركات التكنولوجية.
المنطقة الصناعية بالدقم: تمتد على مساحة 2000 كيلومتر مربع منذ العام 2011 وتمتلك العديد من الميزات التي تجعلها واحدة من مناطق الاستثمار الرئيسية على المستويين الإقليمي والعالمي.