اقتصاد » تطوير بنى

حلم الصحراء .. السعودية تستثمر بالفخامة على القضبان لتنويع اقتصادها

في 2025/11/17

سلمى حداد - الخليج أونلاين

تسير المملكة العربية السعودية بخطى ثابتة نحو دخول قطاع السفر الفاخر من أوسع أبوابه، مع مشروع "حلم الصحراء"، الذي يُتوقّع أن يصبح عند تشغيله في عام 2026 أحد أبرز رموز التحول السياحي في المنطقة.

المشروع، الذي تطوره شركة "أرسينالي" الإيطالية بالشراكة مع الخطوط الحديدية السعودية (سار) وصندوق التنمية السياحي، يُعدّ أول قطار فاخر من فئة خمسة نجوم في الشرق الأوسط، ويمثل نموذجاً ملموساً لرؤية المملكة 2030 في تنويع الاقتصاد وتعزيز التجارب السياحية النوعية.

وفي 13 نوفمبر 2025، أعلنت "أرسينالي" توقيع مذكرة تفاهم مع الصندوق لدعم تطوير المشروع وتوفير إطار تمويلي واستراتيجي لمراحله التنفيذية، بما يضمن استدامة التشغيل وتحقيق أعلى معايير الفخامة والضيافة.

وقال قصي الفاخري، الرئيس التنفيذي للصندوق، على هامش التوقيع، إن المشروع "يعيد تعريف مفهوم السفر الفاخر في السعودية، ويؤكد قدرتها على استقطاب الابتكار العالمي وربطه بثرائها الحضاري والطبيعي"، وفق وكالة "واس".

مزيج الصحراء والفن الإيطالي

ويتألف القطار من 14 عربة تشمل 33 جناحاً فندقياً فاخراً تتّسع لـ 66 ضيفاً فقط، ليضمن تجربة حصرية عالية الخصوصية، وتولت تصميمه المعمارية اللبنانية الفرنسية ألين أسمر دامان، التي حرصت على المزج بين الهوية السعودية الأصيلة والحرفية الإيطالية الدقيقة.

وتتزين العربات الداخلية بألوان مستوحاة من رمال الصحراء الذهبية، وتفاصيل خشبية منحوتة يدوياً تعبّر عن العمارة التقليدية في مناطق مثل العُلا ومدائن صالح وحائل.

أما المقاعد والستائر فاختيرت بدرجات الزمرد والألوان الترابية الدافئة، فيما أُضيفت لمسات معدنية بلون ذهبي خافت يعكس ضوء الصحراء.

وتضم العربات:

غرف نوم فندقية بأسرّة فاخرة وأحواض استحمام داخلية وخدمة غرف على مدار الساعة.
مطعمين فاخرين يقدمان قائمتين: سعودية عربية تقليدية وعالمية بلمسات إيطالية يعدّها طهاة محليون ودوليون.
صالة مجلس رئيسية بطابع سعودي أنيق، مصممة لتكون مساحة للقاءات الثقافية والاجتماعية.
ممرات عرض فنية تضم صوراً فوتوغرافية لأشهر معالم السعودية الطبيعية والثقافية.

ووفق تقرير نشرته "سي إن إن ترفل" (CNN Travel)، في يناير 2025، صُممت صالات الاستقبال لتبدو كـ"مجالس سعودية ترحيبية"، في حين تجمع غرف النوم بين أسلوب يجمع بين الأناقة والدفء العربي. كما يتميز القطار بلون خارجي رملي معدني مائل إلى البنفسجي، يعكس المناظر الصحراوية المحيطة.

مسار يروي حكاية المملكة

وينطلق القطار من الرياض متجهاً شمالاً على امتداد شبكة "قطار الشمال" لمسافة 1300 كيلومتر، مروراً بحائل والعُلا وجدة ونيوم، مع توقفات منظمة في محطات مختارة تتيح للركاب استكشاف الطبيعة والمواقع التراثية على طول الرحلة.

وتتراوح مدة الرحلات بين ليلة واحدة وليلتين، وتشمل جولات ميدانية وفعاليات ثقافية داخل المحطات، بالتعاون مع وزارة الثقافة وهيئة السياحة السعودية.

وقال وزير النقل والخدمات اللوجستية، صالح الجاسر، في تصريحات لقناة "العربية" في يناير الماضي، إن المشروع "يستثمر البنية التحتية القائمة للسكك الحديدية، ويضيف إليها بعداً سياحياً جديداً يعكس هوية المملكة"، مشيراً إلى أن "القطار يمثل مزيجاً من التقنية الحديثة والفخامة التراثية".

ومن أبرز ما يميز المشروع تركيزه على الاستدامة البيئية، فبحسب بيان "أرسينالي"، يعتمد القطار على نظام طاقة حديث منخفض الانبعاثات، ويستخدم مواد بناء معاد تدويرها بنسبة تتجاوز 40% في الأثاث والتجهيزات الداخلية.

كما يجري تطوير أنظمة طهي وتكييف موفرة للطاقة تناسب البيئة الصحراوية الحارة دون التأثير على الراحة.

وقال باولو بارليتا، الرئيس التنفيذي لأرسينالي، إن الشركة "تعمل على تقديم تجربة فاخرة دون الإضرار بالبيئة المحيطة"، مؤكداً أن المشروع "سيكون أحد أكثر القطارات الصديقة للبيئة في فئته حول العالم"، وفق بيان للشركة.

ويدخل "حلم الصحراء" نادي القطارات الفاخرة إلى جانب أيقونات عالمية مثل "الشرق السريع" الأوروبي و"قطار الملوك" في الهند و"شيكي شيما" في اليابان.

لكن ما يميز النسخة السعودية، كما تقول مجلة "Condé Nast Traveler"، في يناير 2025، هو أنها "أول تجربة فندقية متنقلة في صحراء تمتد عبر تضاريس متنوعة بهذا الحجم، وبمستوى خدمات يضاهي أفخم الفنادق الأوروبية".

والقطار مزوّد بخدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية، وأنظمة تحكم ذكية في الإضاءة والحرارة، وتطبيق رقمي مخصص لإدارة الرحلات والطلبات الفندقية. كما ستُتاح خيارات حجز مخصصة للرحلات القصيرة واليوم الواحد، إضافة إلى باقات تمتد يومين تشمل الإقامة في وجهات مثل العُلا ونيوم.

أرقام واستثمارات

واستثمرت "أرسينالي" أكثر من 200 مليون ريال سعودي (53.33 مليون دولار) في المشروع حتى مطلع عام 2025، بحسب صحيفة الاقتصادية السعودية.

وتشير تقديرات أولية إلى أن التكلفة الإجمالية للقطار قد تتجاوز 350 مليون ريال مع اكتمال التجهيزات والتشغيل.

أما الأسعار المتوقعة للتذاكر، وفق ما نقلت "الاقتصادية"، فتبدأ من نحو 1500 دولار للرحلة الواحدة في الجناح الفاخر، وقد تصل إلى 3500 دولار للأجنحة الرئاسية، ما يجعلها من بين التجارب الأعلى تكلفة في العالم العربي.

وتشير توقعات وزارة السياحة السعودية إلى أن المشروع قد يحقق عوائد مباشرة تتجاوز 500 مليون ريال سنوياً خلال السنوات الثلاث الأولى من التشغيل، بالإضافة إلى الأثر غير المباشر على قطاعات الضيافة والفنون والثقافة.

الأبعاد الاقتصادية

ويقول الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، في مقابلة مع "الخليج أونلاين"، إن "المشروع لا يقاس فقط من زاوية العائد السياحي، بل من حيث أثره على سلاسل القيمة المحلية، فهو يحفّز الطلب في قطاعات التصميم، والصيانة، والخدمات اللوجستية، ويعزز مكانة السعودية كمركز إقليمي للسفر الفاخر".

ويضيف: "كل رحلة من هذا القطار تمثل تسويقاً متنقلاً للمملكة، تُظهر للعالم الوجه الجديد للسعودية؛ بلد يجمع بين الحداثة والهوية، بين الرمل والذهب، بين الضيافة والابتكار".

ويرى أبو قمر أن القطار قد يسهم في رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 10% بحلول عام 2030، تماشياً مع أهداف رؤية 2030، مشيراً إلى أن "المشاريع التجريبية بهذا الحجم تخلق ثقة عالمية في السوق السعودي، وتفتح الباب لمزيد من الاستثمارات في قطاع الترفيه والنقل الفاخر".

ويرى أن السعودية تستخدم مشاريع الفخامة، مثل "حلم الصحراء" و"منتجع أمالا" و"مشروع البحر الأحمر"، كجزء من استراتيجية القوة الناعمة، لتغيير الصورة الذهنية للمملكة عالمياً، وجذب الطبقات الثرية من السياح والمستثمرين.

وتستهدف المملكة جذب 150 مليون زائر سنوياً بحلول 2030، مع تخصيص حصة من السوق للسياحة الفاخرة التي تتجاوز قيمتها عالمياً تريليوني دولار.

ويقول أبو قمر إن "هذا القطار ليس مشروع نقل، بل إعلان رمزي عن دخول السعودية نادي الفخامة العالمية".

ورغم الزخم الكبير، تواجه المبادرة تحديات حقيقية تتعلق بتكلفة التشغيل العالية في بيئة مناخية قاسية، والحاجة إلى كفاءات بشرية مؤهلة في إدارة الضيافة المتحركة، وفق أبو قمر.

كما أن نجاح المشروع يعتمد على مدى استقطاب السوق الدولية، خاصة من أوروبا وآسيا، حيث يُعد السفر بالقطار تجربة ثقافية أكثر من كونه وسيلة تنقل، كما يقول المحلل الاقتصادي.