أحمد محمد - الخليج أونلاين-
الاتهامات التي وجهتها هيئة التحقيق والادعاء العام السعودية للمدعى عليهما رقم 23، و24 أظهرت اليد الإيرانية العابثة بالمنطقة الخليجية عامة، والسعودية خاصةً.
ووفق هيئة التحقيق، تتعلق الاتهامات بلقاءات مع عنصر استخباراتي إيراني، عمل سكرتيراً أول في المندوبية الإيرانية بمنظمة التعاون الإسلامي بجدة والمدينة المنورة، وتخزين وحيازة ما من شأنه الإضرار بالنظام العام، والتجسس والتخابر مع جهاز الاستخبارات الإيرانية والتعاون معهم لتحقيق أهداف وزرع بذرة الفتنة الطائفية وتقديمه تقارير ومعلومات استخبارتية عن الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية بالبلاد.
اللافت للانتباه أن المتهميْن أحدهما يستكمل تعليمه بالحصول على الدكتوراه في الفيزياء النووية بالصين على حساب السعودية، والآخر يستكمل دراسته في الدكتوراه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وقبل تلك الخلية، كان 30 سعودياً، بينهم أكاديميون وعسكريون ومحلل اقتصادي ومدير فرع مصرفي، نجحت جمهورية الوليّ الفقيه في جرهم إلى مستنقع الخيانة، عبر تجنيدهم للتجسس لحسابها على حساب وطنهم وأمنه، لكنّ المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، الذي التقى العدد الأكبر منهم، أخفق في الوصول إلى أهدافه هذه المرة، وبات عليه أن يواجه، عدا الخيبة، مقصلة القضاء السعودي.
وأراد خامنئي من خلال لقائه بالخلية التي اشترى ولاءها طائفياً ومالياً على ما يبدو، "تقديس" مهمتهم التخريبية في البلاد الجارة، وإعطاءها زخماً وهالة وشرعية استثنائية، وهو الأمر الذي يكشف عن الحجم الهائل للمهمة الخطيرة التي ألقيت على عاتق هؤلاء الأشخاص، وهو ما تكشفه أيضاً لائحة الدعوى التي وجهت لهم.
والأحد 2016/2/21، بدأت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، بمحاكمة 8 متهمين يمثلون الدفعة الأولى من خلية تجسس من 30 سعودياً وأفغاني وإيراني، ترتبط مباشرة بعناصر من الاستخبارات الإيرانية.
وخصصت المحكمة خمسة أيام بدأت الأحد وتنتهي الخميس المقبل 2016/2/25، لتسليم المتهمين لائحة الدعوى من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام، في مرحلة أولى للمحاكمة، على أن يتم منحهم 30 يوماً للرد عليها وتوكيل محامٍ للترافع عنهم، وفق إجراءات التقاضي المتبعة في السعودية.
ورفعت الجلسة الأولى، لتمكين المتهمين الثمانية من إعداد إجاباتهم على الدعوى، فيما ستواصل المحكمة استعراض بقية أعضاء الخلية لتسليمهم لوائح الادعاء.
- جذور القضية
تعود جذور القضية إلى ثلاث سنوات خلت، عندما أعلنت وزارة الداخلية السعودية في 19 مارس/ آذار 2013 إلقاء القبض على سعوديين وإيراني تورطوا في أعمال تجسسية لمصلحة إيران، وذلك بناء على ما توافر لرئاسة الاستخبارات العامة السعودية بعد جمع معلومات عن مواقع حيوية، إذ جرى القبض عليهم بالتعاون مع المديرية العامة للمباحث في وزارة الداخلية، وذلك في أربع مناطق هي: مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض والشرقية.
- التهمة: خيانة عظمى
وخلال الجلسة الأولى في المحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة الرياض، أوضحت هيئة التحقيق والادعاء العام أن أعضاء من الخلية قاموا بإرسال تقارير دورية باستخدام برامج التشفير للاستخبارات الإيرانية، لتقديم معلومات سرية في المجال العسكري.
وكشفت هيئة التحقيق أن المتهمين في قضية الخلية التجسسية لمصلحة إيران قد التقوا علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، وذلك بعد أن نسقت لهم الاستخبارات الإيرانية ذلك الاجتماع بإحدى المدن الإيرانية، بغية رسم الأهداف لهم بهدف ارتكاب أعمال تخريبية، وإثارة الفتنة الطائفية، وتجنيد عناصر في أجهزة الدولة لغرض التجسس.
وكشفت هيئة التحقيق أن ثمانية سعوديين من أصل 32 شخصاً كوّنوا خلية تجسس بالتعاون والارتباط والتخابر مع عناصر من المخابرات الإيرانية، بتقديم معلومات في غاية السرية والخطورة في المجال العسكري تمس الأمن الوطني السعودي، ووحدة وسلامة أراضيها وقواتها المسلحة، وإفشاء سر من أسرار الدفاع، والسعي لارتكاب أعمال تخريبية ضد المصالح والمنشآت الاقتصادية والحيوية في البلاد، والإخلال بالأمن والطمأنينة العامة، وتفكيك وحدة المجتمع، وإشاعة الفوضى، وإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية.
وقال ممثل هيئة التحقيق والادعاء العام إن المتهمين شرعوا بالقيام بأعمال عدائية ضد السعودية، والخيانة العظمى لبلادهم وملكهم وأمانتهم.
وأشار ممثل هيئة التحقيق والادعاء العام في الدعوى التي سلمت للمتهمين إلى أنهم عملوا على تجنيد أشخاص يعملون في أجهزة الدولة لغرض التجسس، والتخابر لمصلحة الاستخبارات الإيرانية، وتحقيق أهدافها، وسفر معظمهم إلى إيران ولبنان، ومقابلتهم هناك عناصر من الاستخبارات الإيرانية.
وتضمنت لائحة الدعوى المرفوعة ضد عناصر خلية التجسس، اتهامهم بتلقي دورات مختلفة بغرض إجادة العمل التجسسي لمصلحة الاستخبارات الإيرانية، دون انكشاف وافتضاح أمرهم من قبل الجهات الأمنية، إذ قامت الخلية بإعداد وإرسال عدة تقارير مشفرة باستخدام برنامج تشفير إلى الاستخبارات الإيرانية عبر البريد الإلكتروني لكل شخص في الخلية.
كما اتهموا بتمويل الأعمال الإرهابية والاشتراك فيها عن طريق الاتفاق والتحريض عبر عصابة منظمة بموجب المادة الثانية من نظام مكافحة غسل الأموال، وارتكاب معظمهم لجرائم الرشوة بأخذ أموال مقابل الإخلال بواجبات وظيفتهم.
وعقد عناصر الخلية التجسسية كثيراً من الاجتماعات بأماكن مختلفة مع عناصر الاستخبارات الإيرانية، وسلموا تقارير دورية تمس أمن السعودية، وسلامة أراضيها وقواتها المسلحة، فضلاً عن إفشاء بعضهم لتعاميم وبرقيات سرية تمس أمن السعودية، ودخول بعضهم بطريقة غير مشروعة إلى أنظمة معلوماتية عن طريق جهاز الحاسب الآلي بغرض الحصول على بيانات سرية تمس أمن السعودية داخلياً وخارجياً، واقتصادها الوطني.
- ليست الأولى
ليست خليّة الـ32 السعودية الأولى خليجياً التي تتهم بالخيانة العظمى لارتباطها بالمخابرات الإيرانية، إذ ما تزال قضية ما يعرف في الكويت بـ"خلية العبدلي" حاضرة في الأذهان والصحافة ومجلس الأمة، وهي الخلية التي أدينت بالتجسس لمصلحة إيران وحزب الله، وعثر بحوزتها على ترسانة ضخمة من الأسلحة والمتفجرات في الكويت.
لا تتدخل إيران في الشؤون الخليجية عبر تصريحات سياسييها الفظة وحسب، إنما تعمل على أكثر من صعيد، بدءاً من تأسيس المليشيات الطائفية وتمويلها وتسليحها وتدريبها، كمجموعة حزب الله التي يوجد أكثر من نسخة خليجية لها، وخلية العبدلي التي جمعت أطنان الأسلحة عبر البحر من إيران، وعبر زرع الجواسيس في مؤسسات الدولة المختلفة، وخلخلة الأمن العام عبر تحشيد الشيعة للقيام بمظاهرات وأعمال شغب، والتي لم يسلم منها حتى موسم الحج المنصرم.
وتتعامل إيران في كثير من الحالات على أن المواطنين الشيعة الذي يشكون طيفاً معتبراً من تشكيلة المجتمع الخليجي، كما لو كان من رعاياها، كما حدث عندما نفذت السلطات السعودية حكماً قضائياً بإعدام 47 شخصاً بينهم السعودي نمر النمر، وما تلاها من اعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، وهي الاعتداءات التي واجهها المسؤولون الإيرانيون بالتقاط صور السلفي أثناء وقوعها.
وربما تريد إيران خلق المزيد من المليشيات والأذرع التي تجعلها تمسك بأكبر قدر من ملفات الضغط في القضايا السياسية في المنطقة، مستفيدة من تجاربها التي نجحت خلال فترة من الفترات كمليشيا حزب الله اللبناني، وميلشيا الحوثي، وميلشيات وأحزاب عدة في العراق، مكنتها من فرض سطوتها على القرار السياسي في هذه البلاد، أو القيام بانقلابات عبر تلك الأذرع، إلا أنّ ما لم يجر حسبانه في ذهن الولي الفقيه وتخطيطاته وتدبيراته، هو فطنة القيادة السعودية خصوصاً والخليجية عموماً، إلى ما يدور في خائنة المرشد الأعلى، واستعدادهم الكامل له.